علي وجه التحديد .. أثناء أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 و حتي يومنا هذا , كنت اذا نظرت الي وجوه الآلاف من المتظاهرين ستجد أغلبهم – ان لم يكن كلهم – تحت سن الثلاثين .. شباب وشابات هم مستقبل الوطن.. غاضبون .. ملوحون .. هاتفون ..منددون .. متحفزون .. ثائرون علي وضع غريب خرجوا إلي الحياة من بطون أمهاتهم ليعيشوا فيه تحت مظلة رئيس واحد طوال ثلاثة عقود كاملة لم يروا فيها إلا صورة رئيس واحد كانت مدارسهم بإسمه .. صورة في الجامعات و المعاهد .. ثم صوره في المكاتب الحكومية للمصالح و الوزارات التي فشلوا في الإلتحاق بإحدي وظائفها بعد أن إنتهوا من دراستهم و حصلوا علي مؤهلاتهم العليا .. الحجر الذي يقذف به الشاب صوب قوات الشرطة لم يكن يوجهه صوب صديقه او جاره جندي قوات حفظ الأمن , انما هو .. يوجهه الي رئيس القسم الظالم في مكان العمل الذي يعمل به ان كان يعمل حرمه من الحافز والمكافأة التي يستحقها .. يوجهه الي أستاذ في قاعة درس اضطهده فقلل من درجاته التي يستحقها مع ان تلك الدرجات هي حق إجاباته الصحيحة في ورقة الامتحان .. يوجهه الي صاحب عمل يستنزف طاقته و يحمله بمجهود عمل فوق قدراته البدنية لأن صاحب العمل يدرك انه لو طرده خارج باب محله فلن يجد عملاً بديلاً في محل آخر.. يوجهه الي مسئول كبير في نظام الدولة يتعجب من غضبة الشباب و يسفه و يقلل من ثورة غضبه علي اوضاع حياته المعيشية و يدعو الشباب الحاصلين علي مؤهلات الدراسة العليا للعمل كأفراد امن يحرسون المنشآت و العمارات السكنية .. يوجهه الي والد فتاة أحبها وأراد الارتباط بها فتقدم طالبا يدها من والدها فاذا به ينهره و يعنفه علي ضيق ذات يده المغلولة .. يوجهه الي مسئول الإسكان الذي تقدم اليه بطلب حجز مسكن فاذا به يخبره بضرورة الانتظار في طابور المتقدمين الطويل جداً .. يوجهه الي كل من يقبض ملايين الجنيهات لقاء احراز الأهداف في لعبة كرة القدم , او القيام ببطولة فيلم سينمائي , أو عمولات اعلانات في الصحف و المجلات بينما منتهي أمله أن يحصل علي بضع مئات فقط كل ثلاثين يوماً .. يوجهه الي ذلك الموظف الذي يطبق عليه قانون اشغال الطريق العام عندما ضبطه يبيع بعض المناديل و لعب الأطفال وضعها فوق قطعة خشبية علي رصيف احد شوارع وسط البلد في محاولة لكسب بعض الجنيهات بالطريق الحلال تساعده علي المعيشة بشرف و امانة , و لا طريق أمامه إلا بدفع رشوة في صورة "اكرامية" ليستعيد بضاعته المحتجزة, ليواصل العمل مرة ثانية علي الرصيف .. يوجهه الي المدرس الخصوصي الذي لا يرحمه و يصر علي قبض ثمن حصة الدرس قبل البدء في شرح المنهج .. يوجهه الي أصحاب السيارات الفارهة التي يتعدي ثمن الواحدة منها مئات الالاف تجوب الشوارع باصحابها تحيط به في كل مكان بينما هو ينظر الي قائديها متعجباً من غرورهم بامكانيات تلك السيارات , ذلك الغرور الذي قد يقتل عشرات من الواقفين منتظري سيارة هيئة النقل العام علي طريق المحور .. يوجهه الي تجار الأوهام يخدعون الشباب بحلم السفر و الهجرة خارج الوطن ليتم شحنهم في مراكب متهالكة ليلقوا حتفهم في عرض البحر بعيدا عن ارض الوطن الذي هجروه .. اولئك و غيرهم هم الذين وقفوا بين الوطن و شبابه فجعلوه يعرض عنه و لا يفكر فيه و جعلوا امل كل شاب ان يهجر الوطن و يهاجر بعيداً عنه و لا يعيش علي ارضه .. شباب الوطن عنده مشكلة , علينا ان نتعرف عليها منهم و ليس من أحد غيرهم , ثم ندرسها , و نشخصها لنعرف أسبابها و نتعاون جميعاً لنضع الحل الأنسب لها حتي لا يضيعوا منا , فان ضاعوا منا فسيضيع مستقبل الوطن كله, و لن يرحمنا التاريخ عندئذ .. حجارة المتظاهرين .. كانت رسالة شباب لم نقرأها حتي الآن .. و لسوف يظل هذا الحجر في قبضة يد ذلك الشاب يبعث به رسائل سبق و أن أرسلها من قبل طالما لم تتحقق طموحاته و آماله في حياة كريمة حتي و لو في حدها الأدني ..