التنسيقية: استمرار توافد أبناء الجالية المصرية في فرنسا للإدلاء بأصواتهم    جامعة أسيوط التكنولوجية تحصد المركز الخامس في مسابقة الكاراتيه (صور)    السياحة تشارك في المعرض السياحي الدولي ITTF وارسو    أسعار مواد البناء.. سعر الحديد في السوق    التخطيط تشارك في منتدى تمكين المرأة اقتصاديًا بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    إيران والغرب ووكالة الطاقة الذرية.. مواجهة على حافة الغموض النووي    زيلينسكي يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة فساد كبرى    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بنجلاديش إلى 5 قتلى ونحو 100 مصاب    اليابان تعيد تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم بعد أكثر من عقد على فوكوشيما    تحديد موعد المؤتمر الصحفي لمدرب الزمالك قبل مواجهة زيسكو الزامبي    يورتشيتش يتحدث عن تحدي ريفرز يونايتد قبل موقعة دوري أبطال إفريقيا    محمد المنياوي يتوج بذهبية رفع الأثقال البارالمبي في دورة ألعاب التضامن الإسلامي    بعد حصوله على أفضل مدرب.. فليك يكشف لماركا عن نواقص برشلونة    تجديد حبس 11 أجنبيا بتهمة تهريب أقراص مخدرة بقيمة 2.7 مليار جنيه بالقاهرة    حرام عليكم، مصطفى كامل يفتح النار على أعضاء نقابة المهن الموسيقية لهذا السبب    يوسف شاهين الغائب الحاضر في مهرجان القاهرة السينمائي    تعاون جديد بين هيئة الكتاب ومكتبات مصر العامة لتوسيع إتاحة الإصدارات في القاهرة    الرعاية الصحية تطلق حملة توعية لضمان الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية    جامعة بنها وحياة كريمة ينظمان قوافل طبية وتوعوية بقرية الجلاتمة بمنشأة ناصر    السياحة: تزايد أعداد السائحين البولنديين للمقصد المصرى بنمو 37% خلال 9 شهور    "النيابة" تستمع لأقوال المتهمين في واقعة قتل شاب بالدقهلية وإخفاء جثمانه 6 سنوات    حبس شاب 15 يومًا بعد إطلاق نار عقب نتائج انتخابات النواب بالفيوم    إصابة 4 أشخاص بطلقات نارية في مشاجرة بين عائلتين بقنا    ضبط 367 قضية مخدرات و229 قطعة سلاح نارى فى حملة موسعة    قائمة بنوك تتلقى رسوم حج القرعة 2026.. اعرف التفاصيل    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    أسعار الفراخ والبيض اليوم الجمعة 21 نوفمبر 2025    تليجراف: ستارمر على وشك الموافقة على إنشاء سفارة صينية عملاقة جديدة فى لندن    إكسترا نيوز من موسكو: العائلات وكبار السن من أبرز مشاهد انتخابات النواب    تعرف على سر سورة الكهف.. وفضل قراءة السورة يوم الجمعة❤️    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" أذكار الجمعة التي تغيّر يومك للأفضل    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    وصول حكام مباراة الزمالك وزيسكو إلى القاهرة    "المهن التمثيلية" تحذر من انتحال اسم صناع مسلسل "كلهم بيحبوا مودي"    بورسعيد الأعلى، جدول تأخيرات السكة الحديد اليوم الجمعة    بقيادة ميسي.. إنتر ميامي يفتتح ملعبه الجديد بمواجهة أوستن    فيديو| ضحايا ودمار هائل في باكستان