بعد الانخفاض الجديد.. سعر اليورو اليوم الأربعاء 13-8-2025 مقابل الجنيه المصري في البنوك    «حماس» تشيد بالجهود التي تبذلها مصر بقيادة الرئيس السيسي    نتنياهو: أشعر أنني في مهمة تاريخية ترتبط بشدة برؤية "إسرائيل الكبرى" تشمل فلسطين وجزءًا من مصر والأردن    11 لقبًا يُزينون مسيرة حسام البدري التدريبية بعد التتويج مع أهلي طرابلس    صور| الحماية المدنية تنجح في إنقاذ شاب انهار عليه بئر عمقها 10 أمتار بقنا    «كاميرا في أوضة نومها».. تفاصيل التحقيق مع سارة خليفة (نص الاعترافات)    عيار 21 الآن ينخفض بالمصنعية.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025 بالصاغة    أسعار التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025    انطلاق معرض أخبار اليوم للتعليم العالي برعاية رئيس الوزراء.. اليوم    محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تغييرات لرؤساء المراكز والمدن    3 شهداء جراء استهداف إسرائيلي لمجموعة من الأهالي شمال قطاع غزة    البيت الأبيض: ترامب يسعى لعقد اجتماع ثلاثي يضم بوتين وزيلينسكي    نتنياهو: بموافقة واشنطن أو بدونها كنا سننفذ ضرب إيران.. ولحسن الحظ ترامب متعاطف للغاية    نشرة التوك شو| زيارة تاريخية للرئيس الأوغندي لمصر.. و"موسى" يهاجم مظاهرة أمام السفارة المصرية بدمشق    الموضوع زاد عن حده، أول صدام مباشر بين إدارة الأهلي وريبيرو بسبب أحمد عبد القادر    أحمد شوبير يكشف مفاجأة بِأن تجديد عقد إمام عاشور مع الأهلي    نيوكاسل الإنجليزي يعلن التعاقد مع لاعب ميلان الإيطالي    منتخب 20 سنة يختتم تدريباته لمواجهة المغرب وديًا    مرشحو التحالف الوطني يحسمون مقاعد الفردي للشيوخ بالمنيا    محافظ المنيا يخفض درجات القبول بالثانوي العام والفني للعام الجديد    كسر خط صرف صحي في الإسكندرية.. والشركة تدفع بفرق طوارئ- صور    4 أبراج تفتح لها أبواب الحظ والفرص الذهبية في أغسطس 2025.. تحولات مهنية وعاطفية غير مسبوقة    كنت فاكر إن ده العادي بتاعه، هشام ماجد يروي قصة مباراة حولته من أهلاوي إلى زملكاوي    الشيخ رمضان عبد المعز: سيدنا إبراهيم قدوة في الرجاء وحسن الظن بالله    ما حكم الوضوء لمن يعاني عذرًا دائمًا؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم ربط الحروف الأولى للأسماء بالرزق؟.. أمين الفتوى يجيب    للحماية من هبوط الدورة الدموية.. أبرز أسباب انخفاض ضغط الدم    ممنوعة في الموجة الحارة.. مشروبات شهيرة تسبب الجفاف (احذر منها)    وزارة الشباب والرياضة: عقوبات رابطة الأندية ضد جماهير الزمالك "قوية"    الفائز بجائزة الدولة التشجيعية ل"البوابة نيوز": نحتاج إلى آليات دعم أوسع وأكثر استدامة خاصة لشباب الفنانين    وزيرا خارجيتي السعودية والأردن يبحثان تطورات الأوضاع في غزة    الدكتور حسين عبد الباسط قائماً بعمل عميد كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال بجنوب الوادي    «حماس» تشيد بدور مصر الثابت في دعم القضية الفلسطينية    الحماية المدنية بالغربية تسيطر على حريق هائل