اتمسك بحقك    انتهاء موعد تنازل المرشحين بانتخابات مجلس الشيوخ عن الترشح    أول تعليق من وزيرة التنمية المحلية بعد توليها حقيبة «البيئة»    مكتب نتنياهو يوضح ملابسات حالته الصحية بعد إصابته بتسمم غذائي    فجوات التفاوض.. التهدئة المؤقتة أم الحل الدائم فى غزة    الإعصار "ويفا" يحل بمقاطعة جنوبي الصين بعدما ضرب هونج كونج    «عبدالعاطي»: جهود مصرية صادقة لسرعة التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة    مصطفى شلبي يوقع على عقود الانتقال للبنك الأهلي رسمياً    السكة الحديد: تشغيل قطار لتسهيل عودة السودانيين وذويهم لوطنهم غداً    النيابة العامة تقرر إنهاء إدراج بعض الأشخاص بقوائم الإرهاب    كان رايح يدفنها فمات جنبها.. قصة شاب لحق بوالدته في جنازة أبكت بني سويف    «آداب المنصورة» تفتتح المؤتمر الدولي حول «الذكاء الاصطناعي وأبعاده المستقبلية»    عادل عوض أول الحاضرين في فعاليات مهرجان المسرح القومي بالأوبرا    نائب رئيس حزب المؤتمر: حركة حسم نقلت تمويلها للخارج بسبب الضغط الأمني    درة تخطف الأنظار من أحدث ظهور.. والجمهور: "أميرة من ديزني"    أمين الفتوى: التقديم على شقق محدودي الدخل بغير وجه حق «حرام شرعاً»    وزير الصحة يفتتح معمل المحاكاة بالمعهد الفني الصحي بالإسماعيلية غدًا    الشروط والأوراق المطلوبة لوظائف صراف تذاكر بقطار المونوريل    «يتواجد في إسبانيا».. تفاصيل مفاوضات الأهلي للتعاقد مع يزن النعيمات    محمد حمدي: الإصابات منعتني من إظهار قدراتي مع الزمالك    خطوات التحويل الإلكتروني بين المدارس 2025 (الرابط والتفاصيل)    نقيب أطباء مصر يتفقد أرض النقابة وموقع النادي بمدينة قنا الجديدة    محافظ أسوان يفاجئ مركز "صحة أول" ويوجه بدعم الأطقم الطبية وتشكيل فرق توعية    تشييع جثمان 3 فتيات شقيقات من كفر الشيخ تعرضن للغرق أثناء الاستحمام في حوض مزرعة بالبحيرة    رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة يتفقد مشروعات الإسكان وتطوير الطرق    سفير الصين: حجم التجارة الخارجية للدول الأعضاء بمنظمة شنغهاي تجاوز 8 تريليون دولار    طريقه التسجيل والأوراق المطلوبة في معاش ربة المنزل الجديد    فوتبول إيطاليا: يوفنتوس يحدد سعر بيع تيموثي وياه    «حلالين المشاكل».. 3 أبراج لديها دائمًا حل لكل مشكلة    بعد ربط اسمها بوفاة إبراهيم شيكا.. وفاء عامر ترد على اتهامها بتجارة الأعضاء    ليفربول يكتسح ستوك بخماسية خلف أبواب مغلقة.. واستبعاد لويس دياز    هل ملامسة القطط أو الكلاب يتقض الوضوء؟.. أمينة الفتوى تجيب    نجم ريال مدريد يحذر الإدارة من رحيل فينسيوس جونيور ورودريجو    وزير الصحة يناقش الهيكل التنظيمي الجديد لهيئة التأمين الصحي    مايا دياب بإطلالة جريئة وتوجه رسالة لجمهورها    "مدبولي" يتابع ملفات عمل جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    شوبير يوضح الفارق بين إمام عاشور وأحمد فتوح في أزمة حفل راغب علامة    لوسيد تطلق سيارتها Air Grand Touring الجديدة ب5.4 مليون جنيه.. صور    مصر ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس    ما يجب تناوله قبل التمرين لتعزيز الطاقة والأداء    وزير الصحة يترأس اجتماع "التأمين الصحي" لتفعيل إدارة الجودة وسلامة المرضى    رغم عدم إعلانها رسميًا.. الفلسطيني آدم