إثر انفجار بمصنع كيميائي    أهلي جدة يستضيف القادسية لمواصلة الانتصارات بالدوري السعودي    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر أسلحة ثقيلة وصواريخ على سواحل الكاريبي ردا على تحركات عسكرية أمريكية    أصداء إعلامية عالمية واسعة لزيارة الرئيس الكورى الجنوبى لجامعة القاهرة    شهيدان بنيران الاحتلال خلال اقتحام القوات بلدة كفر عقب شمال القدس المحتلة    مصادر: انتهاء استعدادات الداخلية لتأمين المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في الاحتفال بمرور 1700 على مجمع نيقية    بورصة وول ستريت تشهد تقلبات كبيرة    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    الصحة العالمية: اللاجئون والنساء أكثر عُرضة للإصابة ب«سرطان عنق الرحم»    دراسة تكشف عن علاقة النوم العميق بعلاج مشكلة تؤثر في 15% من سكان العالم    محمد منصور: عملت جرسونا وكنت أنتظر البقشيش لسداد ديوني.. واليوم أوظف 60 ألفا حول العالم    أوقاف القاهرة تنظّم ندوة توعوية بالحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب    المتحف المصري يفتح أبوابه لحوار بصري يجمع بين العراقة ورؤى التصميم المعاصر    خاص| عبد الله المغازي: تشدد تعليمات «الوطنية للانتخابات» يعزز الشفافية    التنسيقية: فتح باب التصويت للمصريين بالخارج في أستراليا بالمرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    القرنفل.. طقس يومي صغير بفوائد كبيرة    هل التأمين على الحياة حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    هل عدم زيارة المدينة يؤثر على صحة العمرة؟.. أمين الفتوى يوضح بقناة الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هويدا طه :بعد صبر المصريين المشين.. هل يكون 2 مايو موعد العصيان المدني ؟
نشر في البديل يوم 17 - 11 - 2010

الحديث عن عصيان مدني كوسيلة لإسقاط نظام ظالم ليس حديثا جديدا، كلنا نتطلع بتوجس لتحقيق هذا الفعل الجمعي العظيم، أما لماذا نتوجس؟ فلأننا في أعماقنا خائفون من الفشل.. خائفون من سلبية الشعب المصري (الشعب أي أهلنا وجيراننا وأصدقائنا ومواطنينا و.. نحن!.. فكلنا غاضبون.. وكلنا مترددون!) سلبية وصم بها المصري عبر تاريخه، أما هل هذا حقيقي أم لا؟ فإن تاريخ المصريين يتذبذب بين لحظات طويلة ممتدة يظهر فيها استسلاما مشينا وصبرا ذميما.. ولحظات أخرى رائعة تتجلى فيها إرادة قوية..
قبل إعلان العصيان
الآن هناك فريقان.. الأول هو الحالمون بفعل إرادي جمعي قوي يسمى العصيان المدني.. وهم نفر من المثقفين والشباب.. وهذا فريق قليل العدد نسبة إلى الفريق الآخر.. فريق الشعب! الشعب المسحوق الذي لا توجد وسيلة اتصال به لتدعوه إلى حدث جلل.. حدث بدون مشاركته لن يكون إلا خزيا كبيراً!
