الذين لا يرون إلا بجباههم هم، وحدهم، الذين صدموا بما قاله محمود عباس، في القناة الثانية الإسرائيلية، الساعة الثامنة من مساء الجمعة (2/11/2012). فعباس تنازل عن حقه في العودة إلى مسقط رأسه، مدينة صفد، وأنه سيكتفي بالسفر إليها سائحاً، لمجرد الفرجة. وبعد أن أدان عباس الانتفاضة ووصمها بالإرهاب، قطع وعداً لأعداء الأمة بأن لا يسمح بانطلاق انتفاضة ثالثة، طالما بقي في السلطة، في عرض سخي من جانبه لعدونا الصهيوني بأن يبقي على عباس على رأس السلطة حتى الرمق الأخير. الصدمة إما لأن ذاكرة بعضنا تهرب مما تختزنه، وإما لن بعضنا الآخر لا يعتبر ما فات من مواقف عباس كافية للصدمة. * الرجل كان على رأس المتحمسين لفتح حوار مع الصهاينة المتشددين، لأن غير المتشددين من الصهاينة ليسوا مؤثرين في صنع القرار السياسي الإسرائيلي. * انتهز عباس تورط ياسر عرفات في أزمة، كادت تودي بكرسيه، فدفعه عباس غلى نفق أوسلو سئ الصيت، فاندفع عرفات، حتى يفلت بكرسيه من المحاولات الدؤوبة التي تبذلها أنظمة الخليج لإسقاطه من قمة "فتح" و"منظمة التحرير الفلسطينية"، عقاباً له على انحيازه لصدام حسين في اجتياحه الكويت (1990 1991). * ثم كان "اتفاق عباس بيلين"، الذي تنازل فيه عباس عن حق العودة والقدس، في ضربة واحدة. * عندما اندلعت "انتفاضة الأقصى والاستقلال"، خريف 2000، جاهر عباس بمعارضتها، علناً، قولاً وفعلاً. وفي الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، جمع عباس كلاً من الإعلامي نبيل عمرو، ورجل الأمن محمد دحلان، وذهب ثلاثتهم للقاء عرفات في مقره بغزة، وألمح الثلاثة على ضرورة قمع الانتفاضة، الأمر الذي رفضه عرفات، إلى حد الصدام مع الثلاثة، الذين انكشفوا كإحدى فرق الثورة المضادة الفلسطينية، وإن تفرقت السبل بالثلاثة، لاحقاً، في سياق المزاحمة بينهم. * مع انكشاف أمر دعم عرفات للانتفاضة، طلبت واشنطن عبر الرباعية إلى عرفات تعديل النظام الأساسي للحكم الذاتي (الدستور)، بحيث يتضمن رئيس وزراء إلى جانب رئيس السلطة، على ان يتولى محمود عباس، دون غيره، هذا الموقع! وتلكأ عرفات، وماطل، لكن الاتحاد الأوروبي نصح عرفات بسرعة الاستجابة للطلب الأمريكي، حتى لا يستغل أرئيل شارون فرصة الغزو الأمريكي للعراق، ربيع 2003، ويجهز على عرفات. واستجاب الأخير للنصيحة الأوربية، فعدل النظام الأساسي للسلطة، وكلف عباس بتشكيل الوزارة. ومن تحت لتحت حرك عرفات قواعد "فتح" ضد عباس، فنظمت مظاهرات في رام الله، قذفته بالزبالة، وهتفت ضده: "يسقط كرزاي فلسطين"! وهو في طريقه إلى المجلس التشريعي لتقديم خطاب حكومته، فعدل وأحل محل خطاب الحكومة خطاب استقالته، الذي تاسى فيه لوصفه بكرزاي فلسطين. وزاد بأن قدم استقالته من كل مناصبه في "فتح" و"منظمة التحرير"، و"السلطة". لكن عرفات رفض الاستقالة، فلاذ عباس بمنزله، وقوطع من كل الفتحاويين، عدا ثلاثة! * حين اشتد المرض بعرفات، وتأكد قرب وفاته، خريف 2004، سارع عزام الأحمد بالاتصال بعباس، حتى يسارع إلى مقر عرفات، حتى يحثه، ولا يتم اختيار خليفة عرفات في غياب عباس، فتضيع عليه. وقد كان. * بمجرد أن وقع الانقسام (يونيو/ حزيران 2007)، سارع عباس إلى إعادة التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، وبموجب هذا التنسيق، تمت ملاحقة الفدائيين في الضفة الغربية، وسجنهم، وسحب أسلحتهم، وتعريضهم للتعذيب البشع، حتى أن ما يربو على عشرة فدائيين قضوا تحت التعذيب. * في 27/8 الماضي التقى عباس مجموعة من الحاخامات الإسرائيليين، واكد لهم بأن "إسرائيل وجدت لتبقى"! وبعد، فهذه مجرد شذرات من سيرة ملك التفريطات المجانية. Comment *