نجحت ثورة 25 يناير في أن تطيح بنظام فاسد؛ لتأتي بأول رئيس مصري منتخب، ولكن لم تتمكن هذه الثورة المجيدة من "تفصيل" معارضة جيدة "على مقاس" رئيس الجمهورية؛ حتى لا ترهقه، ولا يأخذ وقتًا في محاولات وحوارات تهدر مجهوده، ولكن المعارضة تفهمت المواصفات التي أرادها الرئيس، وهي أن تكون "مؤدبة" وتعودت على "السمع والطاعة" ولا تعصي له أمرًا، وتكون مجرد معارضة "عيرة"، لا تنفع ولا تضر، بل تكون طوال الوقت جاهزة لافتعال أي أزمة والتوصل لحل في أسرع وقت؛ ليكون لدينا من يؤثر المعارضة على نفسه بل وجماعته أيضًا، فأين نجد من يعارض بشروط الرئيس؟! يرى الدكتور يسري العزباوي، الخبير الاستراتيجي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن مرسي يريد معارضة "مستأنفة" متعودة على السمع والطاعة ولا تعصي له أمرًا، وتجلى هذا في أزمة حزب النور الأخيرة الذي يلعب دور المعارضة من داخل الأسرة الواحدة، وكل فترة يفتعل بعض الأزمات والخلافات؛ ليبين للرأي العام أنه من داخل العائلة، بسبب انتمائه لفصيل الإسلام السياسي، ولكنه يحتك مع النظام الحاكم؛ ليظهر أمام الرأي العام وكأن الرئيس لا يفضل فصيلاً معينًا على الآخر. وأوضح أن الرئيس حينما يدعو لحوار وطني يشرف عليه، ثم تقاطعه أبرز القوى السياسية على الساحة، ويصر الدكتور مرسي على الحوار، فيذهب إليه بعض المعارضين ممن طالبوا بإعلان حالة الطوارئ؛ وبالتالي فهؤلاء الذين حضروا لم يكونوا بحاجة لحوار وشكليات لن تجدي؛ لأنهم مؤيدون للرئيس وبشدة، ولكنهم ذهبوا لكي يتفقوا على أشياء متفقين عليها في السابق. وأضاف العزباوي أن وضع الحوار مريب؛ لأنه لم يهتم بحضور كافة القوى السياسية، ولم يهتم أيضًا بتحقيق المطالب التي أعلنتها المعارضة، فتلجأ مؤسسة الرئاسة للحوار حينما تريد تضييع بعض الوقت، وتقوم جبهة الإنقاذ بدورها بالرفض وإعلان المقاطعة، وهكذا. ومن جانبه قال الدكتور أيمن سيد عبد الوهاب المحلل السياسي إن السيناريو الذي يعلمه الجميع هو أن المعارضة المتمثلة في جبهة الإنقاذ تسعى دائمًا إلى أن تضع المؤسسة الرئاسية تحت ضغط، وتحرجها أمام الرأي العام العالمي، وفي المقابل يقوم الرئيس بإظهار المعارضة وكأنها ترفض الحوار الوطني وتسعى لفرض السيطرة ولا تريد الاستقرار، على الرغم من أن كل الحوارات التي دعت إليها مؤسسة الرئاسة تمثل خطوات ناقصة، ولا يجوز التجاوب معها من الأساس؛ ولذلك يكون الرد بالمقاطعة هو الحل. وأضاف عبد الوهاب أن طريقة الدعوة إلى الحوار الوطني بها نوع من الاستهلاك السياسي وإظهار حسن النية وتقبل الآخر والانصياع لمطالب الشارع وجميع القوى السياسية، وهذا كلام غير صحيح بالمرة؛ لأنها ليست دعوات حقيقية، وتجديدها بين الحين والآخر أمر غير مُجدٍ؛ فالرئيس يعلم كل مطالب الإنقاذ ولكنه يتجاهلها، ثم يدعو إلى حوار ويعلم أيضًا أنهم سيرفضونه، وبالتالي لن يرضى الرئيس عن المعارضة الموجودة، ولن