لما يربو علي سبعة وسبعين عاما، قضاها ناجي علوش مناضلا جسورا، في شتي المجالات، بما في ذلك الكفاح المسلح، بعد أن أغني المكتبة العربية بمجموعة من الصعب الوصول إلي عددها بالنسبة لأي مفكر، فضلا عن المواقف السياسية الصحيحة والنبيلة، دون أن يخشي رد فعل الخصوم والأعداء علي حد سواء. ولد صاحبنا في مدينة بيرزيت، الملاصقة لرام الله، عاصمة سلطة عباس فياض، اليوم، في أحد أيام العام 1934 وتلقي دراسته الابتدائية في مدارس بيرزيت، قبل أن ينتقل إلي رام الله، ليستكمل دراسته الثانوية في الكلية الإبراهيمية . في سن مبكرة نظم الشعر، وحرر مع زملائه الطلبة مجلة الكلية "الرابطة "، وأسهم في تحرير مجلة "الشعب "، قبل أن يصبح مديرا لمجلة "أضواء المدينة ". عصر ذهبي انتمي إلي فرع " حزب البعث"في الأردن، وعاش العصر الذهبي لهذا الحزب، في أرجاء الوطن العربي عموما، وفي الأردن علي وجه الخصوص، في الثلث الثاني من الخمسينات، إلي أن كان الانقلاب الرجعي في الأردن، الذي أطاح، في إبريل (نيسان) 1957، بالتحالف الوطني التقدمي الذي تجلي في حكومة سليمان النابلسي (27/10/1956 10/4/1957)، وكانت تلك الإطاحة تأكيدا لأخذ القصر الأردني بمشروع أيزنهاور الاستعماري (5/1/1957)،الذي أعلنه الرئيس الأمريكي، دوايت يزنهاور، بهدف "ملء الفراغ في الشرق الأوسط "، بعد إخفاق "العدوان الثلاثي " في تحقيق أهدافه، وتلقي الوجود الاستعماري الفرنسي والبريطاني ضربة قاصمة، خاصة في شرق المتوسط . غني عن القول بان نجاح القصر في الإطاحة بحكومة النابليس، إنما عاد إلي اختلال ميزان القوي لصالح القصر، المستقوي بالمعسكر الاستعماري، عدا سنده الداخلي، المتمثل في كبار الملاك، وشيوخ العشائر والكومبرادور(وكلاء الشركات الاحتكارية الأجنبية)، فيما استهان التحالف الوطني التقدمي بهذا كله، وبالغ في تقدير قواه الذاتية، فضلا عن نقص خبرات هذا التحالف السياسية، وتبعثر قواه، وتردده، وافتقادة التنسيق مع الضباط الوطنيين في الجيش . تبع اسقاط حكومة النابلسي ملاحقة الضباط الوطنيين، وقيادات وكوادر كل من "الشيوعي" و"البعث " و"القوميين العرب "؛ فيما افلتت نسبة غير قليلة منهم الي الجارة سوريا .واستبد جزر ثوري بالحركة الوطنية الأردنية، وانحسر نشاط الأحزاب الوطنية، وبضمنها "البعث "، مما دفع ناجي الي الانتقال للكويت، سنة 1958، حيث عمل موظفا حكوميا، وإن لم ينقطع إنتاجه الأدبي والسياسي، علي حد سواء، في شكل قصائد، ومقالات، في الشأن الفلسطيني، في ارتباط حميم مع الشأن القومي. كسر الاحتكار انتعشت آمال ناجي بقرب تحرير فلسطين، مع النهوض القومي الذي ساد أنحاء الوطن العربي، منذ خريف 1955، مع نجاح عبدالناصر في كسر احتكار الغرب للسلاح، بعقد الزعيم المصري ماعرف باسم "صفقة الأسلحة التشيكية "، وماتلاها من صمود عبدالناصر في وجه الضغوط الأمريكية لإلغاء هذه الصفقة، حتي انه ألحقها بصفقة أخري، فغيرت