أيام قليلة تفصلنا عن انطلاق انتخابات مجلس النواب 2025 في الداخل، حيث برز مشهدين متناقضين خلال الدعاية الانتخابية يثيران سؤالًا لدى الشارع المصري: هل يظل المال والأدوات الدعائية الضخمة العامل الحاسم في تشكيل اختيارات الناخبين؟ أم أن الأساليب المبتكرة والحضور الميداني المباشر، الذي يعكس محدودية الإمكانيات لكنه يثبت جدية بعض المرشحين، يمكن أن يعيد رسم خريطة التأثير السياسي داخل الدوائر؟ هذا السؤال يفرض نفسه بقوة بين نموذجين مختلفين: مرشحون يمتلكون قدرة تنظيمية وحشدًا جماهيريًا واضحًا، مثل النائب أبانوب عزت عزيز في دائرة الساحل، والنائب محمد عبد الرحمن راضي في دائرة شبرا وغيرهم، مقابل مرشحين يظهرون بأساليب أكثر تواضعًا وإبداعًا مثل مونيكا مجدي، التي اختارت استخدام الدراجة الهوائية «العجلة»، للتواصل المباشر مع أهالي دائرتها. ◄ حملات عملاقة وأخرى محدودة ويثار تساؤل يلوح في الأفق: هل نحن بالفعل أمام منافسة بين «حملات عملاقة» وأخرى «محدودة الإمكانيات»؟ وهل كثرة اللافتات والمؤتمرات الحاشدة، ما زالت قادرة على ترجيح كفة المرشحين، أم أن المزاج الانتخابي يتغير باتجاه تقدير الوجود الحقيقي على الأرض؟ اقرأ أيضا| رسالة من الهيئة الوطنية للمصريين بالخارج بشأن انتخابات مجلس النواب المشهد السياسي، خلال السنوات الأخيرة، أظهر أن الحملات الانتخابية في ظل التعددية المحدودة تحولت في معظمها إلى سباق لإظهار القدرات التنظيمية والمالية، خصوصًا داخل الدوائر ذات الكثافة السكانية المرتفعة في القاهرة والجيزة والإسكندرية. المرشحون المنتمون لأحزاب قوية مثل مستقبل وطن يمتلكون أدوات دعائية ضخمة، تتجلى في المؤتمرات الجماهيرية، والحشد الواسع، والقدرة على إنتاج مواد انتخابية مكلفة، مثل نموذج «أبانوب عزت»، يعكس حيث شهدت دائرته مؤتمرًا ضخمًا شارك فيه الآلاف وحضره نواب وشخصيات عامة، بالإضافة إلى عرض إنجازاته على مدى خمس سنوات. ◄ ثقافة المناطق الشعبية هذه النوعية من الحملات، قد تؤثر على الرأي العام، لأنها لا تقدم فقط صورة عن المرشح، بل تبعث برسالة غير مباشرة إلى الناخبين مفادها أن هذا المرشح يتمتع بنفوذ، ويمتلك قدرة حقيقية على الإنجاز داخل البرلمان، ويملك شبكة دعم حزبي واجتماعي تساعده في حل المشكلات. في المقابل، المرشحون محدودو الإمكانيات عادة لا يملكون هذه القوة التنظيمية، ما يجعلهم يعتمدون على التواصل المباشر، والاحتكاك الإنساني، والظهور البسيط، كما تفعل مونيكا مجدي التي اختارت أن تبرز جهدها الذاتي وتتنقل بدراجتها بين الناس، لتوزيع موادها الانتخابية. هذه الصورة رغم بساطتها، تحمل في حد ذاتها خطابًا مضادًا للمال السياسي، وقد تجد قبولًا لدى فئات بعينها، خصوصًا الشباب والطبقة الوسطى التي تميل لتقدير الجدية أكثر من الوجاهة، ورغم ذلك، لا يمكن تجاهل أن ثقافة الناخب المصري في كثير من المناطق الشعبية ما زالت مرتبطة بقدرة المرشح على «الظهور» بقوة على الأرض. ◄ شبكات واسعة من المؤيدين والمتطوعين اللافتات الكبيرة، ومواكب السيارات، والمؤتمرات