المشكلة الحقيقية التي تواجه الداعين إلى العصيان هي عدم تحديد مطلب محدد يلقى إجماعا من ملايين المطحونين الذين بدونهم سيكون العصيان خواء في خواء! الديموقراطية؟ لا .. من منكم سمع بائعا متجولا في شوارع مدينته أو امرأة من عائلته أو أحد جيرانه أو رفيقه في القطار أو زميله على محطة أتوبيس أو جاره في طابور الخبز أو خطيبا في مسجد أو عاطلا يتنقل بين مقاهي المدينة أو أي مواطن في موقع ما يطالب بالديموقراطية؟! هذا مطلب النخبة المثقفة المعزولة في برجها العاجي أو الشباب الملتصق بصفحة الفيسبوك! يطلون منه على شعب هائم يعاني في الشوارع وفي كل مؤسسات المجتمع دون أن يكون بينهم أي اتصال، فلا نخبة(المثقفاتية) قادرة على الوصول إليه ولا هو.. الشعب الصامت الصابر صبرا مشينا يبحث أصلا عن طليعة تتقدمه، هذا بالطبع لا يعني أن الديموقراطية ليست مطلبا ضروريا! وإنما يعني أنه مطلب مشروع يطرحه مثقفون ولا يسانده المعنيون به! الأوربيون أصحاب هذا الإبداع العجيب بذلوا الدماء أنهارا كي يتمكن أحد أحفادهم من قذف مسؤول كبير بالطماطم أمام عدسات الكاميرات.. إذا ما قال شيئا لم يعجبه.. دون أن يخاف من العاقبة، بل يرتجف المسؤول ويخاف بسبب(غضب هؤلاء)، والهنود بما كانوا عليه من فقر مدقع وأمية وضعف أمام قوة عظمى متعالية متعجرفة كبريطانيا، التفوا حول غاندي عندما نزل إليهم في مستنقعات الملح ليفجر فيهم قوة لن ينساها لهم التاريخ، وفلاحو الصين صنعوا معجزة تحير الدارسين عندما التفوا حول ماو الذي لم يغلق باب حجرته ليفكر ويفكر في مطالب الخلاص، وهؤلاء استمدوا النداء من ثقافة أهليهم، سواء كانت دينية أو فلسفية أو حكمة شعبية أو نظريات علمية، قالها تولوستوي الروسي في كتابه(الخلاص في أنفسكم) وقالها ديفيد هنري ثورو الأمريكي في كتابه(العصيان المدني) وقالها القرآن في الآية القرآنية (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وقالها المسيح في(موعظة الجبل) وتبدت في إيمان غاندي الهندوسي بقوة اللاعنف وكتبه جون راسكين الإنجليزي في كتابه(حتى الرجل الأخير) و كتبه عبد الرحمن الكواكبي العربي عن(طبائع الاستبداد) وغيرهم كثيرون، والشعب المصري لا يختلف عن باقي شعوب العالم، فهو يحتاج إلى الخلاص من ظلم ممتد.. حتى صار يظنه أحد ظواهر الطبيعة كرياح الخماسين أو فيضان النيل! لكنه لا يعطي آذانه لمثقفيه الذين يتحدثون ليلا ونهارا عن اصلاح سياسي عاجزين عن وصفه لذويهم، وربطه بما يراه مواطنهم (ظلما)لآدميته تهدر يوميا في الشارع والبيت وأقسام البوليس والمدارس والجامعة والمصانع والحقول، فكيف للفلاحين المهمشين والعمال المطحونين والنساء المقهورات أن يعرفوا تحديدا العلاقة بين هذا الظلم ونقص الديموقراطية؟ هذا ليس تعاليا، فأغلبنا ينتمي إلى هؤلاء المهمشين ،مطلب (الإصلاح السياسي) صحيح تماما أؤمن به كما تؤمنون.. لكنه لن يجمع حوله المسحوقين الذين يظنون في أعماقهم أن الديمقراطية.. مطلب المرفهين!
مطالب العصيان
هذا الإصرار على مطلب الاصلاح السياسي (الصحيح تماما) لن يمنح المصريين أبدا قوة اندفاع كالتي منحها ماو لفلاحي الصين، أو غاندي لفقراء الهند، نحن في حاجة إلى مطلب محدد: إسقاط نظام مبارك طوعا أو كراهية وإعادة توزيع الثروة! كيف؟ ليس بمطلب الديموقراطية وإنما بمطالب عصيان واضحة يفهمها المواطن مباشرة: توقف عن دفع الضرائب، مقاطعة المؤسسات الحكومية، البقاء بالبيوت أياما محددة في الأسبوع، الاضراب عن العمل في أوقات محددة، مواجهة البوليس بآليات معينة.. إلى آخره من مطالب العصيان التقليدية ووسائل إبداعية جديدة مثل: إطفاء النور في ساعات محددة، وتعليق اعلام في الشرفات.. الى آخره، هناك شخصيات رائعة مخلصة في بلدنا تحظى باحترام المصريين.. عليها أن تتقدم وتقف في الشارع وتعلن لحظة البدء، كنا في السنوات الماضية نحلم بجبهة وطنية تقود الفعل وليس الكلام، الآن الجبهة موجودة.. يمكنها إعلان دعوة صريحة بالعصيان.. من الجريدة والتليفزيون.. حتى لو أغلقت الجريدة وتوقف التليفزيون.. يمكن الدعوة في المقاهي والمجالس وعلى محطات الأتوبيس، إنما السؤال الصعب حقا.. هل ننجح؟
طبيعة الشعب المصري
ذلك الاتهام المألوف الذي يوجه للمصريين.. بأن لديهم (قابلية) للاستعباد والإذلال دون إبداء أي رد فعلٍ غاضب أو رافض، اتهامٌ لا يتبناه فقط كثير من المؤرخين غير المصريين، بل إنه حتى يسيطر على موقف الغالبية العظمى من المصريين تجاه أنفسهم، بمن فيهم حتى المتحمسين المتفائلين عندما تنتابهم لحظات اليأس! ويمكن لكل مصري أن يبحث في أعماقه: ألم أشعر بذلك أيضاً في لحظةٍ ما؟! ليجد نفسه وقد عاش مراراً تلك اللحظة القاسية المريرة، من الشعور بالدونية.. أمام تواتر الأخبار عن تحرك الشعوب الأخرى، لحظة الشعور بأنه يبدو أقل كرامةً من غيره، بينما يتعرض لقمع ٍ وقهر ٍ من قِبل سلطةٍ غاشمة في مصر، لا يتعرض هؤلاء الغاضبون في الشعوب الأخرى حتى لنصفها! (شعرت بهذا مئات المرات!) وتمر علينا لحظات نعبر فيها عن(غضبنا من أنفسنا.. لأننا لا نغضب!)، فبعضنا- بل كثير منا في الواقع- يكتب غاضباً في الجرائد والمجلات ومواقع الإنترنت يائساً متسائلاً:”لماذا الباقون لا يغضبون مثلي؟”! فهل تلك مرحلة في تاريخ المصريين المعاصر.. يمكن وصفها بأنها.. تمهيدٌ لإرهاصات (الانقلاب على الطبيعة)؟ أو حدوث شيءٍ، أشبه بما يعرف في التحولات البيولوجية باسم(الطفرة)؟!
حلم الثاني من مايو
يأتي هذا التساؤل الآن لعدة أسباب: منها تاريخ (لبدء) العصيان اقترحه مواطن مصري عادي منذ سنوات هو الثاني من مايو، شارحاً مسوغات اختياره لأسبابٍ عملية، تتعلق بمواعيد امتحانات الطلاب والأجازات الصيفية وغيرها، بحيث يكون ذلك التاريخ هو الأكثر ملائمة لاستجابة المصريين للنداء، وتحديد وقت محدد لبدء العصيان يحوّل الحلم من مجرد تأملات ٍ في مقالات ٍ عابرة.. إلى(خطةٍ عملية)، تُطرح خلالها خطواتٌ محددة وآلياتٌ للتنفيذ، فقد كانت حركات الغضب المتفرقة في تاريخ المصريين مجرد (هيجانات شعبية)! أو(هبات وليس ثورات)على حد تعبير د. جمال حمدان في موسوعته (وصف مصر)، لكن كثيراً من الدلائل تشير إلى أن ما يحدث الآن من تذمر المواطن المصري – قد- لا يكون (هبة) مضافة إلى أخواتها التاريخيات! وهذا تفاؤل يخشى عليه الكثيرون من الانتكاس، تفاؤل يجدد الأمل في (الجمعية الوطنية) كي (تقود عصيان مدني منظم)، الثاني من مايو يعني أن هناك حوالي خمسة أشهر أمام المصريين كي تنتشر الدعوة بينهم انتشار النار في الهشيم، ويستعدون نفسيا وعمليا لحدثٍ فارق ٍ كهذا، ما يعني أن هناك حاجةً لجهدٍ جبار من الجميع، كي يساهموا في رسم ملامح يوم الخلاص!