كايد يظهر داخل الزمالك (صورة)    مكتب نتنياهو: رئيس الوزراء يعاني من التهاب في الأمعاء    حصول وحدة السكتة الدماغية بقصر العيني على الاعتماد الدولي    وزير الصناعة والنقل يتفقد 3 مصانع كبرى في مدينة العبور بمحافظة القليوبية    مجلس الوزراء: "حياة كريمة" تُغير وجه القرى المصرية.. شرايين التنمية تنبض في محافظة الشرقية    جنبلاط: أي دعوة لحماية دولية أو إسرائيلية تشّكل مسّاً بسيادة سوريا    "الداخلية" تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء بين مجموعة من الأشخاص بالقاهرة    قناة "مصر قرآن كريم" تحيى ذكرى رحيل الشيخ محمود علي البنا    مصرع طالب غرقًا أثناء استحمامه بترعة الباسوسية بمدينة القناطر الخيرية    عاجل- السيسي يستقبل قائد القيادة المركزية الأمريكية بحضور وزير الدفاع المصري    سيدة تسقط جثة هامدة من عقار بالإسكندرية.. وأسرتها: تعاني الوسواس القهري    ضم تخصصات جديدة، كل ما تريد معرفته عن تعديل قانون أعضاء المهن الطبية    حكم استخدام شبكات الواى فاى بدون علم أصحابها.. دار الإفتاء تجيب    نتيجة الثانوية العامة 2025 بالاسم ورقم الجلوس.. رابط الاستعلام عبر موقع الوزارة (فور اعتمادها)    حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير الإسكان يتابع تطوير منظومة الصرف الصناعي بالعاشر من رمضان    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توريث الطغيان
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 03 - 2011

لا أدري ما هو السبب في لغة التعالي والغرور التي يعامل بها الحكام العرب شعوبهم‏..‏ حين يتحدث الحاكم العربي إلي شعبه تشم روائح الغرور والشطط وكأنه يؤدي مهمة فرضتها عليه الظروف أنه في حالة سخط دائم وكراهية لكل شيء بما فيها وجوه هذا الشعب الذي يحكمه‏..‏ لقد شاهدت هذا المشهد الغريب في ملامح الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وهو يتحدث إلي شعبه قبل أن يرحل بساعات قليلة‏..‏ ثم شاهدت هذا المشهد مرة ثانية والرئيس مبارك يتعالي‏15‏ يوما في أن يقدم التعزية لشعبه في شهدائه من الشباب ثم شاهدت هذا المشهد مرة ثالثة والرئيس معمر القذافي يصطاد شباب وطنه في الشوارع ويستأجر المرتزقة الأفارقة ليقتل الأطفال الصغار‏..‏
دار هذا السؤال في رأسي وأنا أتابع أحداث الثورات الثلاث خلال شهرين فقط من الزمان‏..‏ نحن أمام‏60‏ يوما غيرت وجه الأرض والشعوب والحكام والتاريخ‏.‏ ثلاث ثورات في مكان واحد‏..‏ وتوقيت واحد‏..‏ وأحداث متشابهة‏..‏ عندما تشاهد حاكما أوروبيا يتحدث إلي شعبه تشعر أن الحاكم يقف بإحترام وعرفان أمام المسئولية لأنه يعرف أن هناك برلمانا يحاسب‏..‏ وأن هناك حزبا يختار‏..‏ وصحافة حرة وقبل هذا كله هناك شعب منحه أمانة المسئولية ويستطيع أن ينزعها منه‏..‏ وإذا تجاوز الحاكم في حواره أو خطبه أو مواقفه فلا شيء يرحمه‏..‏ إن له كل التقدير إذا أصاب وعليه كل اللعنات إذا أخطأ‏..‏ وهذا هو الفرق بين ما تكتبه الصحافة العالمية والإيطالية عن مغامرات ومراهقة برلسكوني رئيس الوزراء العجوز مع فتيات الليل‏..‏ وأخلاقيات والتزام الرئيس أوباما واحترامه لأسرته وبيته هذا هو الفرق بين بقاء الحاكم في العالم العربي عشرات السنين دون أن يحاسبه أحد‏,‏ وبين رئيس يحاكمه شعبه ويخلعه إذا أراد كما حدث مع الرئيس نيكسون في أمريكا‏..‏