واشنطن صيغتها إلي محاولة احتواء عبدالناصر، وكان عرضها بتمويل " السد العالي " . وفي أذيالها جاءت لندن، و"البنك الدولي "، وقبل عبدالناصر العروض الثلاثة، وصفع هذه الأطراف بأن أعلن اعترافه بالصين الشعبية، الأمر الذي كانت واشنطن تؤثمه، فتأكد للأخيرة استحالة احتواء عبدالناصر، وتراجعت واشنطن إلي صيغة الجفاء والصدام، وسحبت عرضها بتمويل السد العالي، وفي أذيالها، أيضا، فعلت الشي نفسه كل من لندن و"البنك الدولي"، ورد الزعيم المصري لهم الصفعة، بعد اسبوع واحد، بتأميمه قناة السويس (26/7/1956). مما وحّد الأطراف الاستعمارية في "هيئة المنتفعين بقناة السويس"، التي رفض عبدالناصر مطالبها، جملة وتفصيلا، فبدأ التحضير لشن " العدوان الثلاثي" علي مصر، الذي بدأ في 29/10/1956، بالقوات الإسرائيلية، وتبعتها القوات البريطانية والفرنسية، حسب المخطط المعتمد في "معاهدة سيفر" بين هذه الأطراف الثلاثة. قبل خمس سنوات كشفت مجموعة من الجنرالات الفرنسيين عن أن قوات أمريكية شاركت في اليومين الأولين من "العدوان "، بعد أن اكدت لندن وباريس لواشنطن أن مهمة "العدوان" لن تتعدي اليومين، يثور بعدهما الشعب المصري علي عبدالناصر ويسقطه . وحين خاب ظن لندن وباريس، سحبت واشنطن قواتها، لأن امتداد "العدوان" لما بعد الساعات الثماني والأربعين، من شأنه تعزيز شعبية وقوة عبدالناصر، ممايفسح في المجال أكثر وأكثر، للحضور السوفييتي في الوطن العربي . ترتب علي هذا كله أن توج عبدالناصر زعيما للأمة العربية بلا منازع، وأخذ الخط الوطني من الخليج إلي المحيط في الصعود المطرد، فتحققت الوحدة المصرية السورية (22/2/1958)، ونجحت ثورة 14 تموز (يوليو)من العام نفسه في الاطاحة بنظام نوري السعيد عبداللاه، الموالي للغرب في العراق . حل الحزب صدمة قوية تلقاها ناجي علوش، حين قررت القيادة القومية لحزب البعث حل الحزب، علي وعد عبدالناصر لتلك القيادة بأن يصبح "الاتحاد القومي" مرادفا لحزب البعث، بعد أن يتولي البعثيون مقاليد الأمور في ذاك "الاتحاد" الذي كان حزب الحكومة، وقد استقي عبد الناصر صيغة من ديكتاتور البرتغال الشهير، سالازار! علي أن نتائج انتخابات "الاتحاد القومي " في سوريا أتت بما لا تشتهي قيادة "البعث " . كما أن عبد الناصر قرب إليه ضباط الجيش السوري من المستقلين والقوميين، دون البعثتين، ولاحق الضباط الشوعيين بسيف التصفية .أما الوزراء البعثيون الخمسة فظلوا مجرد "خيال مآتة"، وبلغه السوريين "زينات مملكات".مما اضطرهم إلي تقديم استقالتهم الجماعية (23/12/1959)، وارتدوا ليعيدوا إحياء حزبهم الذي حلوه .