نشب بسيارة بالمحلة الكبرى    أحمد مجدي: لدي مستحقات متأخرة في غزل المحلة وقد ألجأ للشكوى    ثلاث تغييرات في تشكيل الأهلي ضد فاركو بالجولة الثانية من الدوري    محافظ الجيزة يعلن اليوم المرحلة الثانية لتنسيق القبول بالثانوية العامة 2025    إبراهيم عيسى يٌشكك في نزاهة انتخابات مجلس الشيوخ: مسرحية (فيديو)    6 بنوك تتصدر ترتيب المتعاملين الرئيسيين بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    طريقة عمل شاورما اللحم فى البيت، أحلى وأوفر من الجاهزة    الصحة تشيد بالأطقم الطبية بمستشفيات الشرقية لنجاحها فى إجراء عمليات معقدة    محافظ القليوبية يكرم 3 سائقي لودر لإنقاذ مصنع أحذية من حريق بالخانكة    البنك العربي الأفريقي الدولي يرفع حدود استخدام البطاقات الائتمانية والعملات الأجنبية للسفر والشراء    "الإسكان": منصة إلكترونية/لطلبات مواطني الإيجار القديم    بداية أسبوع من التخبط المادي.. برج الجدي اليوم 13 أغسطس    نقاش محتدم لكن يمكنك إنقاذ الموقف.. حظ برج القوس اليوم 13 أغسطس    سوق مولد العذراء مريم بدير درنكة.. بهجة شعبية تتجدد منذ آلاف السنين    أكرم القصاص: مصر أكبر طرف يدعم القضية الفلسطينية وتقوم بدور الوسيط بتوازن كبير    الزراعة: حملات مكثفة على أسواق اللحوم والدواجن والأسماك بالمحافظات    ترامب يهاجم رئيس "جولدمان ساكس": "توقعاتهم كانت خاطئة"    للمرة الأولى.. كليات الطب البشري وحاسبات ضمن تنسيق المرحلة الثالثة 2025 للنظام القديم «ضوابط الالتحاق»    حبس 5 متهمين اقتحموا العناية المركزة بمستشفى دكرنس واعتدوا على الأطباء    متلبسًا بأسلحة نارية وحشيش.. ضبط تاجر مخدرات في طوخ    إخماد حريق نشب في محول كهرباء تابع لترام الإسكندرية    «الوكالة الذرية»: حريق محدود في محطة زابوريجيا النووية الأوكرانية    وكيل صحة شمال سيناء يعقد اجتماعا لمتابعة خطة تطوير الخدمات الطبية    كيف أستغفر ربنا من الغيبة والنميمة؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هويدا طه تكتب:بعد صبر المصريين المشين..هل يكون 2 مايو موعد العصيان المدني؟
نشر في الدستور الأصلي يوم 19 - 11 - 2010

الحديث عن عصيان مدني كوسيلة لإسقاط نظام ظالم ليس حديثا جديدا، كلنا نتطلع بتوجس لتحقيق هذا الفعل الجمعي العظيم، أما لماذا نتوجس؟ فلأننا في أعماقنا خائفون من الفشل.. خائفون من سلبية الشعب المصري (الشعب أي أهلنا وجيراننا وأصدقائنا ومواطنينا و.. نحن!.. فكلنا غاضبون.. وكلنا مترددون!) سلبية وصم بها المصري عبر تاريخه، أما هل هذا حقيقي أم لا؟ فإن تاريخ المصريين يتذبذب بين لحظات طويلة ممتدة يظهر فيها استسلاما مشينا وصبرا ذميما.. ولحظات أخرى رائعة تتجلى فيها إرادة قوية..
قبل إعلان العصيان
الآن هناك فريقان.. الأول هو الحالمون بفعل إرادي جمعي قوي يسمى العصيان المدني.. وهم نفر من المثقفين والشباب.. وهذا فريق قليل العدد نسبة إلى الفريق الآخر.. فريق الشعب! الشعب المسحوق الذي لا توجد وسيلة اتصال به لتدعوه إلى حدث جلل.. حدث بدون مشاركته لن يكون إلا خزيا كبيراً!
