1. إن صدقت البيانات المتداولة اليوم بشأن المشاركة الشعبية فى السبت الأول للاستفتاء على الدستور التى تضع نسبة المشاركة فوق ال30 بالمائة بقليل، نكون مع تراجع واضح لإقبال المواطنات والمواطنين على الإدلاء بأصواتهم فى الاستفتاءات الدستورية. فنسبة المشاركة فى استفتاء التعديلات الدستورية 2011 دارت حول 50 بالمائة، وهو ما يعنى أن ما لا يقل عن 15 بالمائة ممن شاركوا فى 2011 عزفوا عن المشاركة فى استفتاء 2012. يدق هذا التراجع ناقوس خطر بالغ، فاستفتاء على الدستور يشارك به فقط ثلث الهيئة الناخبة (يتجاوز عددها الإجمالى 51 مليونا) يفتقد الكثير من شرعية التعبير عن الإرادة الشعبية والجوهر الديمقراطى. وعلى نخب السياسة، بغض النظر عن توجهاتها ولونها الأيديولوجى ومواقعها الحالية فى الحكم أو فى المعارضة، تحليل الأسباب المختلفة لتراجع المشاركة وعزوف المواطنات والمواطنين. 2. شاب سبت الاستفتاء الأول تجاوزات ومخالفات واسعة النطاق، وأهمها غياب الإشراف القضائى الكامل وتعويق الناخبات والناخبين عن الإدلاء بأصواتهم (وهنا بكل تأكيد سبب رئيسى لتراجع نسبة المشاركة الشعبية فى الاستفتاء، إلا أنه ليس السبب الوحيد) وتخصيص المجلس القومى لحقوق الإنسان العدد الأكبر من تصاريح المراقبة لأعضاء جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة وبعض عمليات شراء الأصوات وتسويد بطاقات الاقتراع والتزوير من قبل الإخوان وحلفائهم. وقد دفعت هذه التجاوزات والمخالفات منظمات حقوقية مستقلة إلى المقارنة بين جولة الاستفتاء الأولى وبين انتخابات 2010 البرلمانية المزورة، والمطالبة بإعادتها نظرا لغياب النزاهة وللشكوك المحيطة بالنتائج المعلنة. ويتحمل رئيس الجمهورية وأجهزة الدولة المعنية بتنظيم وإدارة استفتاء الدستور، ومن بينها اللجنة المشرفة، المسئولية الكاملة عن هذه التجاوزات والمخالفات التى تفقد الاستفتاء الكثير من المشروعية القانونية وكذلك الجوهر الديمقراطى وتعمق من فقدان رئيس الجمهورية للشرعية لمواصلته سلسلة الإجراءات والأفعال المنحازة إلى جماعته وحلفائها. 3. تدلل نتائج سبت الاستفتاء الأول على انقسام المجتمع المصرى حول الدستور وزيف الوهم الذى روجت له جماعة الإخوان وحلفاؤها بشأن القبول الشعبى الواسع للدستور وهامشية القوى السياسية المعارضة له. نحن أمام -وهنا أغض الطرف عن التجاوزات والمخالفات وتداعياتها- «نعم» للدستور لم تتجاوز 57 بالمائة و«لا» للدستور لم تقل عن 43 بالمائة. من لا يرون فى هذه النتائج دليل انقسام مجتمعى واضح وشاهدا جليا على غياب التوافق الشعبى بشأن الدستور، من لا يدركون أن الدساتير التوافقية هى التى تمكن من بناء الديمقراطية، من يتحدثون عن دساتير لدول غربية وغير غربية مُررت بهامش موافقة محدود فى استفتاءات شعبية ويتناسون الاضطرابات المجتمعية التى تلتها (فرنسا فى خمسينات وستينات القرن الماضى)، جميع هؤلاء يغلبون المصالح الضيقة والانحياز السياسى على مصير الوطن وفرص الخروج به من أزمة الانقسام الراهنة وإبعاد شبح الدولة الفاشلة. وفقا لنتائج المرحلة الأولى وبمعايير القبول الشعبى للدستور، لم تنتصر «نعم» ولم تنهزم «لا». 4. واجهت «لا للدستور» مقولتين دوما ما وُظفتا لحسم الاستفتاءات لصالح «نعم»، الاستقرار والشريعة. ففى سياق حملتهم للترويج لدستور مشوه يعصف بالحقوق والحريات ويكرس الاستبداد، اعتمدت جماعة الإخوان وحلفاؤها على الربط بين نعم للدستور وبين ادعاء تحقيق الاستقرار وتحسين الظروف المعيشية للمصريات وللمصريين (بالدستور العجلة تدور). كذلك وظفت، وباتجار بائس بالدين وبإيهام الرأى العام ودون وجه حق بأن نعم للدستور تعنى نعم للشريعة وباستدعاء للتحريض الطائفى فى بعض محافظات الجولة الأولى، المشاعر الدينية لحشد التصويت بنعم. وبالرغم من ذلك، بلغت نسبة التصويت ب«لا» للدستور 43 بالمائة وتضاعفت من ثم مقارنة باستفتاء التعديلات الدستورية 2011 وبه وظفت ذات مقولات الاستقرار والشريعة. نحن، وبموضوعية ومجددا مع غض الطرف عن التجاوزات والمخالفات، أمام ارتفاع مشهود لوعى الناخبات والناخبين فى مصر الذين أصبحت قطاعات واسعة منهم قادرة على دحض المقولات الزائفة وتجاوز مصيدة الاستقرار المزعوم والاتجار بالدين فى الاستفتاءات. 5. أسقطت نتائج سبت الاستفتاء الأول وهم محدودية القبول الشعبى للتيارات الديمقراطية والليبرالية الذى روجت له طويلا جماعة الإخوان وحلفاؤها، وكذلك وهم احتكارهم هم لصناديق الاستفتاء والانتخاب وللتوكيل الحصرى للإرادة الشعبية. فمعارضتنا للدستور المشوه ترجمت شعبيا إلى تصويت أكثر من 40 بالمائة من الناخبات والناخبين ب«لا»، ولم نكن نحن إذن بمجرد ظواهر إعلامية أو مجموعة من المتآمرين على الوطن. وعلى جماعة الإخوان وحلفائها أن يدركوا أن من صوت ب«لا» فى الاستفتاء يرفض الدستور ويرفض أيضا حكمهم وسياساتهم وممارساتهم غير الديمقراطية. فى مصر الآن قوة شعبية حقيقية تبحث عن بديل للإخوان، بديل للاتجار بالدين، بديل لترويع وترهيب المعارضين، بديل ديمقراطى يحقق التقدم والعدالة الاجتماعية ويضمن الحقوق والحريات. وفى هذا الكثير مما يبعث على التفاؤل.