الحاشدة، تظل عناصر تستخدم لإظهار القوة، بل وينظر إليها أحيانًا باعتبارها مؤشرًا على أن المرشح قادر على تلبية الاحتياجات وتوفير الخدمات، ومن هنا فإن كثرة اللافتات لا تعني بالضرورة زيادة فرص الفوز، لكنها تبعث برسالة قوة وتماسك تنظيمي. هناك مرشحون يمتلكون شبكات واسعة من المؤيدين والمتطوعين، ودعم حزبي قوية يقف خلفهم، ولديهم سجل من الإنجازات السابقة كما في حالة أبانوب عزت أو محمد عبد الرحمن راضي، هؤلاء لا يفوزون فقط بسبب الحملات الضخمة، بل لأنهم بالفعل معروفون في دوائرهم. أما المرشحون أصحاب الإمكانيات المحدودة، حتى لو كانت لديهم أفكار جيدة، فهم يصطدمون عادة بثلاثة عوامل تحد من فرصهم: الأول هو ضعف الانتشار الميداني مقارنة بغيرهم، والثاني هو أن التواصل المباشر رغم فعاليته، يحتاج إلى وقت كبير وجهد مضاعف، لا يغطي دائرة واسعة خلال فترة قصيرة، أما العامل الثالث فهو طبيعة وعي بعض الناخبين الذين يربطون بين حجم الدعاية، وبين قدرة المرشح على تحقيق طلباتهم لاحقًا. ◄ المشهد العام في الدوائر ورغم كل هذه المعوقات، فإن أسلوب مونيكا مجدي يعكس محاولة لكسر هذا التفاوت، من خلال الاعتماد على الوجود الحي بين المواطنين، وهو أسلوب قد ينجح إذا ارتبط ببرنامج واضح وقدرة المتحدث مع الجمهور بطريقة مقنعة وفريق صغير يدير الحملة بشكل ذكي، لكنها تظل تواجه منافسة شديدة داخل دوائر كبيرة مثل شبرا وبولاق أبو العلا، خاصة أمام مرشحين من الوزن الثقيل أو منتمين لأحزاب كبرى. المشهد العام في الدوائر، يشير إلى أن المرحلة الثانية ستشهد منافسة لكنها غير متكافئة بنفس الدرجة، المنافسة موجودة بالفعل، لكنها ليست بين قوى متعادلة، بل بين مرشحين يمتلكون أدوات قوية ومرشحين يحاولون إثبات حضورهم رغم محدودية قدراتهم، ورغم ذلك، لا يمكن القول إن الحسم سيتم لصالح الدعاية الضخمة فقط. اقرأ أيضا| حقيقة إلغاء انتخابات مجلس النواب وتأجيلها عام كامل؟.. مصطفى بكري يكشف الحقائق التجربة الانتخابية، أثبتت مرارًا أن المرشح الذي ينجح في بناء علاقة مباشرة مع جمهور الشارع، ويظهر مصداقية وسرعة في الاستجابة، قد يحقق نتائج مفاجئة حتى لو كانت حملته متواضعة، ويبدو أن الدعاية الضخمة ستظل عنصرًا حاسمًا في توجيه الكتلة غير المسيسة، وأن اللافتات الكثيفة قد تخلق انطباعًا بالتفوق، لكنها ليست وحدها معيار الفوز. ◄ الخبرة والدعم الحزبي المنافسة في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب قائمة، لكنها منافسة «غير متوازنة»، لأن المرشحون أصحاب الحملات الضخمة مثل أبانوب عزت أو محمد عبد الرحمن راضي وغيرهم يتمتعون بأفضلية واضحة، ليس فقط بسبب الدعاية المكثفة، بل بسبب الخبرة، والتنظيم، والدعم الحزبي. أما المرشحون أصحاب الإمكانيات المحدودة مثل مونيكا مجدي، فيخوضون معركة أصعب، لكنهم يعتمدون على خطاب مختلف يقوم على الجهد الذاتي والقرب المباشر من المواطنين، وهو خطاب قد يلقى قبولًا لدى فئات معينة، لكنه يبقى بحاجة إلى كتلة تصويتية واعية تدرك قيمة «المرشح الحقيقي» في مقابل «الحملة الكبيرة».