لرئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونية السابق، عاموس يادلين، جملة مهمة وخطيرة جدا، يقول فيها " إننا نجحنا في اختراق المجتمع المصري، وزرع الفتنة الطائفية بين ربوعه، لقد عثنا فيه فساداً، إذ نعتبره ملعبا لنشاطاتنا " ! الصهيونية بالطبع. وذلك عند تسليمه قيادة جهاز الاستخبارات " أمان "، لبلوغه سن التقاعد، في التاسع من يناير 2011، أي قبل اندلاع الثورة المصرية بعدة أيام، فقط! وقفت ووقف غيري كثيرا عند هذه الجملة، وسألني الكثيرين عن مدى صحتها، رغم فشل اجهزة الاستخبارات الصهيونية الثلاثة " أمان – المخابرات العسكرية، والشاباك المخابرات الداخلية ، والموساد المخابرات الخارجية " في توقع الثورات العربية، وخاصة المصرية. لكن يعني هذا التصريح نجاح الكيان الصهيوني في اختراق المجتمع المصري، وزرع جواسيسه بين ربوع المحافظات المصرية، وجنبات القطر المصري من شماله الى جنوبه، ونشر الفتنة الطائفية بين أركانه، أثناء حكم المخلوع، حسني مبارك. أذكر أن أولى محاولات التدخل الصهيوني في مصر بعيد اندلاع الثورة المصرية، إرسال مجموعة من الجواسيس الذين مكثوا في ميادين التحرير المصرية لزرع الفتنة ونشرها ولاستشراء الفوضى الأمنية، وتحريض الشارع المصري على المجلس العسكري. وهو ما رأيناه في اندلاع الفتنة الطائفية لبعض الوقت في مصر، حتى اننا وجدنا صورا لجاسوس يدعى " إيلان جرابيل " وهو يتجول بحرية مطلقة بين بعض الكنائس المصرية! وهناك آخرون يرتعون دون معرفة حقيقية بهم! ولو قرأنا بعض ما تركه بن جوريون في مذكراته، حينما قال " لا يمكن استمرار إسرائيل بالسلاح النووي، أو أسلحة الدمار الشامل، ولكن بتدمير جيوش ثلاث دول عربية، مصر والعراق وسوريا "، لأدركنا أن الدور على مصر، فالجيش العراقي ساعد الكيان الصهيوني في تفتيته في عام 2003، والجيش السوري يُدمر على يد ما يسمى ب " الجيش السوري الحر " بدعم غربي صهيوني. أو على الأقل بالاحتراب الداخلي، لنتأكد سوياً أن تل أبيب تعبث بمقدرات الأمور في المنطقة، إذ تحاول إسقاط الجيش المصري في براثن المواجهة مع الشعب! وما يجري حاليا في الشارع المصري من احتراب داخلي، وإعلان بعض الثوار استقلال بعض المدن أو المحافظات عن الحكم المصري، هو رغبة صهيونية في المقام الأول، خاصة وأن الصهاينة نجحوا في تفتيت بعض الدول العربية، سواء في اليمن أو السودان، أو حتى العراق، وهو ما يبغونه في مصر، قلب الأمتين، العربية والاسلامية، النابض. إذ يأتي هذا الاحتراب على يد المصريين انفسهم، وبدون أية متاعب " إسرائيلية "، وإن لم ننف التدخلات الصهيونية في التحريض على الرئيس محمد مرسي، أو الرئاسة المصرية بوجه عام، لكن ما يدور ويستشري في مصرنا من اعتراك وحراب تغذيه مصادر داخلية وخارجية، في آن! إن ما يجري في الشارع المصري هو مساعدة مصرية " من الدرجة الاولى " للصهاينة للاستمرار على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، ليس بقدراتهم التسليحية، وانما بإضعاف أنفسنا بأنفسنا، وتقديم كافة الشروط الممكنة لعمليات التفتيت والتقسيم الصهيونية في مصر على طبق من ذهب! فإلى متى نساعد الكيان الصهيوني في الاستمرار في الوجود؟! رغم افتقاره لمقومات وشروط هذا الوجود، أليس من الأفضل العراك والحراب معه بدلا من الاحتراب الداخلي، فماذا لو صوَّبنا بنادقنا لهذا الكيان، ألا تتذكرون نصر أكتوبر المجيد؟! ألا تتذكرون مسيرات ذكرى النكبة العام الماضي، وكيف ارتجفت تل ابيب من مجرد مسيرات سلمية تجاه الاراضي الفلسطينية، حملت شعار " تحرير فلسطين من البحر الى النهر "!! وماذا لو قلنا فحسب، أننا ذاهبون لتحرير فلسطين، بدلا من اسقاط مرسي!! ** كاتب وباحث مصري في الشؤون الصهيونية والترجمة من العبرية Comment *