بدأ الإخوان من حيث انتهى "الحزب الوطني"، ففي عام 2010، قام الحزب الوطني بتزوير الانتخابات البرلمانية، وما هي إلا أشهر وصار في ذمة التاريخ بتزويره وفساده والآن مظاهر وأساليب التزوير هي ذاتها: غياب الإشراف القضائى الكامل وتعويق الناخبات والناخبين عن الإدلاء بأصواتهم، وعمليات شراء أصوات وتسويد بطاقات، إلا أن الإخوان تفوقوا على "الحزب الوطني" بابتكار أساليب جديدة: خداع وإيهام الناس (خصوصاً في الأرياف والصعيد) بأن التصويت ب "نعم" يعني التصويت للشريعة، وتخصيص المجلس القومى لحقوق الإنسان(ورئيسه المستشار الغرياني) العدد الأكبر من تصاريح مراقبة العملية الانتخابية لأعضاء جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، حيث ذكر حافظ أبو سعدة عضو المجلس ورئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: "الكارثة الكبرى التى رصدناها في المرحلة الأولى من الاستفتاء على مشروع الدستور هى أن الموظفين الذين قاموا بمساعدة القضاة داخل اللجان ومن قاموا بفرز الأصوات ومن حصلوا على تصاريح بمراقبة العملية الانتخابية كانوا جميعاً ينتمون لجماعة الاخوان المسلمين.. علمت من مصادر داخل المجلس القومى لحقوق الانسان أن هناك 30 ألف تصريح أصدرهم المجلس للسماح لأعضاء جماعة الاخوان المسلمين بالمشاركة في العملية الانتخابية كمراقبين وموظفين.. والأخطر أن المستشار حسام الغرياني رئيس المجلس سلم 10 آلاف تصريح مختوم "على بياض" إلى عبد المنعم عبد المقصود محامي جماعة الاخوان المسلمين، الذى قام بدوره بكتابة أسماء من يرغب في مشاركتهم بالعملية الانتخابية منفرداً". أي أن المستشار الغريانى حول المجلس القومى لحقوق الانسان في هذا الاستفتاء الى "خلية عمل" تابعة لجماعة الإخوان المسلمين.. ولا نعتقد أن التاريخ سيذكر كل من شارك في تنظيم هذا الاستفتاء بالخير. ورغم كل هذه الخروقات والتزوير الفادح الفاضح فإن الأرقام لها دلالتها التي يجب أن نتوقف أمامها: 51 مليون و332 ألف و375 ناخب، مقيدون بقاعدة بيانات الناخبين 16مليون 339 ألف و720 أدلوا بأصواتهم = 31,83% 10مليون و425 الف و639 = نعم = 63,80 % 5مليون و887 ألف و81 = لا =36,20% 41 مليون رفضوا وقاطعوا الاستفتاء = 79.6% وبمقارنة بسيطة مع أرقام ونتائج استفتاء 19 مارس 2011، سندرك حجم انهيار شعبية الإخوان على النحو التالي: كان عدد المشاركين في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس 2011: 18,537,954 بنسبة 41.2% ممن تنطبق عليهم شروط التصويت. عدد من قالوا (نعم): 14,192,577 بنسبة 77.2%. عدد من قالوا (لا): 4,174,187 بنسبة 22.8%. وبلغة الأرقام، كان لافتاً في الاستفتاء على الدستور (ديسمبر 2012)، تصويت العاصمة (القاهرة) بنسبة 57% ل "لا" مع الأخذ في الاعتبار الحملة المضادة التي كانت تروّج ضدها بزعم أن "لا" تعني عدم الاستقرار، و دلالة هذا الرفض للدستور، أن العاصمة هي من تحدد بشكل كبير المزاج العام لمؤسسات الدولة الكبيرة. وبلغة الأرقام أيضاً، كان لافتاً كذلك نتائج محافظة الغربية (وهي تصلح قياساً لانهيار شعبية الإخوان)، ففي استفتاء مارس 2011 اختار 79% من ناخبي الغربية "نعم" بينما لم يرفض التعديلات الدستورية سوى 21% من المواطنين. وفي انتخابات مجلس الشعب اختار 63% من أبناء الغربية القوائم التابعة لحزبي الحرية والعدالة والنور، وقد بدأ التغير الواضح على الناخبين يطرأ بداية من انتخابات الرئاسة بمرحلتيها الأولى والثانية، حيث لم يحصل المرشحان المحسوبان على التيار الإسلامي (مرسي وأبو الفتوح) سوى على ثلاثين بالمائة من أصوات ناخبي المحلة. وحصل شفيق في المرحلة الثانية على 66% من الأصوات. والآن تحولت نسبة 79% الموافقة على التعديلات الدستورية في مارس 2011 إلى 48% فقط في الاستفتاء على الدستور (ديسمبر 2012). أما من الناحية القانونية، فبجانب الدعاوى القضائية التي تطالب ببطلان الاستفتاء لما شهده من خروقات وانتهاكات، فإن المادة 60 من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30 مارس 2011، نصت على طريقة احتساب نتيجة الاستفتاء على الدستور كما يلي: (... يعرض مشروع الدستور خلال خمسة عشر يوماً من إعداده على الشعب لاستفتائه في شأنه ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء).. ويفسر خبراء القانون الدستوري كلمة (شعب) المذكورة في هذه المادة بأنها تعني هيئة الناخبين البالغ عددهم 51 مليوناً، وموافقة هيئة الناخبين تكون بمعيار الأغلبية المطلقة أي أن يكون مجموع الأصوات التي تقول (نعم) للدستور 50% + 1 من عدد الأصوات الكلية للناخبين، وليس من عدد الأصوات الصحيحة التي شاركت في الاستفتاء، وهذا يعني أن النصاب القانوني لم يكتمل مما يهدد عملية التصويت بأكملها، وذلك رغم وجود نص في الدستور المستفتى عليه في المادة 225 يقول: "يعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء وذلك بأغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء".. لأن هذا النص سينطبق على المستقبل إعمالاً لقاعدة الأثر الفوري لنفاذ القاعدة القانونية، ولأنه ليس للدساتير المقترحة أثر رجعي يرتد للماضي، فهناك مبدأ قانوني بأن النصوص لا تسري إلا من تاريخ نفاذها، أما قبل ذلك فتكون مجرد مشروع وليست نصاً نافذاً ولا تسري إلا على الوقائع اللاحقة على نفاذها، فلا يجوز لمادة دستورية لم تدخل حيز النفاذ أن تنظم واقعة متزامنة مع نفاذها. Comment *