السيد الرئيس .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .. حفظكم الله رعاكم وسدد خطاكم .. وبعد .. ستتوجهون بإذن الله إلى أمريكا لحضور اجتماعات الجمعية العامة لطرح رؤية الثورة المصريه فى القضايا الدولية على ممثلي المجتمع الدولى.
وإننى فى البداية أود أن أؤكد على حقيقة موضوعية تفرضها الوحدة الموضوعية لواقعنا العربى, تلك أنك لست قائدا للثورة المصرية وحدها, بل فوق ذلك وأهم إستراتيجيا لحماية الثورة المصرية ذاتها, أنك قائد الربيع العربى كله وكل الشعوب المستضعفه, هذا هو الدور التاريخى لمصر.
هذا الربيع العربى – بإعتباره مشروع ثورة عربية شاملة – له ثورة مضاده تريد أن تروضه وتحتويه, وتتمثل هذه الثورة المضادة فى قوى وعناصر محلية وقوى إقليمية ودولية, ويتولى قيادة هذا المعسكر المضاد أمريكا والصهيونية.
لذلك يوجد صراع مكتوم ولكنه معروف ومحسوس من أعضاء الجمعية العمومية وبالذات الذين يمثلون الشعوب المستضعفة الذين عانوا من قهر الاستعمار فى قارات أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية, بالإضافة إلى كل الثوار فى العالم, بإختصار ستكون رؤيتكم محل إهتمام العدو والصديق.
السيد / الرئيس .. إن الواقع العربى وواقع كل الشعوب المستضعفه بما يتضمنه من قهر واستبداد واستغلال من جهة ورغبة ونزوع للتحرر من كل قيود القهر والاستبداد من جهة ثانية – هذا الواقع– يتقبل ويتسع لكل طاقتكم الثورية المشروعة, فتقدم على الطريق الثورى ولا تتوقف لأن الله غالب على أمره.
السيد الرئيس .. بناءا على هذا المدخل المنهجى فإننى سأتحدث إليكم فى ستة قضايا:
القضية الأولى: عن الظاهرة الإستعمارية التى لا تتوقف.
السيد / الرئيس .. قد يوهمنا البعض أن الظاهرة الاستعمارية انتهت, وهذا محض إفتراء, فهذا الوضع العالمي الطبقي, وانقسام العالم إلى شمال غني مترف يحتكر الثروة والتقنية وجنوب فقير متخلف أقوى دليل على وجود الظاهرة الاستعمارية, هذا الوضع الطبقي هو السبب الحقيقي والمحرك الرئيسي لكل المشكلات والقضايا الدولية الراهنة, وليس الوضع الطبقي العالمي هو الدليل الوحيد على وجود الظاهرة الاستعمارية, بل إن ما حدث ويحدث فى فلسطين دليل آخر واضح وضوح الشمس أمام أعيننا على وجود أبشع أشكال الاستعمار وهو الاستعمار الاستيطاني القائم على الاغتصاب.
هذا الواقع الذى نعيشه جميعا – نحن أعضاء المجتمع الدولي – وليد الرأسمالية التى بدأت وطنية ثم حولتها طبيعتها الطبقية إلى عالمية بالاستعمار, فحقيقة أن الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية, والإمبريالية (الاستعمار الجديد) أعلى مراحل الاستعمار، والعولمة الراهنة أعلى مراحل الإمبريالية، وهدف المرحلة الأخيرة (العولمة) هو تقنين هيمنة الغرب وأمريكا على قارات أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
إن هذا الواقع يتناقض مع ربيع حرية الشعوب وحقوق الإنسان, فلا حرية مع نهب الثروات واغتصاب الأوطان وإفقار الشعوب, وقد آن لهذا الوضع أن يتغير, فكما نحاول فى أوطاننا أن تسترد ثروات وأموال الشعب التى سرقها المستغلون والفاسدون واللصوص, فإننا سنعمل على إلغاء هذا الوضع الطبقى العالمي باسترداد ثروات وأموال شعوبنا التى سرقت ونهبت عن طريقين:
الأول: اعتراف الدول الغربية وأمريكا بالنهب والسرقة التى حدثت لشعوب القارات الثلاث, وحق هذه الشعوب فى استرداد ثرواتها وحقوقها كاملة, إن الترف والرخاء الذى تعيشه الشعوب الأوربية حدث على حساب ثروات وطاقات شعب القارات الثلاث, والنتيجة التى تترتب على هذا الاعتراف أو الصدق مع النفس هى حصول شعوبنا على نسبة سنوية يحددها لجنة من الخبراء من الدخل القومى لكل دولة من الدول الاستعمارية, كما تتولى هذه اللجنة تحديدا طريقة التصرف فى هذه النسب المحصلة, أما الأمر الثانى: فهو وقف هذا الخلل فى التبادل التجاري بين شعوب القارات الثلاث ودولها والدول الصناعية الكبرى والمتمثل فى الفرق الكبير بين أسعار السلع المصدرة للدول الصناعية والمستوردة منها لحساب شعوبنا .. إن مطالبنا هذه لا تمثل عدوانا على أحد بل هى رد للعدوان ولا تمثل عدوانا على حقوق الآخرين بل هى استرداد للحقوق.