وإن كانت عناصر فلسطينية قد واصلت عملها الحزبي، رغم حل الحزب، مما سهل إعادة إحيائه . لكن ناجي راعه ما اقترفه أعلي قيادة في حزبه، في الحل والإحياء، علي حد سواء، وضمّن ناجي أفكاره في هذا الصدد، في كتبه الثلاثة :"الثوري العربي المعاصر "(1960)، و"الثورة والجماهير "(1962)، و"في سبيل الحركة العربية الثورية الشاملة "(1963). وبعد أن التقط ناجي أنفاسه، بعد الجرعة النقدية الكبيرة لحزبه السابق "البعث"، عمد إلي ترجمة كتاب "القوة السوداء"(1964). توالت، علي مدي النصف الأول من العام 1962، تصريحات حكام العرب، التي حثت الشعب الفلسطيني علي أن يحذو حذو الشعب الجزائري، الذي كان قد انتزع استقلال ترابه الوطني، ربيع العام نفسه . فكان حديث رئيس الوزراء السوري، حينذاك، سعيد العظمة، أمام البرلمان، وخطاب الملك سعود بن عبدالعزيز، وخطاب عبدالناصر أمام أعضاء المجلس التشريعي في قطاع غزة (26/7/1962)، وأخيرا خطاب رأس الثورة الجزائرية نفسها، أحمد بن بيلا . ماعزز الشروط الذاتية والموضوعية لظهور الكيان الفلسطيني، فدوليا كان ارتفاع حصة "المعسكر الاشتراكي " في صنع القرار السياسي الدولي، وتأكد مضاء استراتيجية "حرب الشعب "، واتساع دائرة المستعمرات التي انتزعت استقلالها، فضلا عن الهزائم التي حاقت بالدول الاستعمارية. جدار الحظر أما عربيا، فكان النهوض القومي (1955 1959)، ثم استحداث الشقوق في جدار الحظر الرسمي العربي في وجه الشعب الفلسطيني، بعد أن استبدت الخلافات بين عدة دول عربية، غداة انفصال سوريا عن مصر (28/9/1961)، فضلا عن تولي الفئات الوسطي سدة السلطة في عدة أقطار عربية، مثل مصر وسوريا والعراق والجزائر، مما حث الفئات الوسطي الفلسطينية علي أن تنسج علي منوال شقيقاتها المذكورة، خاصة مع تعافي الاقتصاد الفلسطيني، بعد نحو عقد علي نكبة 1948، وحازت الفئات الوسطي الفلسطينية علي نفوذ اقتصاد يعتد به، في دول الخليج عموما، وفي الكويت علي نحو خاص، وتصادف أن الأخيرة لم تكن ضمن أعضاء "نادي المنتفعين بالقضية الفلسطينية "، كما أنها تمتعت بهامش ديمقراطي واسع نسبيا، بما يفوق أي دولة عربية أخري، في ذلك الوقت . لذا ما إن هل عام 1963، حتي كان نحو ثلاثين منظمة فدائية فلسطينية قد نشأت، معظمها في الكويت، صحيح أن النسبة الأكبر من هذه المنظمات لم تتعد اللافتة، إلا أن العدد الكبير عكس مدي تشوق الشعب الفلسطيني لأخذ قضيته الوطنية بين يديه . وكانت إحدي هذه المنظمات بقيادة ناجي علوش الذي حرص علي وجود صديقيه الحميمين معه في المنظمة إياها، وهما : الصحفي المعروف، حنا مقبل (أبو ثائر)، والشاعر خالد أبو خالد . هنا انتقل ناجي إلي بيروت، حيث حرية النشر الاستثنائية في وطن عربي غارق في الرقباء علي النشر، وما أدراك ما الرقباء علي النشر . في بيروت، أصدر ناجي كتابه "المسيرة إلي فلسطين" (1964)، وضمّنه رؤية نقدية لكل الفصائل، بما في ذلك "منظمة التحرير الفلسطينية"، التي ولدت لتوها (28/54/6/1964)، وانتهي إلي برنامج تحرير فلسطين . صدمة الهزيمة تلقي ناجي صدمة مروعة بهزيمة 1967 المدوية، لكنه استعاد توازنه مع الانتصار الذي حققته المقاومة الفلسطينية بدعم ملحوظ من الجيش الأردني في "معركة الكرامة "(21/3/1968) . مما