منذ بدأت الثورة، ونحن نرى ونسمع عدداً من شباب الثورة، وبعضاً من المثقفين الأفاضل، كلما جاء ذكر "جماعة الاخوان المسلمين" إندفعوا مؤكدين "إن جماعة الاخوان فصيل وطنى". وتتكرر هذه الكلمات كثيراً فيصلك إحساساً من الشباب بإقتناعهم الصادق بالمعنى، وخاصة عند إشارتهم الى شباب الإخوان، الذين اشتركوا معهم فى عدد من المعارك الفاصلة. وأحياناً أخرى، وتحت دعوى عدم اقصاء التيارات الدينية يصلك من بعض المثقفين احساساً مبهماً بأن إطلاق صفة الوطنية على الإخوان هو ضرورة لدرء المخاطر، أو نفى شبهة العداء. وقد تشعر بأنها محاولات لتبرير التحالفات والتأييدات، و فى أحيان قليلة يمكن أن تكون محاولة للتملق طمعاً فى الرضا. عموماً أياً كان السبب، فإن الكلمات التى كانت تتردد هى"الاخوان فصيل وطنى". وبصراحة ومنذ بداية الثورة، وأنا أحاول جاهدة أن أفهم تلك الجملة، التى يصر عدد من الثوارعلى وصف جماعة الإخوان بها... على الرغم من أن أحداً من الإخوان أنفسهم لم يصف الجماعة ولو مرة واحدة بأنها فصيل وطنى! و لم نر فى أى من تصريحاتهم أن صفة الوطنية أو الولاء للوطن يمثل بالنسبة لهم أو لقياداتهم أى قيمة أو فضيلة من الفضائل لكى يدّعوها أو حتى يشيروا إليها. فقيادات الإخوان - برغم عشقهم اللعب بالألفاظ والتصريح ثم النفى- فإنهم لم يصرحوا ولو مرة واحدة، حتى عن طريق الخطأ بأنهم فصيل وطنى. الوطن لم يكن فى يوم قضيتهم، ولا هم قالوا أنهم مستعدون للموت فى سبيله بل على العكس تكاد قيادتهم تتنصل من الوطن فى كل مناسبة. ألم تكن كلمة مرشدهم السابق "مهدى عاكف" الشهيرة "طز فى مصر" هى الرد على سؤال صحفى:"هل من الممكن أن يحكمنا باكستانى؟" فلما أجابه المرشد بالإيجاب اندهش الصحفى وقال "طيب و مصر؟ " جاءه الرد الفورى "طز فى مصر". وبالمناسبة هذا ليس تصيداً للأخطاء لأن أحداً منهم لم يعلق بأن هذه الكلمة خطأ، او أنها لا تجوز، وإنما كان التبرير الأساسى الذى قدمته قياداتهم هو أن المرشد يضيق خلقه أحياناً من تتابع الاسئلة. و لكن ما هو الفصيل الوطنى؟ اعتقد ان صفة الوطنية تطلق على أفراد أو حركة أو مجموعة تنتمى لوطن، وتعمل من أجل خيره ورفعته، وتتميز بعدة ملامح أساسية منها: * أن الفصيل الوطنى يرى فى قضايا الوطن وهمومه شغله الشاغل ويكون إعلاء شأن الوطن وتقدمه هو هدفه الأساسى. * الفصيل الوطنى يضم ويعامل كل المواطنين بلا تمييز فى الديانة أو اللون أو الجنس. * الفصيل الوطنى يقف فى مواجهة أعداء الوطن أياً كانت صورتهم: استعمار، احتلال، سيطرة اقتصادية أجنبية. وهو لا يعقد معهم تحالفات أو صفقات لمصلحته الشخصية. * الفصيل الوطنى حريص على وحدة الوطن لايفرق بين أبناء الوطن ولا يخلق بينهم حزازات ولا يثير الفتن. فأين رأيتم أعراض الفصيل الوطنى على جماعة الإخوان؟ - هل تضع الجماعة إعلاء شأن الوطن هدفاً لها؟ - هل تعامل الجماعة المواطنين جميعاً بلا تفرقة؟ - هل تمتنع الجماعة عن عقد صفقات مع أعداء الوطن؟ أين الوطنية إذن؟ ومن أى جانب رأيتموها؟ فبرغم كل التصريحات الملتوية للجماعة وقياداتها والأحاديث مزدوجة المعنى عن المدنية والديمقراطية فإن الوطن لم يحظ بإشارة إيجابية واحدة لكى يتم التراجع عنها فيما بعد. فنحن لم نر أحد من قيادات الجماعة يتحدث بفخر عن مصر أو عن حبه لها او ارتباطه بها بقدر ما يتحدثوا جميعا عن الجماعة و انتمائهم لها. وقد ازداد المشهد وضوحاً بعد تنصيب محمد مرسى رئيسا لمصر، فمنذ اللحظة الاولى أصر على أن يخاطبنا ب " أهلى وعشيرتى". وبرغم أننا نعلم جيداً من هم أهله وعشيرته، فقد تحاشى أن يخاطبنا بما يجمعنا به فعلاً حيث أننا مواطنون فى وطن شاء القدر أن يكون هو رئيسه. وإذا كان الملك يخاطب "رعاياه" والرئيس يخاطب "مواطنيه"، وكان السادات يريدنا "أخوة وأخوات" فإن مرسى قرر أن يخاطب "اهله وعشيرته" . وهذا ليس مجرد اختلاف فى الأسلوب او فى الألفاظ إنه فكر.. فكر جماعة لا تعترف بالوطن ولا المواطنين. وفى إطار هذا الفكر الرافض للوطن رأينا أحدث تجلياته فى كتاب التربية الوطنية للصف الأول الثانوى للعام الدراسى الحالى وبه درسا بعنوان "التربية الوطنية ودورها فى تنمية الولاء والانتماء للوطن" تعمد كاتبه استخدام كلمة "الجماعة" بدلا من كلمة "المجتمع" و"الوطن" وحرص على تكرارها فى أكثر من موضع والتأكيد على الانتماء و الولاء لها. هذا عن علاقة الجماعة بالوطن. فماذا عن علاقة الجماعة بأعداء الوطن؟. وليس الحديث عن أعداء الوطن كلمات انشائية بل هى سياسات واضحة تتبعها دول محددة - أجنبية وعربية - تهدف للسيطرة على ثروات مصر الاقتصادية و إبقائها فى دائرة التابعين لها وتقف بكل حزم فى مواجهة تقدم مصر و قوتها . فما هى حقيقة علاقة جماعة الاخوان بهذه الدول وفى مقدمتها الولاياتالمتحدةالامريكية. لقد سمعنا وشاهدنا الكثير مما تردد عن علاقة جماعة الإخوان بالولاياتالمتحدةالأمريكية ما بين اتصالات وزيارات سرية وعلنية تبادلتها قيادات الجماعة مع المسئولين الأمريكان. كما سمعنا أيضاً بأن وفداً من الإخوان سافر الى أمريكا قبل الانتخابات الرئاسية للتفاهم مع الأمريكان مؤكدا لهم إستعداد الإخوان التعامل مع أمريكا وحماية مصالحها في مصر. وبغض النظر عن صحة هذا الخبر أو ذاك، هل هناك شك فى أن جماعة الاخوان نسقت وطمأنت الولاياتالمتحدةالأمريكية لضمان التأييد الامريكى لها؟. ألا يعد هذا عقداً لصفقات مع أعداء الوطن من أجل مصلحة خاصة؟ فماذا عن ارض الوطن؟ منذ عام مضى والقوى الوطنية تحذر من أن الوضع فى سيناء يثير القلق. فمع تدهور الوضع الأمنى فى مصر وتدفق كميات كبيرة من الأسلحة من ليبيا وانتقالها إلى سيناء، انتشر رجال السلفية الجهادية والجماعات الاسلامية فى شمال سيناء بل ان إحدى هذه الجماعات قررت إعلان سيناء "إمارة اسلامية" كل ذلك تم فى ظل أحاديث عن مخططات لتوطين الفلسطينيين فى سيناء. وإذا كان الوضع فى سيناء غامضا فإن علاقة سيناءبغزة اكثر غموضا ، وذلك لسبب واضح هو أن "حماس" غزة هى جزء من حركة الاخوان العالمية التى قامت بتأسيسها جماعة الاخوان المصرية. وقد حدد المرشد السابق مهدى عاكف علاقتهم بحماس قائلا "هم منا ونحن منهم" و تكرر ذلك على لسان كل قيادات الإخوان. وقد دعا هذا الوضع، الناشط السيناوى "مسعد أبو فجر" لأن يتهم الإخوان بالخيانة العظمى، محدداً أن أفراداً من قيادات الإخوان المسلمين قاموا بانشاء مركز إعلامى فى سيناء للتمهيد لاستقبال حماس وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وذلك تنفيذاً للمخطط الإسرائيلى. أين إذن ملامح الوطنية فى علاقتهم بالوطن و أعداء الوطن. Comment *