إلا أننا في العالم العربي نفتقد هذا السلوكيات الرفيعة في العلاقة بين الحكام والشعوب‏..‏ تتسم سلوكيات الحكام عندنا بقدر كبير من الغرور والتعالي والاحتقار برغم أن الحاكم جاء من قاع المجتمع وكان فردا بسيطا من افراده ولكن المنصب له كيمياء خاصة تتغير معها الوجوه والمشاعر حيث تنطلق شحنات التسلط التي تبثها كراسي السلطة وبعد سنوات قليلة تجد إنسانا آخر انفصل تماما عن واقعة وتاريخه وذكرياته‏..‏ أن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ليس هو الضابط البسيط الذي شق طريقة مثل كل رفاقه شابا فقيرا حملته الأقدار ليتزوج امرأة بسيطة فقيرة كانت في الأصل تعمل‏'‏ حلاقة‏'‏ ولكن كرسي السلطة غير الاثنين معا الضابط البسيط والحلاقة‏..‏ ومن يشاهد الخزائن السرية لأموال ومجوهرات بن علي في احد قصوره يتعجب من مسلسل النهب وسرقة أموال الشعب التونسي‏..‏
كان الرئيس معمر القذافي إنسانا آخر وهو يخاطب شعبه بالتهديد والوعيد والاتهامات بتعاطي المخدرات والأقراص لشباب جميل واعد يبحث عن حريته وكرامته أمام حاكم بسط جبروته وبطش أبناءه علي الشعب أربعين عاما‏..‏ تشعر أنك أمام تشكيل عصابي بين حاكم وأسرته يتبادلون المواقع والخطط وكأننا أمام معركة إرهابية وليس أمام شعب ثائر‏..‏ أن أسلوب الأب العجوز الذي كان يوما قائد ثورة هو نفس أسلوب الابن المغامر الذي يهدد الشعب بالدمار ولم يكتف الحكام بمحاولات ثوريث الحكم والسلطة ولكنهم يورثون أبناءهم الطغيان‏..‏
انتظر المصريون في الشوارع أسبوعين كاملين حتي يقدم الرئيس مبارك تعازيه لأسر الشهداء الذين قتلهم رجاله في مظاهرة حضارية سلمية في ميدان التحرير وفي تعزية متأخرة كثيرا جاءت علي استحياء وفي كلمات قليلة يوجه الرئيس التعزية إلي المواطنين في شهدائهم برغم أنهم شهداء الوطن كله‏..‏
وفي آخر خطاب للرئيس مبارك حاول أن يبدو وكأنه يحمل نفس العصا التي حكم بها ثلاثين عاما وخلفه نفس الوجوه الكريهة التي اعتدنا عليها حيث كانت تتعامل مع الشعب بصلف وغرور وكبرياء مزيف‏..‏ حدث هذا برغم أن المصريين شاركوه في كل ما مر به من محن‏..‏ في محاولة اغتياله في الحبشة‏..‏ وفي مرضه في ألمانيا‏..‏ وفي وفاة حفيدة‏..‏ لم يتذكر شيئا من ذلك كله وبعد كل هذا التعالي وجدنا أنفسنا أمام مستنقع من الجرائم للحاشية والعائلة ومواكب اللصوص والمستفيدين من عصور الفساد‏..‏
وفي تقديري أن هذا التعالي الذي اتسمت به سلوكيات الحكام طوال سنوات كانت له شواهد غير لغة الحوار والغرور واختيار المسئولين الذين يحملون كل هذه الأمراض الخبيثة‏..‏
‏‏ إن هؤلاء الحكام حريصون علي ان يتركوا شعوبهم ضائعة في سراديب الجهل حيث مازالت نسب الأمية هي أعلي نسبة في العالم‏..‏ كل دول العالم احتفلت بوفاة آخر مواطن أمي فيها‏..‏ ونحن في مصر مازال بيننا أكثر من‏25‏ مليون مواطن لا يقرأون ولا يكتبون‏..‏ إن لدي الحاكم أحساسا مريضا بان قيادة شعب لا يقرأ ولا يكتب أسهل كثيرا من شعب مستنير متعلم وهذه حقيقة لأن المواطن المستنير المتعلم سوف يبحث عن حقوقه ويطالب بها وسوف يطالب بالحرية والحوار‏..‏ ولن يترك عصابة من اللصوص والمسئولين ورجال الأعمال تستبيح حقوقه‏..‏ ولهذا أطالب جيش مصر العظيم بأن يضع خطة خارج سياق كل الوزارات لمحو أمية هذا الشعب لأنها عار في رقابنا وذنب سوف نحاسب عليه أمام الله وأمام التاريخ‏..‏ حرام ونحن نعيش هذا العصرأن يكون بيننا‏25‏ مليون إنسان نصفهم من النساء الأمهات الواعدات لا يقرأون ولا يكتبون‏..‏ نريد شعبا واعيا متعلما لا يحتقره حكامه بسبب جهله‏..‏