دعا صاحبنا إلي سرعة الالتحاق بحركة "فتح"، دون تردد. في "فتح" أصبح ناجي كبير مثقفيها، الأمر الذي اكتسبه بمشاركته في القتال إلي جانب الكتابة السياسية . وسرعان ما تبلورت ظاهرة " يسار فتح" من شيوعيين، وقوميين عرب، وبعثيين، انضموا إلي "فتح" علي الخط البرنامجي العريض "تحرير فلسطين"، وفي التفاصيل جري التمايز داخل "فتح" بين من تحدروا من "الاخوان المسلمين " و"حزب التحرير الإسلامي " من جهة، وبين من تحدروا من الأحزاب القومية واليسارية، أساسا .ومن الطبيعي ان يكون ناجي أحد أهم رموز "يسار فتح "، الذي خاض كفاحا داخليا مريرا. وظهر من ادعي أن "فتح "هي لمن سبق، وكأننا في سلك وظيفي، مقابل من أصر بأنها لمن صدق، فضلا عن قلة قالت في سرها إن "فتح" هي لمن سرق! غني عن القول ان اليسار هو من تبني صيغة "من صدق ". وحفلت السنوات الثلاث التي قضتها المقاومة الفلسطينية في شرقي الأردن بالصراعات المكتومة بين يمين "فتح" ويسارها . ويكفي أن نعلم بان ثمة انقلابا عسكريا حضرت له مجموعة من ضباط الجيش الأردني، واعلم به أحد رموز "يسار فتح"، قائد ميليشيتها، نمر صالح (أبو صالح) الذي أسر بالأمر للناطق الرسمي لفتح، آنذاك ياسر عرفات، فأبلغ الأمر للقصر، الذي أجهض الانقلاب، فيما نحي عرفات نمر صالح عن رئاسة ميليشيات "فتح"، وحل محله صديق ناجي الحميم، أبو داود (محمد داود عودة ). توالت الأحداث، وحملت الرياح صدامات دامية بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية (أكتوبر 1968، فبراير، ويونية، وسبتمبر 1970 )، وكانت الأخيرة أكثرها شراسة، وفيها أكدت قيادة المقاومة تمتعها بسذاجة، جعلتها توافق علي إخراج السمك من الماء المتمثل بإخراج الفدائيين من المدن والقري والمخيمات إلي مواقع مكشوفة، يسهل إبادتهم هناك، فضلا عن موافقة قيادة المقاومة علي تخزين ذخائر المقاومة بمعرفة قيادة الجيش الأردني.! وقامت قيامة قواعد المقاومة وكوادرها علي تفريط قيادة المقاومة، التي كان يمكن أن يطاح بها، لولا دعم النظام السياسي العربي المطلق لها. لم يستسلم ناجي، وانتقل إلي بيروت، وعاد إلي وظيفته مديرا للنشر في "دار الطليعة "، ورئيسا لتحرير مجلتها الشهرية المرموقة، في حينه، "دراسات عربية "، التي امتلكها البعثي اللبناني السابق، بشير الداعوق . في بيروت فتح ناجي النار علي قيادة "فتح"، ومهاودتها للنظام الأردني . ولم يطل انتظار الجميع، إذ اجتاح الجيش الأردني بليل، قواعد الفدائيين، فيما عرف باسم " مذابحة جرش"، في يوليو(تموز)1971، ماوضع حدا لوجود الفدائيين في الأردن، منذئذ وحتي الآن. في آخر العام نفسه، انعقد مؤتمر فتح الثالث، في دمشق، وأصبح ناجي عضوا في المجلس الشوري لفتح (يوازي اللجنة المركزية في الأحزاب الشيوعية) في ربيع العام التالي، توفي رئيس "اتحاد الكتاب الفلسطينيين، خيري حماد، وكان ناجي ضمن من اتهموا هذا الاتحاد بافتقاده الطابع الجماهيري، واقتصار