خميس القضاة الأسود .. 11 مايو2006 كشفت وزارة الداخلية عن وجهها الحقيقي في أحداث الخميس الأسود والذي تزامن مع مثول القاضيين محمود مكي وهشام بسطاويسى أمام لجنة تحقيق وهو ما اعتبره الرأي العام المصري وكل القوى السياسية المصرية اعتداء وعقاب لقاضيين معروف عنهما النزاهة. والمتابع لأحداث الخميس الموافق 11مايو 2006 يلمح مدى الفزع الذي أصاب كل رجال وزارة الداخلية من الرتب العليا في الوزارة وصولا لأصغر مخبر في نقطة للشرطة. وكانت القوى الوطنية المصرية قد وجهت نداء لجماهير الشعب المصري من أجل للتضامن مع قضاة مصر الشرفاء في مطالبهم الخاصة بإصدار قانون استقلال السلطة القضائية المقدم من نادي القضاة، وبالإشراف القضائي الكامل على كافة الانتخابات، وبإلغاء إحالة القضاة الشرفاء إلى المحكمة التأديبية كما طالبت القوى الوطنية بالإفراج الفوري عن المعتقلين من كافة التيارات السياسية المتضامنين مع القضاة في مطالبهم المشروعة .. ولعل المأزق الذي واجهته وزارة الداخلية في ذلك اليوم هو أن الموقعون على البيان كانوا يمثلون كل ألوان الطيف السياسي دون استبعاد أو استحواذ فمن أقصى يمين الإخوان المسلمون إلى أقصى يسار الفصائل الاشتراكية كلهم وقعوا على النداء واجتهدوا لتنفيذه لذلك كان الحشد من المحافظات أمرا ملحوظا وهو ما دعا إلى انزعاج الأمن ليرد بكل تراثه القمعي بالعنف والاعتقال .. وقبل أن ندخل فى تفاصيل اليوم نرصد بسرعة أسماء القوى التي صنعت هذا اليوم المجيد فنقرأ : الحركة المصرية من أجل التغيير – كفاية / الحزب العربي الديمقراطي الناصري -الحزب الشيوعي المصري /الحملة الشعبية من أجل التغيير – الحرية الآن / جماعة الإخوان المسلمين / حركة الشارع لنا /حزب الاشتراكيين المصريين – تحت التأسيس / حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي / حزب الشعب الاشتراكي / حزب العمل / حزب الغد / حزب الكرامة / شباب من أجل التغيير / منظمة الاشتراكيين الثوريين / نقابة الصيادلة / نقابة الأطباء. وتحت شعارين لا ثالث لهما توحدت كل القوى ليرفعوا معا لافتات واضحة تقول ( نعم لاستقلال القضاء... لا للاستبداد والطوارئ ) والملاحظة المهمة هي أن تلك المظاهرة والتي حددت الدعوة مكانها أمام دار القضاء العالي لم تنجح في الوصول إلى المكان المحدد في الدعوة ولكنها نجحت بامتياز في توصيل الرسالة من عشرات الأماكن البديلة . ونرى المشهد صباح ذلك اليوم كئيبا حيث احتلت وزارة الداخلية منطقة وسط البلد بالكامل وقامت بتفريغها تماما من المواطنين وجاء ذلك واضحا في إغلاق شارع عبد الخالق ثروت من ناحية شارع طلعت حرب وإغلاقه أيضا من الجهة المقابلة من اتجاه شارع رمسيس وبهذا الاستحكام الأمني تحولت دار القضاء العالي ونقابة المحاميين ونقابة الصحفيين ونادي القضاة إلى أسرى حرب بين أيدي جنود الأمن المركزي. لم يتوقف الأمر عند هذا المشهد بل كان هناك حصار متواصل لكل التجمعات السلمية الراغبة في التعبير عن رأيها ..