إن الأمية في الشارع انتقلت في أحيان كثيرة إلي نوع آخر من الأمية بين أصحاب القرار وهي أمية المشاعر حين ينفصل صاحب القرار‏,‏ سواء كان كبيرا أو صغيرا‏,‏عن مشاكل وأزمات شعبه ويجد نفسه بعيدا وتتسع المسافة بينه وبين شعبه حتي لا يري كل منهما الآخر وتكون المأساة‏..‏
إن غياب الثقافة عن عقول أصحاب القرار نوع آخر من الأمية يختلف عن أمية القراءة والكتابة إنها تشبه الفرق بين فقد البصر وفقدان البصيرة وللأسف الشديد أن فقد البصر مرض واحد ومعروف ولكن فقدان البصيرة كارثة تجتاح كل شيء‏..‏
‏‏ لاشك أن بقاء المسئول في منصبة فترات طويلة ينعكس بالضرورة علي رؤيته للأشياء والبشر‏..‏ لقد اعتاد علي السلطة ولم يعد يفرق بين الألوان لأن كل شيء حوله يتجسد في لون وردي واحد يرسمه المنافقون والكذابون الذين اعتاد عليهم‏,‏ أن صورته وحده تملأ كل الصفحات‏..‏ وأحاديثه وحده هي القرآن المنزل‏..‏ وحكاياته حتي ولو كانت مملة وساذجة وسخيفة هي الحكمة كلها‏..‏ ومع بقاء بطانة البلاط يتحول الكون إلي لوحة واحدة ووجه واحد وصوت واحد وهنا لا يري المسئول الكبير شيئا غير نفسه ويضيق الكون حوله ويصبح حجرة صغيرة كلما نظر في أركانها وجد صورته‏..‏ وهنا لا يسمع ولا يري الحاكم شعبه ويزداد احتقارا لكل ما حوله إلا هذه الوجوه التي تحاصره وهي الأحق والأجدر بالاحتقار‏..‏
‏‏ حين يغيب دور الحوار ويختفي دور الفكر‏..‏ وتسيطر مواكب الهمجية والأمية والجهل تتقطع جسور التواصل ويجد صاحب القرار نفسه محاطا بمجموعة قليلة جدا من أصحاب المصالح الذين لا يفكرون إلا بلغة المال وكل شيء عندهم يرتبط بالصفقات والمزادات ويقسمون أنفسهم كل فريق يبحث عن مصالحة هذا فريق الخصخصة يشتري ويبيع أصول الدولة‏..‏ وهذا يتاجر في الديون أو السلاح أو الاراضي‏..‏ وبين هؤلاء جميعا تنمو طحالب وأعشاب تتسلق ما بين الحكومة والحزب والمؤسسات الرسمية وهنا يتم اختصار الشعب بكل ملايينه وأجياله وشبابه وشيوخه ونسائه في عدد قليل من الأشخاص يتربعون علي قمة المجتمع مثل القناصين تماما فإذا ظهرت موهبة أو قيمة أو موقف اتجهت رصاصات القناصين إليها‏..‏ وهنا أيضا تصاب المجتمعات بأسوأ أنواع العقم وتتجمد الأرحام ولا نجد أمامنا غير الأسوأ في كل شيء‏..‏ وفي ظل هذا المناخ يحاول هؤلاء تعويض جوانب القصور فيهم بالغرور والتعالي واحتقار الآخرين‏..‏
في أعنف المواجهات في ميدان التحرير بين الثوار والشرطة سمعت بوقا من الأبواق يتحدث في إحدي الفضائيات وهو يصيح‏..‏ لا أحد يعقب علي ما أقول‏..‏ يجب ان تدركوا من الذي يتكلم‏..‏ أنا لا أعقب علي أحد‏..‏ وغير مسموح أن يعقب أحد علي‏..‏ واختفي بعد ذلك ولم نسمع له صوتا فقد حمله الطوفان كما حمل الكثير من شوائب النيل‏..‏
‏‏ حين تسود لغة التعالي والغرور واحتقار الشعوب يصبح البطش والاستبداد مصدر الحماية‏..‏ ويصبح القهر بديلا للتحضر‏..‏ ويصبح التعسف بديلا للعدالة‏..‏ والغوغائية بديلا للحوار‏..‏ والبلطجة بديلا للقانون‏..‏ ويصبح النفاق بديلا للكرامة وبدلا من أن تسود أصوات الحكمة تتفتح الأبواب للدجالين والمحتالين وأساتذة النفاق‏..‏ وهنا تكون النهاية‏..‏