عضويته علي أقل من خمسين عضوا فقط . تشكلت لجنة تحضيرية للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وناجي أبرز أعضائها وانعقد المؤتمر الأول للاتحاد، في بيروت، في سبتمبر (أيلول)1972 وسخر البعض من المئات الذين ضمهم هذا المؤتمر، حتي قيل إن هذا المؤتمر هو "للكتاب والصحفيين والقراء". وقد أضاف الكاتب السياسي الفلسطيني المرموق، فيصل حوراني كلمة واحدة لتلك الجملة، هي : "وذويهم"! انتخب ناجي أمينا عاملاً للاتحاد بلا منازع . واستجد محور جديد للصراع داخل "فتح"، ذلك ان عرفات تعامل مع المنظمات الشعبية باعتبارها بوقا للقيادة السياسية، ليس إلا! ما أهون الصراعات الداخلية إلي مابعد "حرب أكتوبر 1973"، حيث أقنع الرئيس المصري السابق، أنور السادات، قيادة "فتح" بضرورة إبداء المزيد من المرونة، حتي تتم دعوتها إلي "مؤتمر جنيف" الذي كان يحضّر له من أجل تسوية الصراع العربي الإسرائيلي. النقاط العشر في صيف 1974 عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورة جديدة له، في القاهرة اعتمد فيها "برنامج النقاط العشر"، الذي أبدي استعداد منظمة التحرير لإقامة سلطتها فوق أي شبر يتم استرداده من الأرض الفلسطينية، وتم إسقاط الهدف الاستراتيجي للنضال الوطني الفلسطيني (تحرير فلسطين). خلال هذه الدورة، أكد المفكر الفلسطيني المعروف، د.فايز صايغ أن مؤتمر جنيف لن ينعقد ؛وإذا انعقد فبدون الفلسطينيين، وإذا كان مع وجود الفلسطينيين، فبدون منظمة التحرير!وقد صدقت نبوءته. عند التصويت علي "برنامج النقاط العشر "، أعلن ثلاثة من اعضاء المجلس معارضتهم لذاك البرنامج، فقد اعترض ناجي ويوسف عبدالرحيم، لاعتبارهما البرنامج تفريطا، أما الثالث فكان سعيد حمامي الذي رأي أن البرنامج متشدد، ولا يفي بالغرض ! صحت أربع منظمات فدائية، كالتلميذ الذي يقدم إجابات خاطئة في الامتحان، وينزل عليه الذكاء بعد الامتحان . فاجتمعت قيادات هذه المنظمات (الشعبية)، والشعبية القيادة العامة، والنضال الشعبي، والتحرير العربية )، وتمخضت الاجتماعات عن ظهور "جبهة القوي الرافضة للحلول الاستسلامية ". أما ناجي فقاد "الرفض" في "فتح". تصاعد الصراع داخل "فتح"، ولاحق عرفات ناجي علوش بشتي أنواع الاضطهاد والقمع، من السجن، إلي محاولات الاغتيال، والتآمر لإسقاطه من موقع الأمين العام لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين . وتجلي هذا كله في المؤتمر الثاني للاتحاد، الذي انعقد في تونس (مارس 1977)، ودفع عرفات بأربعة وأربعين مندوبا، يمثلون مئتين وعشرين عضوا في فرع للاتحاد غير قائم في الجزائر، اقتحموا مقر المؤتمر أثناء انعقاده، يهتفون ضد ناجي علوش .