شهدت مصر عبر تاريخها الضارب في عمق التاريخ، المغرق في القدم عددا من الثورات، لكن ربما تظل حتى الآن الثورة الأكثر إعلاء لمكانتها، وتحقيقا للكثير من مطامع شعبها، لاسيما الطبقة الكادحة التي تشكل عماد أية أمة، هي ثورة 23 يوليو 1952. يحدثنا عنها المؤرخ عبد الجواد سيد عبد الجواد فيقول: ستظل ثورة يوليو محلاً للجدل بين المؤرخين، تبعا للمدارس الفكرية والسياسية التى ينتمون إليها، فسوف يظل الاشتراكيون يرونها إحدى أعظم الثورات الاشتراكية فى العالم، والتى سقطت نتيجة لتربص الإمبريالية العالمية بها، وسيظل الإسلاميون يرونها ضربة موجهة لإجهاض الثورة الإسلامية التى كانت على وشك الانتصار فى مصر وفى العالم، بينما سيظل الليبراليون يرونها حركة ارتباك كبرى فى تطور مصر الحديثة، إذ عطلت تطور المجتمع الرأسمالى الديمقراطى التى كانت مصر على وشك الولوج إليه. إنها الثورة التى قضت على طبقة الإقطاع المصرية، وهو التطور الذى كانت مصر فى أشد الحاجة إليه، إذ كان مبرر وجود هذه الطبقة قد انتهى فى التاريخ المصرى، وأصبح من الواجب القضاء عليها حتى تخرج إلى المجتمع المصرى طبقات أخرى أكثر قوة واتساعا، فكان أن حققت ثورة يوليو تلك المهمة فى قوانين الإصلاح الزراعى. وكان التطور الكبير الثانى الذى حققته ثورة يوليو توجيهها ضربة قاتلة لتيار الإسلام السياسى، فقط بعد سنتين من قيامها، وبالتحديد سنة 1954، وكان ذلك التطور فى غاية الأهمية لحماية المجتمع المصرى من السقوط فى التاريخ والعودة إلى القرون الوسطى وخسارة كل الإنجازات الحضارية التى حققتها مصر على مدى أكثر من قرن ونصف من حكم أسرة محمد على. أما الكاتب والروائي، الدكتور أحمد الخميسي، فيقول: ثورة يوليو هي الثورة التي أنجزت لمصر الاستقلال، وانتقلت بها من الملكية إلى الجمهورية، وأتبعت ذلك بتأميم القناة، وبناء السد العالي، واتجهت بمصر نحو التصنيع، ثم بسطت شراع التعليم المجاني، والتنمية، وبناء جيش وطني، وإشاعة قيم الكفاح والعداء للاستعمار وقاعدته إسرائيل. وعلى مستوى بناء الأمة من قاعدة الشعب الذي هو كل الأمة، فقد جعلت لكل فلاح مصري قيراط يزرعه، ولكل عامل نصيب في مصنعه، ثم أحدثت قفزة لنفس الفئات الشعبية على مستوى الممارسة السياسية، لتعلو بهما في هذا المسار بأن جعلت لهما من البرلمان المصري نصيبا مفروضا. ويختتم "الخميسي" قائلا: ما زالت ثورة يوليو هي الحلقة الثالثة من الثورة المصرية الوطنية بعد أحمد عرابي، وثورة 1919، وحينما يحاكمون الثورة الآن وسابقا يخطئون حين يصفونها بالانقلاب، لأن الانقلاب تغيير لقيادات عليا مع بقاء النظام كما هو، أما ثورة يوليو فهي تغيير في خريطة المجتمع الطبقية، وضبط لقواعد الأمة المصرية أرسى لمصر قواعدها الوطنية والشعبية التي أبعدتها طوال فترة حكم عبد الناصر عن التبعية، قبل أن يهبط بنا السادات مجددا إلى هذه الهوة السحيقة.