ولم يكتف الطواغيت الكبار بتاريخ طويل من الاستبداد الذي اجتاح شعوبهم بل أنهم جعلوا من أبنائهم امتدادا لهذا الطغيان‏..‏ وهكذا سقطت شعوبنا فريسة لطغيان الأباء والأبناء معا حتي جاءت الثورة لتحمل كل هذا التراث الملوث وكل هذه الوجوه القبيحة‏..‏
‏‏ نحلم بزمان آخر نحب فيه حكامنا لأنهم جزء منا لم ينقطع‏..‏ ونحلم بصاحب قرار يحترم أدميتنا ولا يسخر من حاجتنا‏..‏ ونحلم بوطن يجد الأمن في العدالة ويجد المساواة في الحق‏..‏ ويفتح الف باب للحوار وقبل هذا كله يعطي ثماره لكل أبنائه ويطارد الفئران الذين أكلوا كل ثمار الحديقة وكانوا أول الهاربين عندما جاء الطوفان‏..‏
‏..‏ويبقي الشعر
ز‏2007‏ ز
كم عشت أسأل‏:‏ أين وجه بلادي
أين النخيل وأين دفء الوادي
لاشيء يبدو في السماء أمامنا
غير الظلام وصورة الجلاد
هو لا يغيب عن العيون كأنه
قدر‏..‏ كيوم البعث والميلاد
قد عشت أصرخ بينكم وأنادي
أبني قصورا من تلال رماد
أهفو لأرض لا تساوم فرحتي
لا تستبيح كرامتي‏..‏ وعنادي
أشتاق أطفالا كحبات الندي
يتراقصون مع الصباح النادي
أهفو لأيام تواري سحرها
صخب الجياد‏..‏ وفرحة الأعياد
‏‏
اشتقت يوما أن تعود بلادي
غابت وغبنا‏..‏ وانتهت ببعادي
في كل نجم ضل حلم ضائع
وسحابة لبست ثياب حداد
وعلي المدي أسراب طير راحل
نسي الغناء فصار سرب جراد
هذي بلاد تاجرت في عرضها
وتفرقت شيعا بكل مزاد
لم يبق من صخب الجياد سوي الأسي
تاريخ هذي الأرض بعض جياد
في كل ركن من ربوع بلادي
تبدو أمامي صورة الجلاد
لمحوه من زمن يضاجع أرضها
حملت سفاحا فاستباح الوادي
لم يبق غير صراخ أمس راحل
ومقابر سئمت من الأجداد
وعصابة سرقت نزيف عيوننا
بالقهر والتدليس‏..‏ والأحقاد
ما عاد فيها ضوء نجم شارد
ما عاد فيها صوت طير شاد
تمضي بنا الأحزان ساخرة بنا
وتزورنا دوما بلا ميعاد
شيء تكسر في عيوني بعدما
ضاق الزمان بثورتي وعنادي
أحببتها حتي الثمالة بينما
باعت صباها الغض للأوغاد
لم يبق فيها غير صبح كاذب
وصراخ أرض في لظي استعباد
‏‏
لا تسألوني عن دموع بلادي
عن حزنها في لحظة استشهادي
في كل شبر من ثراها صرخة
كانت تهرول خلفنا وتنادي
الأفق يصغر‏..‏ والسماء كئيبة
خلف الغيوم أري جبال سواد
تتلاطم الأمواج فوق رؤوسنا
والريح تلقي للصخور عتادي
نامت علي الأفق البعيد ملامح
وتجمدت بين الصقيع أياد
ورفعت كفي قد يراني عابر
فرأيت أمي في ثياب حداد
أجسادنا كانت تعانق بعضها
كوداع أحباب بلا ميعاد
البحر لم يرحم براءة عمرنا
تتزاحم الأجساد‏..‏ في الأجساد
حتي الشهادة راوغتني لحظة
واستيقظت فجرا أضاء فؤادي
هذا قميصي فيه وجه بنيتي
ودعاء أمي‏..‏ كيس ملح زادي
ردوا إلي أمي القميص فقد رأت
مالا أري من غربتي ومرادي
وطن بخيل باعني في غفلة
حين اشترته عصابة الإفساد
شاهدت من خلف الحدود مواكبا
للجوع تصرخ في حمي الأسياد
كانت حشود الموت تمرح حولنا
والعمر يبكي‏..‏ والحنين ينادي
ما بين عمر فر مني هاربا
وحكاية يزهو بها أولادي
عن عاشق هجر البلاد وأهلها
ومضي وراء المال والأمجاد
كل الحكاية أنها ضاقت بنا
واستسلمت للص والقواد‏!‏
في لحظة سكن الوجود تناثرت
حولي مرايا الموت والميلاد
قد كان آخر ما لمحت علي المدي
والنبض يخبو‏..‏ صورة الجلاد
قد كان يضحك والعصابة حوله
وعلي امتداد النهر يبكي الوادي
وصرخت‏..‏ والكلمات تهرب من فمي‏:‏
هذي بلاد‏..‏ لم تعد كبلادي

[email protected]

المزيد من مقالات فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.