المشكلة الحقيقية التي تواجه الداعين إلى العصيان هي عدم تحديد مطلب محدد يلقى إجماعا من ملايين المطحونين الذين بدونهم سيكون العصيان خواء في خواء! الديموقراطية؟ لا .. من منكم سمع بائعا متجولا في شوارع مدينته أو امرأة من عائلته أو أحد جيرانه أو رفيقه في القطار أو زميله على محطة أتوبيس أو جاره في طابور الخبز أو خطيبا في مسجد أو عاطلا يتنقل بين مقاهي المدينة أو أي مواطن في موقع ما يطالب بالديموقراطية؟! هذا مطلب النخبة المثقفة المعزولة في برجها العاجي أو الشباب الملتصق بصفحة الفيسبوك! يطلون منه على شعب هائم يعاني في الشوارع وفي كل مؤسسات المجتمع دون أن يكون بينهم أي اتصال، فلا نخبة(المثقفاتية) قادرة على الوصول إليه ولا هو.. الشعب الصامت الصابر صبرا مشينا يبحث أصلا عن طليعة تتقدمه، هذا بالطبع لا يعني أن الديموقراطية ليست مطلبا ضروريا! وإنما يعني أنه مطلب مشروع يطرحه مثقفون ولا يسانده المعنيون به! الأوربيون أصحاب هذا الإبداع العجيب بذلوا الدماء أنهارا كي يتمكن أحد أحفادهم من قذف مسؤول كبير بالطماطم أمام عدسات الكاميرات.. إذا ما قال شيئا لم يعجبه.. دون أن يخاف من العاقبة، بل يرتجف المسؤول ويخاف بسبب(غضب هؤلاء)، والهنود بما كانوا عليه من فقر مدقع وأمية وضعف أمام قوة عظمى متعالية متعجرفة كبريطانيا، التفوا حول غاندي عندما نزل إليهم في مستنقعات الملح ليفجر فيهم قوة لن ينساها لهم التاريخ، وفلاحو الصين صنعوا معجزة تحير الدارسين عندما التفوا حول ماو الذي لم يغلق باب حجرته ليفكر ويفكر في مطالب الخلاص، وهؤلاء استمدوا النداء من ثقافة أهليهم، سواء كانت دينية أو فلسفية أو حكمة شعبية أو نظريات علمية، قالها تولوستوي الروسي في كتابه(الخلاص في أنفسكم) وقالها ديفيد هنري ثورو الأمريكي في كتابه(العصيان المدني) وقالها القرآن في الآية القرآنية (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وقالها المسيح في(موعظة الجبل) وتبدت في إيمان غاندي الهندوسي بقوة اللاعنف وكتبه جون راسكين الإنجليزي في كتابه(حتى الرجل الأخير) و كتبه عبد الرحمن الكواكبي العربي عن(طبائع الاستبداد) وغيرهم كثيرون، والشعب المصري لا يختلف عن باقي شعوب العالم، فهو يحتاج إلى الخلاص من ظلم ممتد.. حتى صار يظنه أحد ظواهر الطبيعة كرياح الخماسين أو فيضان النيل! لكنه لا يعطي آذانه لمثقفيه الذين يتحدثون ليلا ونهارا عن اصلاح سياسي عاجزين عن وصفه لذويهم، وربطه بما يراه مواطنهم (ظلما)لآدميته تهدر يوميا في الشارع والبيت وأقسام البوليس والمدارس والجامعة والمصانع والحقول، فكيف للفلاحين المهمشين والعمال المطحونين والنساء المقهورات أن يعرفوا تحديدا العلاقة بين هذا الظلم ونقص الديموقراطية؟ هذا ليس تعاليا، فأغلبنا ينتمي إلى هؤلاء المهمشين ،مطلب (الإصلاح السياسي) صحيح تماما أؤمن به كما تؤمنون.. لكنه لن يجمع حوله المسحوقين الذين يظنون في أعماقهم أن الديمقراطية.. مطلب المرفهين!