وأذكر أن عضوا في جهاز أمن فتح كان ضمن المقتحمين، اندفع إلي منصة رئاسة المؤتمر، يبغي رأس من يقف في وسط الجالسين عليها، وكان اللواء محمد الشاعر، ورفع عنصر الأمن إياه صوته، أكثر فأكثر، في هتافات ضد ناجي . اندفعت نحوه وكنت نائبا لرئيس المؤتمر أسأله عما يفعل، رد -من فوره - بأنه يستهدف ناجي علوش، ضرب الحضور كفا بكف علي مدي جهل المقتحم الهمام ! تسارعت الأحداث، وكانت "مبادرة السادات "بالصلح مع إسرائيل، وزيارته لها (19/11/1977)، ماأغري "يسار فتح" إلي التئام رموزه، والتخطيط للإطاحة بعرفات، منذ مارس (آذار)1978، بعد ان تأكد مدي فتور رد عرفات علي "مبادرة السادات"، الأمر الذي برره خليل الوزير (أبوجهاد)، بانه حتي يتجنب عرفات ضربة جديدة للمقاومة، ذلك أن رد المقاومة القوي ضد اتفاقية فصل القوات الثانية (سبتمبر 1975)حركت القوي الانعزالية ضد المقاومة الفلسطينية، فكانت ماعرفت باسم "الحرب الأهلية اللبنانية "؛وفيها تجلت شجاعة ناجي بالسلاح، خاصة في معركة الفنادق. تفرق مفردات فتح اهتز عرفات، بعد أن جاهر عضو اللجنة المركزية لفتح، نمر صالح بانضمامه للمطالبين بالإحاطة بعرفات، ولحق به صلاح خلف (أبوإياد)، وانتهي الأمر بتفرق مفردات "يسار فتح"مابين من مال للتسوية مع عرفات، وبين من رفض هذه التسوية، فحق عليه غضب عرفات . وأفلت ناجي من محاولة اعتقال، واختفي في منزل رأس "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، إنعام رعد، وعبثا حاولت أجهزة أمن فتح العثور عليه، قبل أن يفلت الي بغداد، فدمشق. توفرت لعرفات فرصة سانحة، بذل قصاري جهوده لتوجيه الضربة القاضية لناجي في موقعه بالاتحاد . فحين طلب الأخير إلي الحكومة العراقية السماح باستضافة المؤتمر الثالث للاتحاد في العاصمة العراقية، بغداد، وافقت الحكومة العراقية، لكن عرفات أفهمها أن المؤتمر يجب ان يعقد في بيروت، أرض المعركة ! الأمر نفسه تكرر مع حكومة الجزائر! أخيرا نجح عرفات في فرض عقد المؤتمر في بيروت، دون أن توجه الدعوة إلي الأمين العام للاتحاد لحضور المؤتمر (ابريل 1980).وبعد أيام قليلة أبعد ناجي، قسرا، عن حضور المؤتمر الرابع لفتح (دمشق، ابريل1980). هنا أعلن ناجي تنظيمه الخاص "حركة التحرير الشعبية العربية "، وأصدر لها نشرة "الانطلاقة " الشهرية، مغادرا الحاضنة الأرحب "فتح". حين وقعت "انتفاضة فتح "، في مايو 1983، اتضح أن قادتها هم نفس الذين رضوا بالتسوية مع عرفات، وتآمروا علي ناجي! استمر ناجي علي رأس الاتحاد الموازي للاتحاد الذي بقي في حضن عرفات . وفي ديسمبر 1998 دعي ناجي لحضور المؤتمر المناهض لنظيره الذي سيعقده عرفات، في مدينة غزة، بحضور الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، من أجل تنظيم مذبحته للميثاق الوطني الفلسطيني . وعلي الحدود الأردنية مع سوريا تعرض ناجي للإهانة من رجال الأمن الأردني، في الرمثا، مما أصابه بانفجار في المخ، وأصيب بالشلل، وبعد ثلاثة عشر عاما وسبعة عشر شهرا وافته المنية، في عمان، فجر 19/7/2012، كأي فارس شجاع، قضي علي فراشه، لكن ذكراه العطرة ستظل فواحة في وطننا العربي، تهدي المناضلين سواء السبيل .