دخول مصر النادى النووى لم يكن طموحًا وليد اللحظة، بل حلم ممتد لعقود، تخللته محطات انكسار وصعود، ارتبطت معظمها بالظروف الإقليمية والدولية وتعقيدات الأمن والاقتصاد والسياسة. فمنذ الخمسينيات، عندما أسست مصر أول مفاعل بحثى فى أنشاص، بدا أنها بصدد مشروع طموح، لكن الحلم تعرّض لعرقلة متكررة بفعل الحروب الإقليمية، والأزمات الاقتصادية، والتقلبات الدولية التى لم تكن تسمح بسهولة لدولة نامية بالاقتراب من الطاقة النووية. ومع مطلع الألفية عادت الفكرة للواجهة، لكن التحول الحقيقى بدأ منتصف العقد الماضى مع اتخاذ قرار سياسى جرىء بإحياء المشروع النووى لتوليد الكهرباء، وجرى اختيار الضبعة كموقع للمحطة. وتوقيع اتفاق مع روسيا لإنشاء محطة من 4 مفاعلات من الجيل الثالث، وهى من أحدث التقنيات وأكثرها تطورًا على مستوى الأمان والسلامة. المشروع ليس مشروعًا للطاقة فقط، بل خطوة استراتيجية فى بنية مصر الاقتصادية. فامتلاك تكنولوجيا نووية سلمية يفتح الباب لنقل المعرفة، وتطوير صناعات محلية، وبناء كوادر متخصصة، وإعادة تموضع مصر فى سوق الطاقة الدولى فى وقت تتغير فيه خريطة الطاقة العالمية وتتجه نحو الطاقة منخفضة الكربون. على المستوى السياسى، يُظهر المشروع قدرة القاهرة على بناء شراكات طويلة الأمد مع القوى الكبرى، واستثمار موقعها الجيوسياسى فى بناء منظومة طاقة مستقلة عن تقلبات أسواق النفط والغاز. ويعكس قدرتها على تنفيذ واحد من أكبر المشروعات الهندسية المعقدة فى تاريخها الحديث، ما يعزز ثقة المؤسسات الدولية والمستثمرين فى قدرتها على تنفيذ مشروعات استراتيجية مستدامة.. ومع الدخول فعليًا مرحلة التنفيذ، لم يعد المشروع حلمًا مؤجلاً، بل حقيقة تتشكل. فالمفاعلات ال4 ستوفر نحو 20٪ من احتياجات الكهرباء، ما يضع مصر ضمن الدول التى تمتلك مزيجًا مستدامًا للطاقة. والأهم أن المشروع يندرج ضمن رؤية أوسع لتحديث الاقتصاد المصرى، وتنويع مصادر الطاقة، ما يعزز قدرة القاهرة على دخول أسواق جديدة للطاقة النظيفة، ويمنحها ميزة تنافسية فى المستقبل القريب الذى ستزداد فيه أهمية الطاقة الصديقة للبيئة.