مطالب العصيان
هذا الإصرار على مطلب الاصلاح السياسي (الصحيح تماما) لن يمنح المصريين أبدا قوة اندفاع كالتي منحها ماو لفلاحي الصين، أو غاندي لفقراء الهند، نحن في حاجة إلى مطلب محدد: إسقاط نظام مبارك طوعا أو كراهية وإعادة توزيع الثروة! كيف؟ ليس بمطلب الديموقراطية وإنما بمطالب عصيان واضحة يفهمها المواطن مباشرة: توقف عن دفع الضرائب، مقاطعة المؤسسات الحكومية، البقاء بالبيوت أياما محددة في الأسبوع، الاضراب عن العمل في أوقات محددة، مواجهة البوليس بآليات معينة.. إلى آخره من مطالب العصيان التقليدية ووسائل إبداعية جديدة مثل: إطفاء النور في ساعات محددة، وتعليق اعلام في الشرفات.. الى آخره، هناك شخصيات رائعة مخلصة في بلدنا تحظى باحترام المصريين.. عليها أن تتقدم وتقف في الشارع وتعلن لحظة البدء، كنا في السنوات الماضية نحلم بجبهة وطنية تقود الفعل وليس الكلام، الآن الجبهة موجودة.. يمكنها إعلان دعوة صريحة بالعصيان.. من الجريدة والتليفزيون.. حتى لو أغلقت الجريدة وتوقف التليفزيون.. يمكن الدعوة في المقاهي والمجالس وعلى محطات الأتوبيس، إنما السؤال الصعب حقا.. هل ننجح؟
طبيعة الشعب المصري
ذلك الاتهام المألوف الذي يوجه للمصريين.. بأن لديهم (قابلية) للاستعباد والإذلال دون إبداء أي رد فعلٍ غاضب أو رافض، اتهامٌ لا يتبناه فقط كثير من المؤرخين غير المصريين، بل إنه حتى يسيطر على موقف الغالبية العظمى من المصريين تجاه أنفسهم، بمن فيهم حتى المتحمسين المتفائلين عندما تنتابهم لحظات اليأس! ويمكن لكل مصري أن يبحث في أعماقه: ألم أشعر بذلك أيضاً في لحظةٍ ما؟! ليجد نفسه وقد عاش مراراً تلك اللحظة القاسية المريرة، من الشعور بالدونية.. أمام تواتر الأخبار عن تحرك الشعوب الأخرى، لحظة الشعور بأنه يبدو أقل كرامةً من غيره، بينما يتعرض لقمع ٍ وقهر ٍ من قِبل سلطةٍ غاشمة في مصر، لا يتعرض هؤلاء الغاضبون في الشعوب الأخرى حتى لنصفها! (شعرت بهذا مئات المرات!) وتمر علينا لحظات نعبر فيها عن(غضبنا من أنفسنا.. لأننا لا نغضب!)، فبعضنا- بل كثير منا في الواقع- يكتب غاضباً في الجرائد والمجلات ومواقع الإنترنت يائساً متسائلاً:"لماذا الباقون لا يغضبون مثلي؟"! فهل تلك مرحلة في تاريخ المصريين المعاصر.. يمكن وصفها بأنها.. تمهيدٌ لإرهاصات (الانقلاب على الطبيعة)؟ أو حدوث شيءٍ، أشبه بما يعرف في التحولات البيولوجية باسم(الطفرة)؟!
حلم الثاني من مايو
يأتي هذا التساؤل الآن لعدة أسباب: منها تاريخ (لبدء) العصيان اقترحه مواطن مصري عادي منذ سنوات هو الثاني من مايو، شارحاً مسوغات اختياره لأسبابٍ عملية، تتعلق بمواعيد امتحانات الطلاب والأجازات الصيفية وغيرها، بحيث يكون ذلك التاريخ هو الأكثر ملائمة لاستجابة المصريين للنداء، وتحديد وقت محدد لبدء العصيان يحوّل الحلم من مجرد تأملات ٍ في مقالات ٍ عابرة.. إلى(خطةٍ عملية)، تُطرح خلالها خطواتٌ محددة وآلياتٌ للتنفيذ، فقد كانت حركات الغضب المتفرقة في تاريخ المصريين مجرد (هيجانات شعبية)! أو(هبات وليس ثورات)على حد تعبير د. جمال حمدان في موسوعته (وصف مصر)، لكن كثيراً من الدلائل تشير إلى أن ما يحدث الآن من تذمر المواطن المصري - قد- لا يكون (هبة) مضافة إلى أخواتها التاريخيات! وهذا تفاؤل يخشى عليه الكثيرون من الانتكاس، تفاؤل يجدد الأمل في (الجمعية الوطنية) كي (تقود عصيان مدني منظم)، الثاني من مايو يعني أن هناك حوالي خمسة أشهر أمام المصريين كي تنتشر الدعوة بينهم انتشار النار في الهشيم، ويستعدون نفسيا وعمليا لحدثٍ فارق ٍ كهذا، ما يعني أن هناك حاجةً لجهدٍ جبار من الجميع، كي يساهموا في رسم ملامح يوم الخلاص!