العصيان ردٌ على رؤية الآخر للمصريين
تذكرون بالطبع (وعد بلفور) بإقامة وطن ٍ قومي لليهود في أرض فلسطين، قليلون من يعرفون عن هذا (البلفور) أشياءً أخرى، هذا البلفور هو آرثر جيمس بلفور، النائب في البرلمان البريطاني في أوائل القرن العشرين، إضافة إلى مناصب أخرى عديدة وهامة، منها أنه كان وزيراً لشؤون أيرلندا، ثم اسكتلندا، ورئيس وزراء سابق، ومسئولا هاماً في الإمبراطورية البريطانية، وذراعاً لها فيما وراء البحار! وكان مثقفاً من الطراز الأول، ومحللاً سياسياً عميقا، وغير ذلك مما لا يتسع له المجال هنا من سرد صفاته وخبراته، (هذا لا يمنع أننا نكرهه!)، حسناً.. ما علاقة ذلك.. البلفور.. بمسألة (الإعداد لعصيان مدني مصري)؟!
في كتابه (الاستشراق: المعرفة، السلطة، الخطاب)، أدرج إدوارد سعيد خطبة ً ألقاها آرثر جيمس بلفور أمام مجلس العموم البريطاني في الثالث عشر من يونيو عام 1910، بعنوان:” المشكلات التي ينبغي علينا معالجتها في مصر”، مبرراً فيها(احتلال بريطانيا لمصر)، لأن عدداً من أعضاء البرلمان البريطاني حينها تساءلوا عن جدواه،... لا تملك إلا أن تدهش عندما تقرأ نص خطبته، التي تتضمن رأياً عن الشرقيين عموما، والمصريين على وجه الخصوص، تعتبرهم(غير قادرين- بالطبيعة- على حكم أنفسهم)، وفي الخطبة يقول بلفور:” إن الأمم الغربية تظهر في تاريخها تباشير القدرة على حكم الذات... وعندما تنظر إلى المشرق لا تجد أثراً لحكم الذات على الإطلاق... كل القرون العظيمة التي مرت على الشرقيين انقضت في ظل طغيان الحكم المطلق، أهو خير لهذه الأمم العظيمة أن نقوم نحن بممارسة هذا النمط من الحكم المطلق؟ ...في ظني أنهم بذلك عرفوا حكومة أفضل بمراحل مما عرفوه خلال تاريخهم الطويل، نحن في مصر لا من أجل المصريين وحسب، مع أننا فيها من أجلهم، نحن هناك من أجل أوروبا كلها”!
وغير بلفور كان هناك كرومر الذي حكم مصر وقال في مذكراته:”إن العرب يعانون بشكلٍ لا مثيل له من ضعف ملكة المنطق، وغالباً ما يعجزون عن استخراج أكثر الاستنتاجات وضوحاً من أبسط المقدمات التي قد يعترفون بصحتها مبدئياً، خذ على عاتقك أن تحصل على تقريرٍ صريح للحقائق من مصري عادي، سيكون مسهباً مفتقراً للسلاسة، ومن المحتمل أن يناقض نفسه بضع مرات قبل أن ينهي قصته، وهو غالباً ينهار أمام أكثر عمليات التحقيق ليناً”!، والمثال الثالث الذي نتناوله هنا عن كيفية رؤية (الآخر الغربي لنا)هو ما قاله هنري كيسنجر في مقالٍ بعنوان(البنية الداخلية والسياسة الخارجية)الذي قال فيه إن الغرب في البلدان المتطورة:”ملتزم التزاما تاما بمفهوم أن العالم الحقيقي هو(عالم خارجي) بالنسبة للمراقب، لذا فإن المعرفة تتآلف من تسجيل المعلومات وتصنيفها، ... أما البلدان ناقصة التطور، فإن العالم الحقيقي هو- داخلي- فيها بالنسبة للمراقب، وهو ما يعني أن الواقع التجريبي له دلالة مختلفة عند تلك الدول النامية، لأنها لم تمر أبداً بتجربة اكتشاف العالم”، وهناك مثال رابع يتمثل في قول هارولد غليدن في مقالٍ له في المجلة الأمريكية للتحليل النفسي عام 72، وكان عضو مخابرات في وزارة الخارجية الأمريكية، حيث قال:”إذا كان للوقت مكانة كبيرة عند الغرب، فإن ذلك لا يصدق إطلاقا على العرب، وإذا كان النظام القيمي العربي يفرض التماسك المطلق جماعيا، فإنه في الوقت نفسه يشجع لدى الأفراد- العرب- تنافساً مدمراً لذلك التماسك”!
