تباينت الآراء والتحليلات الاقتصادية في الآونة الأخيرة بشأن قرض صندوق النقد الدولي الذي تسعى الحكومة المصرية إلى تمريره، رغم ما يحمله من مخاطر وآثار، وذلك لمواجهة الوضع الاقتصادي الذي ازداد سوءا منذ أحداث ثورة يناير. وقد سعت الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع إلى محاولة الخروج بقراءة اقتصادية أقرب إلى الصحة والدقة حول الوضع الاقتصادي المصري حاليًا، وهو ما ناقشته ندوتها أمس التي أقيمت تحت عنوان: "الاقتصاد المصري وضبط الإدارة المالية". أدار الندوة الدكتور رابح رتيب - رئيس الموسم الثقافى بالجمعية، وحضرها الدكتور سيد بحيري - رئيس مجلس أمناء منظمة كايرو كان للتنمية ونائب محافظ القاهرة، والإعلامية منى شمس، وعدد كبير من خبراء الاقتصاد والسياسة، والخبراء الاستراتيجيين. في البداية، طالب الدكتور رابح رتيب، بالاهتمام بالبحث العلمى والتقنية العالية لأنها هى المخرج من الأزمة الاقتصادية الراهنة. وأكد صديق عفيفي - الخبير الاقتصادي، ورئيس جامعة النهضة، أن مصر تعاني أزمة اقتصادية حقيقية، فالاقتصاد يسير من سيئ إلى أسوأ، والعجز الحالى يقترب من 190 مليار جنيه، والمتوقع أن يكون العجز في العام المقبل 200 مليار وربما أكثر. وأوضح "عفيفي" أن إيرادات مصر 500 مليار، بينما يصل الإنفاق العام إلى 700 مليار، منها 173 مليار أجور الموظفين، و150 لميزانيات الدعم، خاصة دعم الطاقة. وأضاف "عفيفي" أن الاحتياطي النقدي يكفي 3 أشهر، ونسبة العجز تصل إلى 11%، وهذا يدل على أن الوضع المالي صعب للغاية. وأوضح عفيفي أن مشكلات مصر الاقتصادية كانت قائمة قبل الثورة، لكنها ساءت أكثر بعد الثورة. وقال الدكتور علاء رزق - الخبير الاقتصادى، ووكيل مؤسسى حزب الاستقرار والتنمية، إننا دولة يافعة، حيث 90% من سكانها فى سن الشباب، وهذا لا يتحقق مع الدول إلا بعد مئات السنوات، ولذلك طالب بأهمية الاستفادة من طاقات الشباب. وأكد "رزق" أننا نعيش عصر التكتلات الاقتصادية، الأمر الذى يحتم ضرورة الاتجاه فورا نحو تفعيل المثلث الذهبى بين مصر والسودان وليبيا. وأشار إلى أن اشتراك مصر فى انعقاد مؤتمر البريكس فى جنوب أفريقيا أمر مهم، لكننا كنا نأمل الاستفادة من نموذج جنوب أفريقيا فى القضاء على العنصرية ومحاربة الفقر ومكافحة الجهل ومواجهة الفساد والتغلب على الفراغ الأمني. من جانبه، أكد الدكتور على السلمى، أهمية الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، لكن على أن يوجه هذا القرض إلى مشروعات استثمارية قادرة على الوفاء بالتزاماته، ولا يوجه لسد عجز الموازنة، لأن هذا الأمر - حسب تعبير السلمى - جريمة تزيد من أزمة الإدارة المالية في مصر. وطرح السلمي مجموعة من الإجراءات التصحيحية من وجهة نظره بشأن إصلاح الإدارة المالية في مصر، مثل ضرورة النظر في التطبيق الجاد للحد الأدني والأقصى للعاملين بالحكومة والقطاع العام، وعدم استثناء أية مؤسسات مالية أو بنوك أو غيره من هذا الأمر. وأشار كمال محجوب - رئيس مجلس إدارة دار المعارف إلى مشكلة المؤسسات فى الإدارة، وأن العمالة تأخذ ولا تعطى، لأن القانون يحمى العمالة حماية عمياء، سواء حدث إنتاج أم لا، والعامل لا يهمه نجاح المؤسسة أو العكس. وقال عبد الإله المالكي - رئيس البنك البريطاني بالقاهرة، إذا أرادت مصر الخروج من أزمتها المالية الحالية، فلا بد من كسر هذه الحلقة المغلقة لإدارة السيولة النقدية، وسرعة التوجه لتمويل مشروعات التنمية للقضاء على قضايا الفقر والبطالة. وأكد المالكي أن الصكوك الإسلامية ستكون مخرجًا لمصر من أزمتها التمويلية خلال الفترة المقبلة، وأنها ستساهم في كسر هذه الحلقة المغلقة، حيث سيتم تمويل مشروعات البنية الأساسية وغيرها عبر الصكوك، مما يتيح مساحة أكبر للجهاز المصرفي لتوظيف السيولة المحلية لتمويل المشروعات الإنتاجية والخدمية، وليس تمويل عجز الموازنة.