العرب والقرن العشرون احمد عمرابي لماذا فشلت الثورات العربية في التاريخ العربي المعاصر؟ من حيث الحيز الزمني فأني أقصد على وجه التحديد القرن العشرين.. فالقرن الحادي والعشرون لايزال في مطلع عمره. أما من حيث الحيز المكاني فانني أكتفي بأربعة أمثلة: ثورة 1919 وثورة 23 يوليو 52 في مصر وثورة الجزائر التي تواصل أوارها من عام 1954 إلى عام 1962 وثورة اليمن الجنوبي التي اشتعلت خلال عقد الستينيات.
خارج النطاق العربي شهد القرن العشرون ثلاث ثورات عظمى استطاعت أن تتجاوز مرحلة الانتصار الحاسم إلى مرحلة البناء وتبقى حتى اليوم تنتقل من نجاح إلى آخر وهي الثورة الفيتنامية والثورة الصينية وثورة جنوب إفريقيا.
لماذا إذن كان النجاح هناك والفشل هنا؟
فلنلاحظ أولا أن الثورات الثلاث غير العربية المشار إليها تتشارك في طول النفس. وثانيا أن ثلاثتها كانت ثورات شعبية مسلحة.
لقد استغرقت مسيرة الثورة الفيتنامية نحو 42 عاما من عام 1933 إلى حين حققت الانتصار القتالي النهائي ضد القوات الأميركية في عام 1975. بدأ الكفاح بوسائل الكفاح السلمية ضد استعمار فرنسي وتطور إلى كفاح مسلح ضد اليابانيين والفرنسيين معا ثم ضد الأميركيين أخيراً.
في الصين بدأ الحزب الشيوعي مسيرته الكفاحية في منتصف عقد العشرينيات.. ولم يتحقق له الانتصار النهائي إلا في عام 1949.
مثلما ما جرى في فيتنام بدأ حزب «المؤتمر الوطني» الذي يمثل الأغلبية السوداء كفاحه ضد تسلط نظام الأقلية البيضاء العنصري بوسائل سلمية في عام 1912. ولاحقاً دخل مرحلة الكفاح المسلح إلى أن حقق النصر النهائي في عام 1993.
في العالم العربي كان سبب فشل ثورة 19 المصرية التي انطلقت في الشارع بوسائل الاحتجاج السلمي هو غياب التنظيم الصارم مع غياب برنامج فلم يكن لدى الفئات الشعبية التي شاركت في الانتفاضة هدف سوى إجلاء الاحتلال العسكري البريطاني.
غير أن السبب الأهم هو أن الثورة أخذت تتلاشى بعد أن تولى أمر قيادتها شريحة من القيادات تنتمي إلى الطبقة الارستقراطية فراحت تساوم على أهدافها الأسرة الملكية والسلطات الاحتلالية البريطانية.
أجل «ثورة 23 يوليو 52 كانت ثورة ناجحة.. لكنه كان نجاحاً محدوداً لأنها كانت مرتهنة إلى زعيم فرد. فبعد رحيله مباشرة أجهضت الثورة. ذلك أن عبدالناصر الذي تولى السلطة بأسلوب انقلابي اضطر إلى وضع نفسه كبديل عن الشعب. ولذا لم تجد منجزات الثورة من يحميها بعد أن غادر الحياة.
ثورة الجزائر المسلحة أشعلت كما نعلم ضد استعمار فرنسي استيطاني. وعندما تحقق لها الانتصار القتالي النهائي نشأ خلاف بين ضباط الميدان من أمثال هواري بومدين والقادة السياسيين من أمثال أحمد بن بيلا.
وهذا فان انتصار العسكريين على السياسيين في معركة التكالب السلطوي كان إيذانا بتحول الثورة إلى انقلاب أو ما يشبه الانقلاب. لذا نفهم لماذا عمد جنرالات بومدين إلى احتكار السلطة بعد رحيله في أواخر السبعينيات واستغلالها لمصالحهم الذاتية في إطار حكم استبدادي دموي.
في اليمن الجنوبي توفرت للثورة الوطنية المسلحة كافة عوامل النجاح خاصة أنها نبعت من الأوساط الشعبية ولم تفرض على الشعب كانقلاب فوقي كما حدث لثورة يوليو المصرية.
لكن مع ذلك لازمت الثورة نقطة ضعف جوهرية. فقد اعتنق قادتها ايدولوجية غريبة على مجتمع إسلامي هي الماركسية اللينينية دون تطويعها لتتلاءم مع الظروف المحلية.
الشعوب العربية ليست مدعوة الآن إلى إشعال ثورات مسلحة بالضرورة والحتمية. ففي عصر ثورة الاتصالات وثورة المعلومات في إطار التكنولوجيا الحديثة تتوافر وسائل سلمية متعددة ومتنوعة. عن صحيفة البيان الاماراتية 4/12/2007