هذه الأمثلة وغيرها كثير، تدل معظمها على أن الغربي، أوروبيا كان أو أمريكيا،(يعتقد)أننا- لا- يمكن أن(نحكم أنفسنا بأنفسنا)أو لا يمكننا أن(نكتشف العالم)، ويعتقد أننا(ندمر تماسكنا بتنافسنا)! لكن بغض النظر عن ذلك الانقباض الذي تشعر به، وأنت تقرأ ما يقال عنك- وتمر بلحظةٍ كئيبة- تشعر فيها أن قائلها، وإن قالها بفوقية، لم يجانبه الصواب كثيراً!! فهل جانب بلفور الصواب عندما قال إن تاريخنا كله مضى في ظل الحكم المطلق المستبد؟! أو جانب كرومر الصواب عندما قال بأننا(ننهار أمام أكثر التحقيقات ليناً)؟ وهل بالغ كيسنجر عندما اتهمنا بأننا(عاجزون عن اكتشاف العالم الحقيقي)؟ وهل كذب غليدين عنما قال بأننا(نتنافس فيما بيننا حتى ندمر أنفسنا)؟! لكنك تعود خارجا من تلك اللحظة التي يحوطك فيها الإكتئاب لتتمسك بأطواق ٍ للنجاة، منها الإدراك بأن العالم نفسه يتغير- داخليا وخارجيا- وأن هؤلاء الغربيين أنفسهم من بلفور وكرومر إلى كيسنجر وغليدين وغيرهم، لم ينبهونا فقط لدائنا بما تعاملوا معنا به من فوقية مثيرة للغضب والاشمئزاز، حتى أن بلفور(في ظنه أنه خير لنا أن يحكمنا هو حكما مطلقا.. من أن يحكمنا حكماً مطلقاً مستبدٌ من صناعتنا المحلية)! بل قدموا لنا- مشكورين- نموذجا نغار منه! ونحارب به أوضاعنا، أو(طبيعتنا)إن شئت تسميتها! كي نتغلب على(صيرورة)اللامبالاة والسلبية، و(القابلية)الطبيعية لدينا لهذا السلوك المشين.. الذي أسميناه أدبا أو تغاضيا:الصبر! لذلك تأتي (الدعوة إلى العصيان المدني بنسخة مصرية).. ليست فقط رداً على الحكم المطلق المحلي، وإنما تأتي رداً على (رؤية الآخر لنا)، وتغييراً ليس فقط لأوضاعنا الداخلية، وإنما تغيير لموقعنا في خريطة(العالم)، الذي ظن كيسنجر أننا عاجزون عن(تجريب)اكتشافه! العصيان المدني الذي كان قبل سنوات حلما يكتب عنه الأدباء يمكنه الآن أن يكون (مطلبا شعبيا).. بوجود(حركة منظمة) تقوده، وحتى نكسب الوقت، عندا في غليدين الذي قال (إن الوقت لا قيمة له عند العرب إطلاقاً)!، ليكن الثاني من مايو.. بمجهودٍ ينبغي علينا أن نبذله.. موعدا لتجريب اكتشاف المصريين للعالم، وإلا .. فالخوف وارد.. أن نبدل حاكما مستبدا من صناعة محلية بمستبد آخر يرثه دما وحكما أو.. إذا استمر صبرنا المشين قد يحكمنا حاكم من وراء البحار، يتمتع دوننا كما يقول كرومر(بملكة المنطق)!.. ملكة ترشده إلى أن المصريين بأدلةٍ تاريخية.... عاجزون عن فعلها!
هويدا طه
[email protected]
مواضيع ذات صلة
1. هويدا طه : في نقد الشعب المصري
2. هويدا طه تكتب:التنوير هو الحل (1)
3. ارتفاع حالات الوفيات بين صفوف الحجاج المصريين إلى 14 حالة
4. ارتفاع وفيات الحجاج المصريين إلى 7.. والتضامن تشكل لجنة لمراقبة الأغذية في الفنادق
5. التقرير الأسبوعي للبورصة : 6مليار جنية حجم مبيعات المصريين مقابل 5 مليار للشراء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.