العصيان ردٌ على رؤية الآخر للمصريين
تذكرون بالطبع (وعد بلفور) بإقامة وطن ٍ قومي لليهود في أرض فلسطين، قليلون من يعرفون عن هذا (البلفور) أشياءً أخرى، هذا البلفور هو آرثر جيمس بلفور، النائب في البرلمان البريطاني في أوائل القرن العشرين، إضافة إلى مناصب أخرى عديدة وهامة، منها أنه كان وزيراً لشؤون أيرلندا، ثم اسكتلندا، ورئيس وزراء سابق، ومسئولا هاماً في الإمبراطورية البريطانية، وذراعاً لها فيما وراء البحار! وكان مثقفاً من الطراز الأول، ومحللاً سياسياً عميقا، وغير ذلك مما لا يتسع له المجال هنا من سرد صفاته وخبراته، (هذا لا يمنع أننا نكرهه!)، حسناً.. ما علاقة ذلك.. البلفور.. بمسألة (الإعداد لعصيان مدني مصري)؟!
في كتابه (الاستشراق: المعرفة، السلطة، الخطاب)، أدرج إدوارد سعيد خطبة ً ألقاها آرثر جيمس بلفور أمام مجلس العموم البريطاني في الثالث عشر من يونيو عام 1910، بعنوان:" المشكلات التي ينبغي علينا معالجتها في مصر"، مبرراً فيها(احتلال بريطانيا لمصر)، لأن عدداً من أعضاء البرلمان البريطاني حينها تساءلوا عن جدواه،... لا تملك إلا أن تدهش عندما تقرأ نص خطبته، التي تتضمن رأياً عن الشرقيين عموما، والمصريين على وجه الخصوص، تعتبرهم(غير قادرين- بالطبيعة- على حكم أنفسهم)، وفي الخطبة يقول بلفور:" إن الأمم الغربية تظهر في تاريخها تباشير القدرة على حكم الذات... وعندما تنظر إلى المشرق لا تجد أثراً لحكم الذات على الإطلاق... كل القرون العظيمة التي مرت على الشرقيين انقضت في ظل طغيان الحكم المطلق، أهو خير لهذه الأمم العظيمة أن نقوم نحن بممارسة هذا النمط من الحكم المطلق؟ ...في ظني أنهم بذلك عرفوا حكومة أفضل بمراحل مما عرفوه خلال تاريخهم الطويل، نحن في مصر لا من أجل المصريين وحسب، مع أننا فيها من أجلهم، نحن هناك من أجل أوروبا كلها"!
وغير بلفور كان هناك كرومر الذي حكم مصر وقال في مذكراته:"إن العرب يعانون بشكلٍ لا مثيل له من ضعف ملكة المنطق، وغالباً ما يعجزون عن استخراج أكثر الاستنتاجات وضوحاً من أبسط المقدمات التي قد يعترفون بصحتها مبدئياً، خذ على عاتقك أن تحصل على تقريرٍ صريح للحقائق من مصري عادي، سيكون مسهباً مفتقراً للسلاسة، ومن المحتمل أن يناقض نفسه بضع مرات قبل أن ينهي قصته، وهو غالباً ينهار أمام أكثر عمليات التحقيق ليناً"!، والمثال الثالث الذي نتناوله هنا عن كيفية رؤية (الآخر الغربي لنا)هو ما قاله هنري كيسنجر في مقالٍ بعنوان(البنية الداخلية والسياسة الخارجية)الذي قال فيه إن الغرب في البلدان المتطورة:"ملتزم التزاما تاما بمفهوم أن العالم الحقيقي هو(عالم خارجي) بالنسبة للمراقب، لذا فإن المعرفة تتآلف من تسجيل المعلومات وتصنيفها، ... أما البلدان ناقصة التطور، فإن العالم الحقيقي هو- داخلي- فيها بالنسبة للمراقب، وهو ما يعني أن الواقع التجريبي له دلالة مختلفة عند تلك الدول النامية، لأنها لم تمر أبداً بتجربة اكتشاف العالم"، وهناك مثال رابع يتمثل في قول هارولد غليدن في مقالٍ له في المجلة الأمريكية للتحليل النفسي عام 72، وكان عضو مخابرات في وزارة الخارجية الأمريكية، حيث قال:"إذا كان للوقت مكانة كبيرة عند الغرب، فإن ذلك لا يصدق إطلاقا على العرب، وإذا كان النظام القيمي العربي يفرض التماسك المطلق جماعيا، فإنه في الوقت نفسه يشجع لدى الأفراد- العرب- تنافساً مدمراً لذلك التماسك"!