السيد/ الرئيس .. إن هيئة الأممالمتحدة بوضعها وشكلها الراهن تجسيد للحالة الاستعمارية التى مازلنا مقيدين بقيودها, هي تعبير عن الطبقية والاستغلال الذى تمارسه الدول الأوربية وأمريكا على شعوب أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية, هى أداة الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية لتثبيت الحالة الاستعمارية وتقنينها, فميثاقها طبّع النهب الاستعمارى ولم يغيره أمرا نكرا, ونظامها وهيكلها بهما عوار شديد, ومجلس الأمن الذى تركّبه الدول المنتصرة فى الحرب الثانية وخاصة أمريكا فوق الجمعية العامة, إن الانتقال من حالة العبودية والتدليس الاستعمارى إلى مرحلة الحرية يتطلب تحقيق الديمقراطية فى التنظيم الدولي, وبالتالي فإن هيئة الأممالمتحده التي هي رأس هذا التنظيم فى حاجة إلى تغيير جوهري فى ميثاقها وهيكلها, على أن يتضمن الميثاق فى طوره التحررى الاعتراف بهذا الواقع العالمي الطبقي السائد وخطورته على السلام الدولي, وضرروة تغيير هذا الواقع إقتصاديا اجتماعيا و سياسيا لاسترجاع الأمم المستغله لحقوقها كما أوضحنا فى الفقرة السابقة, كما لابد من تغيير العلاقات والالتزامات بين الجمعية العامة ومجلس الأمن, لأن العلاقات والالتزامات القائمة بينهما الآن تجعل من مجلس الأمن قوة فوق الجمعية العامة وهذا يتنافى مع الديمقراطية, لذلك يجب أن يتضمن الميثاق الطبيعة الديمقراطية لهيئة الأممالمتحده بأن يجعل للجمعية العامة السلطة الملزمة على مجلس الأمن وسائر الهيئات الأخرى التابعة للهيئة الدولية, كما يجب تعديل نظام العضوية داخل المجلس بأن تمثل كل قارة من القارات الثلاث بعضوين دائمين فى المجلس حتى يتحول المجلس من مجلس للهيمنة ولفرض مصالح الدول الكبرى على الدول الصغرى إلى مجلس يطبق العدالة والديمقراطية فى العلاقات الدولية.
القضية الثالثة: التلوث البيئى
السيد/ الرئيس .. هذه القضية تعبر عن العنصرية الغربية أوضح تعبير, فكما يقولون "كل وعاء ينضح بما فيه", ووعاء أوربا وعاء رأسمالى أنتج الاستعمار والإمبريالية والعولمة المتوحشة والصناعات العسكرية والمدنية الملوثة للبيئة, ولأن الرأسمالية استغلالية وعنصرية فقد قامت الدول الرأسمالية الاستعمارية بتقبل كل الصناعات الملوثة للبيئة – التى يمكن نقلها- إلى البلدان الأفريقية الأسيوية, كما جعلت من أراضى هذه البلدان مدافن لنفايتها الملوثة.
إن هذا العدوان يجب أن يتوقف, فيجب وقف كل الصناعات الملوثة للبيئة مدنية أو عسكرية وتحويلها إلى صناعات صديقة للبيئة, ويجب أن يتضمن ميثاق الأممالمتحدة الجديد تجريم هذا النوع من الصناعات وتشكيل لجنة للرقابة والتفتيش على أعضاء المجتمع الدولي للتأكد من خلو عالمنا من هذا النوع من الصناعات الذى يهدد وجودنا.
