عجبا لأمر العم "ربيع" عراب الحرية ورسول الديمقراطية وحقوق الإنسان الى معشر العرب، بصره ممدود وخطواته محسوبه وكلماته مسموعة كالرصاص بل هي رصاص.. لكنه ليس عبد هواه .. فلا سلطان عليه إلا تعليمات الأصدقاء والحلفاء.. أسال دماء القوم بحوراً بقناصته ومرتزقته وميليشياته ومتحرشيه وسحل أجسادهم العارية على بوابات قصور الحكام الجدد .. واستكمل مسيرة الإفقار والتجويع وتأمين وديعة أمريكا التاريخية بين الجلد والعظم على أمل تسمينها حسب الوعد.. واليوم تنتفخ أوداجه غضباً من تلك "القلة المندسة" و"الأقلام المأجورة" التي تتجاسر على مجرد تعكير مزاجه.. فما البال بعصيان أوامره.. أومخالفة قوانينه.. أو إجابة أسئلته المعقدة الملتبسة من نموذج إجابة غير المعد سلفاً حسبما رُسم له بعد ركوب الموجة ؟!. من الخليج الى المحيط.. تسلل العم (ربيع) مع حراك الشوارع بالمظاهرات أو إلى غرف النوم بسباق أنفاسها اللاهثة أمام الفضائيات، مستغلاً تيبساً مزمناً في البنية السياسية العربية انسدت به قنوات الحوار والتفكير الطبيعية، وصار التغيير تعبيراً عن ضرورة تاريخية وليس هوجة أو طيش شباب، تسلل العجوز الخبيث محصناً بمصل أمريكي سريع المفعول ومبيتاً النية على تحدي نواميس الكون بممارسة الممكن وغير الممكن لتغيير مجرى النهر لصالحه، وتحريك كافة الأطراف على طريقة (الجري وقوفا) للحفاظ على أرصدة من وظفوه، حتى وإن عاندت الأقدار ما أراد .. فلا بأس من هدم المعبد فوق رؤوس الجميع، فتلك بشارة الآنسة كوندليزا بالفوضى الخلاقة. قديماً كانت بلاد السمن والعسل .. واليوم هي بلاد النفط وقواعد الصواريخ وظهير إسرائيل.. تعددت الأسباب واختلفت الأزمان والاستعمار واحد، وما ان ارتفعت اللافتات وتعالت الصرخات المطالبة برحيل السياسات وليس الشخوص، لم ير العم ربيع دوره الموكول سوى استثماراً سريعاً للأدوات الناعمة والخشنة لمد بنود صك الاستعباد وتحسين شروط العبودية بآليات ديمقراطية، أو إشاعة الفوضى والتقزيم والتقسيم، فلا ملجأ ولا منجا من أمريكا إلا إليها، حتى لو استقر في يقين الرجل أن أمريكا تقطع أمتارها الأخيرة في المنطقة، وتنتوي غسل يدها من حمامات الدماء بالدماء، لكن بعد أن يستقر لها ما تريد من تهشيم عظام المنطقة، وخلخلة مفاصلها. حق لي أن اتساءل عن أمر العقل الجهنمي لهذا العجوز المكير "ربيع"، وأي خطط جهنمية تلك التي سطا بها على صرخات الحرية والكرامة ليعيد تسويق وبيع البضاعة السياسية الفاسدة، واستولى بها على عقول ومخيلة السذج والمغيبين، انه الاعجاب حتى التقيؤ اشمئزازا من تركيبة استعمارية شاذة لا تتورع عن الرقص فوق الدماء والنعيق فوق الأطلال والسخرية من المخدوعين، وتحويل الأوطان الى فنادق للصفقات المشبوهة وساحات للميليشيوية الموتورة ومنابر للمتاجرة بالدين والتدين. عاد "ربيع" بمصر من حيث خرجت، ومرق بها من أنقاض مبارك وحزبه بتوريثه وقتله وتعذيبه وإفقاره وتبعيته للأمريكان وحراسته لبوابة اسرائيل، ليجرها قسراً نحو بوابة مرسي وجماعته وأخونته وقتله وسحله وتعريته وتحرشه وإفقاره وقروضه وشيكاته مفتوحة القيمة للأمريكان، انها أيها القارئ العزيز فضائل كامب ديفيد وأخواتها العابرة لفصول العام، والمحمية بفضل الإرادة الأمريكية، فها هي تمد عقد التبعية بشروط ميسرة وتجعل بضع طائرات أمريكية من طراز عسكري قديم وحفنة دولارات لا تسمن أو تغني من جوع موضع احتفاء لدى أقوى جيوش المنطقة، بعد أن أُخرج قهرا وجبرا من معادلة الصراع العربي الاسرائيلي لصالح حلم البزنسة. لقد ضمن العم "ربيع" أن يدير مصر الغاضبة بإعادة إنتاج ما ثارت عليه، لكنه لم يسقط سوريا من حساباته ومن أين له أن يسقطها؟!!، فلا عتب أو تثريب ان استغل الجمود السياسي الذي أصاب سوريا لعقود ليسيل دماء أهلها أنهاراً ولا يقتنع بأي حل سياسي، ماضياً في مخططه ليشوه مساندتها للمقاومة ضد الكيان الصهيوني ويحيلها الى مزحة تتندر بها المواقع الإلكترونية، ويجعل ميليشيات الجيش الحر والنصرة والإخوان مقاومة تمجدها تلك المواقع، ويسوق خطط انضاج سوريا للاحتلال والتقسيم وسلام الاستسلام مع الكيان بوصفها فتح ديمقراطي وحقوقي، ويحول أطرافاً إقليمية شاهدت الديمقراطية في أفلام السينما العالمية الى مبشرين بها ومنذرين للمارقين عنها، بل ولم يردعه وقار شيخوخته من الإمساك بمكبرات الصوت لفقهاء الناتو وطابوره الخامس ومرتزقته في المنطقة ليعلموا بني العرب ديمقراطية الصاروخ والمدفع. لا بأس إذن من أين يقضي العم "ربيع" ليلته حالكة السواد قرير العين، فقد تثاقل رصيد أصدقائه باستمرار الاستعمار الجديد وتأمين اسرائيل وانتفخت امعاءهم بنفط ليبيا بعد أن سرقوه جهارا نهارا تحت واجهة استثمارية، ولا شأن له باليمن وتونس فهما خارج حساباته وخطط أصدقائه، أما عن فلسطين والفلسطينيين فلهم الله في ظل هجمة استيطانية تاريخية شرسة بعد أن ظنوا في الربيع ظن الخير فخابت آمالهم واعتمرت قلوبهم بالحسرة والألم واليأس.. ومع ذلك هل سيستيقظ العم "ربيع" على صحوة ضمير يصحح بها أخطاءه ويصالح العرب؟!!.. لم لا؟ Comment *