حصار يفضى دائما إلى المنع والضرب والاعتقال، هذه الحالة لم يسلم منها سوى أعضاء مجلس الشعب وفى القلب منهم نواب الإخوان المسلمين الذين تحصنوا بحصانتهم وارتدوا السواد ونظموا مسيرة طافت شوارع وسط البلد مخفورة من الأمن الصحيح هو أن تلك المسيرة كانت محدودة العدد ولكنها كانت كبيرة التأثير. أما حزب التجمع وأعضاء الحملة الشعبية من اجل التغيير (الحرية الآن) فكان موعدهم في ميدان طلعت حرب وما أن تحركت المسيرة التي لم تضم أكثر من أربعين مشاركا حتى هب الأمن المركزي بعدته و عتاده كانت المسيرة قد مشت خطوات معدودة من شارع محمود بسيونى حيث مقر حزب التجمع نحو الميدان وأمام مكتبة مدبولى تم الحصار المعتاد مع دخول عشرات من مجموعات فض الشغب المعروفة باسم فرق الكاراتيه وبعد خطف اللافتات والأعلام من أيدي المشاركين تصدى ضابط شاب ليرفع سبابته ويعلن بحنجرة مرتعشة”مش هاتتحركوا ولا خطوة من هنا قدامكم عشر دقايق واقبض عليكم كلكم” وبينما ينتفض الضابط تسلل عدد من المخبرين وبكل “غشومية” قاموا بتكتيف أحد الشباب محاولين سحبه خارج الكردون وهو ما انتبه إليه المحاصرين فقاموا بتخليصه من بين أيديهم بصعوبة بالغة. وفيما يحاول المهندس طلعت فهمي ومحمد سعيد وصلاح عدلي والمهندس عادل المشد أن يفهموا الترسانة العسكرية أن المسيرة سلمية وان هذا حق يكفله الدستور كان صوت عصا الأمن الغليظة اعلي من صوت العقل. في ذات توقيت الحصار المضروب أمام مكتبة مدبولى يصلنا خبر على الموبايل أن الهتاف بدأ على ناصية 26 يوليو حيث تجمع عشرات الناشطين في مواجهة الحشود الأمنية وما إن انطلق شعار: ” شدوا حيلكم يا قضاه خلصونا م الطغاة” حتى تحول الشارع إلى مباراة بربرية غير متكافئة استخدم الأمن فيها كل أدوات القمع والقهر والإذلال من الضرب بالحذاء إلى استخدام العصي مرورا باللكم والضرب على الأقفية، لم يكن في هذه اللحظة إلا العمى والجنون فلم تفرق قوات الأمن بين ناشط سياسي يحلم بالحرية و مراسل صحفي يمارس عملة المهني في نقل الوقائع للرأي العام حتى أن كاميرا قناة الجزيرة تهشمت وعلمنا أن مراسلهم الصحفي محمد الضبع قد تعرض لاعتداء فضلا عن مطاردة عشرات المصورين الذين كان فرارهم إلى شارع رمسيس صورة بارزه في وسائل الإعلام في اليوم التالي للمعركة. وبالطبع لم تفرق عصا الأمن أيضا بين السياسي والناشط والمواطن العادي الذي ساقه حظه العاثر إلى هذا الموقع ولذلك كان طبيعيا أن يصف بيان نقابة الصحفيين ما جرى من اعتداء على أبناء المهنة بأنه “اعتداء غاشم”. لوارى ولاسلكى عشرات من سيارات اللورى التابعة للأمن المركزي ظلت رابضة في شارع طلعت حرب.. يستعرض الضباط عضلاتهم وجهاز اللاسلكى يتحرك بين الفم والأذن. ومراقبو حقوق الإنسان يتحركون في هدوء حذر. جنود الأمن المركزى الذين طالما أشفقنا عليهم بسبب شقائهم غير المبرر كانت ملامحهم هذه المرة في منتهى البلادة بعضهم يفتح فمه سخرية وانتصارا والبعض الآخر يجمع مخزون غضبه في انتظار لحظة المجهول. يدق اللاسلكى في يد الضابط عريض المنكبين و يأتي الأمر “اطلع على جامع الفتح بسرعة” وتطقطق عظام اللوارى المحشوة بالجنود ويفتح السائقون على الرابع وبدورنا تبادلنا الاتصالات مع رفاقنا المراقبين وعرفنا أن أكثر من مائتي شاب قرب ميدان رمسيس ينتمي الأغلبية منهم إلى الإخوان المسلمين امتلكوا الشجاعة وهتفوا للحرية وكان ثمن الهتاف فادحا. ومن عند جامع الفتح تمت أكبر عملية قبض عشوائي على المواطنين حتى بدا الأمر بأنه لم يكن عقابا عاديا بل انتقاما من الغاضبين لكرامة القضاة وكرامة الوطن فهل انتهت الأحداث عند هذا الحد؟ نقول: لا، فقد واصلت وزارة الداخلية عدوانها حتى بعد انتهاء التحرك ففى يوم الأحد الموافق 14 مايو 2006 أي بعد الخميس الأسود بيومين فقط ألقت الشرطة القبض على سبعة نشطاء بينهم ثلاث فتيات من أمام محكمة الاستئناف وكان المقبوض عليهم هم علاء احمد سيف الإسلام وأسماء على ورشا عزب وكريم الشاعر وندى القصاص و فادى أمين اسكندر وأحمد عبد الغفار. وبعد حجز النشطاء السبعة في قسمي السيدة زينب والدرب الأحمر تمت إحالتهم إلي نيابة أمن الدولة بتهم “التجمهر” و”تكدير السلم العام” وقررت النيابة حبسهم 15 يوما على ذمة التحقيقات. لم تكن تلك الحملة التي قام بها الأمن أمام محكمة الاستئناف هي الأولى من نوعها بل هي في الترتيب الزمني تعتبر الرابعة ضمن أحداث القضاة و يذكر المتابعون انه سبقها ثلاث حملات كانت أولها في نهاية أبريل 2006 وتم القبض خلالها على 12 شابا كانوا معتصمين أمام نادي القضاة تضامنا مع القضاة المحالين الى التحقيق ,وكان هؤلاء الشباب قد بدأوا اعتصامهم منذ مساء 20 ابريل 2006 عقب وصولهم مع المظاهرة الحاشدة التي بدأت من شبرا دفاعا عن الوحدة الوطنية وانتهت أمام دار القضاء العالي وقتها قلنا أن العلم المصري الأكبر حجما قد ظهر في مظاهرة شبرا والمعتصمون أمام نادي القضاة حرصوا على أن يكون هذا العلم هو شعارهم على الخيام المحدودة التي أقاموها على الرصيف المقابل لنادي القضاة بشارع عبد الخالق ثروت ومن عجائب النظام الحاكم في حينها أن يأتي مبرر القبض على المعتصمين أنهم يشغلون الطريق العام بإقامتهم خيمة على رصيف الشارع وتردد أن قرارا صدر من محافظ القاهرة الدكتور عبد العظيم وزير يقضى بإزالة الخيمة وهنا لم يتم إزالة الخيمة فقط ولكن إزالة العلم المصري أيضا حيث تم الاعتداء على هذا العلم وتمزيقه في مشهد تم تصويره بتليفون محمول وتبادل النشطاء هذه المقطع وبعدها تم رفعة على اليوتيوب . المقبوض عليهم من المعتصمين تم عرضهم أمام نيابة عابدين وقررت النيابة حبسهم 15 يوما علي ذمة التحقيقات. أما الحملة الثانية فكانت يوم الأربعاء السابق على عاصفة الخميس الأسود وبالتحديد في 10 مايو 2006 وألقى خلالها القبض على 16 معارضا من بينهم القياديان د/ جمال عبد الفتاح وكمال خليل. أما الحملة الثالثة فهي تلك التي تمت يوم الخميس الأسود ذاته وذلك في مطاردات مثيرة في وسط البلد . ووجهت مباحث أمن الدولة للمجموعتين الأخيرتين ( مجموعة الأربعاء ومجموعة الخميس ) عدة تهم من بينها إهانة رئيس الجمهورية، وبعد رفض المقبوض عليهم الإجابة عن أسئلة نيابة أمن الدولة ورفض التحقيق لقناعة المقبوض عليهم بعدم دستورية إنشاء النيابة قررت النيابة حبسهم 15 يوما ليدخل المقبوض عليهم إضرابا عن الطعام بسجن طره احتجاجا على الظروف السيئة التي يعيشونها داخل السجن.