ترضى هي عنه، ولكن الطرفين ليس لديهما بدائل أخرى. كما أكدت عفاف السيد الناشطة السياسية أن جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي يسعون إلى تشكيل معارضة "حسب الكتالوج"، أي أن تكون معارضة بالشكل فقط، وليست لها أي دور حقيقي في الشارع، فتلعب الدور المرسوم لها على خريطة المسرح السياسي، وربما يكون هذا ما ظهر خلال أزمة حزب النور، ووضح جدًّا أن هناك تقسيمًا في المردود، بمعنى أن تكون هناك أزمة في مقابل أن تسير بعض المطالب ويحسب هذا الحزب على تيار المعارضة. وأشارت إلى أن المعارضة المرجوة يجب أن تكون لها مطالب بسيطة وشخصية، ولا تتطرق لأي قضايا تخص الإصلاح الوطني أو تحقيق أهداف الثورة، ولكن تكون لها مطالب فئوية خاصة بهم كمجموعات، وتمكن لهم من تواجد تخويفي ومرعب في الشارع، حتى تظل هيمنتهم موجودة، وهي نفس طريقة تفكير مبارك وعصابته؛ ولذلك يتمنى أعضاء جماعة الإخوان أن يظل الوضع كما هو عليه، وتظل جماعتهم هي السلطة الحاكمة؛ لأن غباءهم السياسي (حسب قولها) يجعلهم يتخوفون من تحسن الأوضاع أو أن يأتي رئيس آخر فيعودوا إلى جحورهم كما كانوا، حسب قولها. وأضافت أن العيب في المعارضة الموجودة حاليًّا أن يشيع أنها متمثلة في جبهة الإنقاذ فقط، وهذا كلام غير صحيح؛ لأن المعارضة بشكلها التقليدي أو السياسي أصبحت لا تواكب هذه المرحلة؛ لأنهم تعودوا أن يتخذوا وقتًا لكي يتحدثوا ثم يتفقوا ثم يقرورا بعد ذلك، في حين أثبتت القاعدة الشعبية أنها المعارضة الحقيقية، والدليل على ذلك العصيان المدني الذي أعلنته مدينة بورسعيد، ونفذته في لمح البصر، بقياداتها الثورية وليست السياسية، بينما تحشد جبهة الإنقاذ لهذا العصيان منذ عدة أشهر وفشلت في تحقيقه، وهذا يظهر أن الشباب الثوري أسرع في الحركة والأداء والقرار، وقريبًا سيفرض قادته على النظام، وسيخرجون من قلب الشارع وليس من المكاتب أو من خلف الشاشات. وفي السياق ذاته قالت منى عزت عضو الأمانة العامة بحزب التحالف الشعبى الاشتراكى، والعضو المؤسس بتحالف "الثورة مستمرة"، أن الإخوان ومرسي لا يريدون معارضة من الأساس، حتى لو كانت شكلية؛ لأنهم فرحوا بانفرادهم بالسلطة الحاكمة والبرلمان والشورى وكل مفاصل الدولة، والدليل على ذلك الإصرار على وضع دستور مشوه، وتزوير الاستفتاء من أجل تمريره، ولم يهتموا بكل الدماء التي سالت لرفض هذا الدستور، كما شهدت الفترة الماضية حملة من الاعتقالات والخطف لنشطاء سياسيين وصحفيين. وأكدت أن جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي يسعون لتأسيس دولة ديكتاتورية ذات نظام حكم استبدادي (على حد قولها)، لا مجال فيه لأي معارضة، والدليل على ذلك طريقة التعامل مع الاحتجاجات والمظاهرات وفض الاعتصامات بالقوة، وعدم تقبلهم للنقد، والهجوم الشرس الذي شنه الرئيس على الإعلام، وأضافت أن جميع الحوارات التي يجريها الرئيس وهمية وغير جادة. Comment *