القضية الرابعة: أسلحة الدمار الشامل
السيد/ الرئيس .. إن ازدواجية المعايير هى السبب فى عدم نجاح المجتمع الدولي فى وقف حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل, هذه الازدواجية تعبير عن الطبقية والعنصرية فى المجتمع الدولى, وسعي الدول الكبرى فى فرض مصالحها الدولية على الدول الصغرى بالقوة, فتعبير "وقف الانتشار" يعنى احتفاظ الدول الكبرى بترساناتها التدميرية لفرض إرادتها على الدول غير المالكة لهذا النوع من السلاح, كما أن تعامل الدول الكبرى مع وقف الانتشار بإزدواجية عنصرية فى المعايير ساعد على إنتشار هذا النوع من السلاح, ودخلت دول جديدة "النادي الدولي للتدمير", وأوضح مثل لهذه الازدواجية هو الفرق فى التعامل الدولى مع إيران وإسرائيل.
إن أمريكا هي الدولة الأم لاختراع وإنتاج هذا النوع من السلاح بنوعيه الاستراتيجي والتكتيكي, وهى (ومعها إسرائيل) التى استخدمت هذا السلاح فى اليابان وفيتنام وكوريا والعراق واستخدمته إسرائيل فى غزة.
إن أقصر طريق لإنقاذ البشرية من أسلحة الدمار الشامل هو التخلص منها وتدميرها أينما وجدت ولا فرق في ذلك بين كبير وصغير وغني وفقير من أعضاء المجتمع الدولى, ولن يتحقق ذلك إلا إذا كنا على يقين أن العلاقات الدولية يجب أن تقوم على "التعارف" الذي يحقق لنا جميعا المصالح المتبادلة على قواعد العدل والإنصاف, ولا تقوم على "التغلب والقهر" الذي لا يحقق السلام ويولد العنف .. وعليه فإن مطلبنا هو التخلص من كل أسلحة الدمار الشامل ووضع خريطة طريق عادلة لعلاقات دولية يحقق العدالة والإنصاف.
القضية الخامسة: قضية الهوية
السيد/ الرئيس .. إن طمس هويات الشعوب وفرض الهوية الغربية عليها هو سلب استعماري يستهدف تحويل الشعوب إلى "مسوخ" تقبل القهر والذل, وطمس هويات الشعوب ضد الفطرة التي فطر الله الناس عليها, وهذا بالضبط هو تخوفنا الشديد من العولمة, فالعولمة بأساليبها الحالية ضد التنوع الحضاري للشعوب, هذا التنوع الذى هو إليه الارتقاء بالانسانية جمعاء وتقارب حضارتها .. لذلك فإننا نطالب بأن يقر الميثاق الخاص بالأممالمتحدة هذا التنوع الثقافي والحضاري واحترام كل شعب لحضارة غيره من الشعوب كما نطالب بأن يتم إعادة النظر فى أهداف منظمة اليونسكو وفروعها لتحقيق هذا الغرض.
القضية السادسة : القضية العربية الإسلامية
السيد/ الرئيس ..الغرب هو الذى أوجد "الاغتصاب" وتولته أمريكا بالرعاية والحماية إلى الآن, و كما أوجد الغرب "الاغتصاب" عليه أن ينهي وجوده, وعلى أعضاء المجتمع الدولي جميعا أن يشاركوا فى رفع هذا الاغتصاب لأنه تم وهم ينظرون, إن السلام الإقليمي والدولي مهدد بالتناقض القائم بين الاغتصاب الصهيوني والربيع العربي, هذا الصراع مرشح للإنفجار فى أى لحظة, لأن شعبنا العربى – ونحن جزء منه – يعي تماما أنه لن يتمكن من حريته ويحقق النهضه والتقدم بجوار هذا الاغتصاب, وما اقتحام السفارة الصهيونية ببعيد, إنه يوم من أيام الله, وهكذا يجب أن ننظر إلى عمليات تفجير خطوط الغاز وتشييد الأنفاق فى هذا السياق نفسه.
إن من حق المجتمع الدولى كله بل واجب عليه أن يكسر احتكار أمريكا الظالم للقضية والمنحاز للمغتصب ... فكما أن السلام قرين العدل والإنصاف, فإن الاغتصاب ضد السلام ويلد الحرب, أن حق استرداد الوطن المغتصب لا يسقط بالتقادم, وعلى المجتمع الدولي أن يختار بين السلام ونقيضه, وعلى أمريكا أن تختار بين الحق والاغتصاب, وعليها أن تعرف حقيقة مصالحها. إن أي حلول جزئية تمت أو يجرى إتمامها مع ابتلاع فلسطين كلام فارغ لا قيمة له.