هذه الأمثلة وغيرها كثير، تدل معظمها على أن الغربي، أوروبيا كان أو أمريكيا،(يعتقد)أننا- لا- يمكن أن(نحكم أنفسنا بأنفسنا)أو لا يمكننا أن(نكتشف العالم)، ويعتقد أننا(ندمر تماسكنا بتنافسنا)! لكن بغض النظر عن ذلك الانقباض الذي تشعر به، وأنت تقرأ ما يقال عنك- وتمر بلحظةٍ كئيبة- تشعر فيها أن قائلها، وإن قالها بفوقية، لم يجانبه الصواب كثيراً!! فهل جانب بلفور الصواب عندما قال إن تاريخنا كله مضى في ظل الحكم المطلق المستبد؟! أو جانب كرومر الصواب عندما قال بأننا(ننهار أمام أكثر التحقيقات ليناً)؟ وهل بالغ كيسنجر عندما اتهمنا بأننا(عاجزون عن اكتشاف العالم الحقيقي)؟ وهل كذب غليدين عنما قال بأننا(نتنافس فيما بيننا حتى ندمر أنفسنا)؟! لكنك تعود خارجا من تلك اللحظة التي يحوطك فيها الإكتئاب لتتمسك بأطواق ٍ للنجاة، منها الإدراك بأن العالم نفسه يتغير- داخليا وخارجيا- وأن هؤلاء الغربيين أنفسهم من بلفور وكرومر إلى كيسنجر وغليدين وغيرهم، لم ينبهونا فقط لدائنا بما تعاملوا معنا به من فوقية مثيرة للغضب والاشمئزاز، حتى أن بلفور(في ظنه أنه خير لنا أن يحكمنا هو حكما مطلقا.. من أن يحكمنا حكماً مطلقاً مستبدٌ من صناعتنا المحلية)! بل قدموا لنا- مشكورين- نموذجا نغار منه! ونحارب به أوضاعنا، أو(طبيعتنا)إن شئت تسميتها! كي نتغلب على(صيرورة)اللامبالاة والسلبية، و(القابلية)الطبيعية لدينا لهذا السلوك المشين.. الذي أسميناه أدبا أو تغاضيا:الصبر! لذلك تأتي (الدعوة إلى العصيان المدني بنسخة مصرية).. ليست فقط رداً على الحكم المطلق المحلي، وإنما تأتي رداً على (رؤية الآخر لنا)، وتغييراً ليس فقط لأوضاعنا الداخلية، وإنما تغيير لموقعنا في خريطة(العالم)، الذي ظن كيسنجر أننا عاجزون عن(تجريب)اكتشافه! العصيان المدني الذي كان قبل سنوات حلما يكتب عنه الأدباء يمكنه الآن أن يكون (مطلبا شعبيا).. بوجود(حركة منظمة) تقوده، وحتى نكسب الوقت، عندا في غليدين الذي قال (إن الوقت لا قيمة له عند العرب إطلاقاً)!، ليكن الثاني من مايو.. بمجهودٍ ينبغي علينا أن نبذله.. موعدا لتجريب اكتشاف المصريين للعالم، وإلا .. فالخوف وارد.. أن نبدل حاكما مستبدا من صناعة محلية بمستبد آخر يرثه دما وحكما أو.. إذا استمر صبرنا المشين قد يحكمنا حاكم من وراء البحار، يتمتع دوننا كما يقول كرومر(بملكة المنطق)!.. ملكة ترشده إلى أن المصريين بأدلةٍ تاريخية.... عاجزون عن فعلها!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.