المتابعة الموضوعية لنشأة الجماعة المسماة ب «الإخوان المسلمين» وملابسات ولادتها والدور المستهدف من قيامها كما خطط له وطبخت أفكارها فى دهاليز سفارات بعض الدول الغربية فى مصر على حد تعبير د. عبدالله المطلق، وكما هو مسجل بوثائق دولية منشورة وفى اعترافات مسجلة بمعرفة قيادات إخوانية، مضيفاً: «إخوان حسن البنا هم حركة سياسية استخباراتية لمصالح غربية اتخذت من الدين مظلة لها لجلب أكبر شريحة من الجمهور والأتباع وهم زراعة غربية لأهداف سياسية وفكرية بحتة، فبعض سفارات الدول الكبرى فى مصر كانت مقراً سرياً للقاءات واجتماعات بعض كبار مؤسسى ومنظرى التنظيم فى بداياته وعواصمها اليوم تعتبر المأوى والملجأ لهم.
لم تكن اتصالات الإخوان مع السفارة البريطانية بالقاهرة واجهزتها الأمنية ودعمها المادى للجماعة بعيداً عن السلطة فى مصر، كانت تتم بتنسيق مع الملك فاروق لحماية عرشه كما يقول الباحث البريطانى مارك كيرتس إن «ما فعله الملك فاروق فى علاقته بالإخوان كان القصد منه هو حماية عرشه فقد ظن أن أفضل وسيلة لحماية عرشه من تهديد الإخوان المسلمين فى ذاك الوقت هو أن يجعلهم يعملون تحت كنفه لذا كانت فكرة شرائهم هى الطريقة المثلى، الملفات توضح أن الانجليز والملك كانوا ينفذون استراتيجية واحدة، الانجليز يساهمون فى تمويل الإخوان المسلمين لتحقيق أهدافهم الخاصة والقصر يقوم بدفع دعم مالى للإخوان تجنباً لشرهم!!
علاقة جماعة الإخوان لم تكن قاصرة على الإنجليز وإنما امتدت مع الاجهزة السرية والمخابراتية لعدد من الدول الغربية تأتى الولاياتالمتحدة فى مقدمتها، حيث ارتبط رأس نظام الجماعة حسن البنا بعلاقات مباشرة مع رجل المخابرات الأمريكى فيليب ايرلاند الذى كان يعمل بالسفارة الأمريكية وفى اللقاء الأول تم الاتفاق على كيفية الاتصال السرى بينهما وعلى أساس «الإخوان برجالهم ومعلوماتهم الداخلية عن مصر، والأمريكان بأموالهم» . وعن علاقات أخرى يضيف د. سالم حميد: «الغريب أن اسرائيل هى الأخرى دخلت الساحة الإسلامية الأصولية وقررت دعم الحركات الإسلامية للقضاء على القومية العربية نظراً لخطورة الدعوة القومية على أمنها»، ويضيف أن التخوف من القومية العربية هو ما حقق لجماعة الإخوان «قفزات متتالية»، وأصبح المال يأتيها من الشمال والغرب والشرق!.. وحالياً تشير مصادر بالمكتب الإعلامى للبيت الابيض الأمريكى أن الإدارة الأمريكية تركز جميع جهودها حالياً للعمل كمدير لحملة علاقات عامة كبرى بين الإخوان والدول المحيطة بمصر وعلى رأسها «اسرائيل» وأنهم سيديرون حوارات وسيعقدون اجتماعات فى الفترة القادمة بين «اسرائيليين» وجماعة الاخوان الرسمية وأن تلك اللقاءات يتم التحضير لها حالياً.. ومن أسف يتم التعامل مع جماعة الإخوان على أنهم الدولة المصرية، والأكثر خطورة فى التنازلات التى يمكن لجماعة الاخوان تقديمها للأمريكان فى مقابل مساندة الجماعة سياسياً!!، وأخطر ما فى الأمر ما قاله البروفيسور ميخائيل جوسودوفسكى مستشار المخابرات الأمريكية للجماعات الاسلامية وذكرناه فى العدد السابق: أن ما سيساعد «السى آى إيه» الأمريكية، و«الموساد» الإسرائيلى و«الناتو» فى اعادة ترتيب الأوراق فى الشرق الأوسط وشمال افريقيا سيكون «الاخوان المسلمين فى مصر»!!.
هذا الرصد لبدايات نشأة الجماعة مضافاً إليه سلوك ومواقف قياداتها وعلاقتها المشبوهة بالخارج وأجهزتها الاستخباراتية طوال ثمانية عقود تجاه القضايا الوطنية تلقى بظلالها على الجماعة وتوجب الحذر منها خاصة أن الجماعة باتت تسيطر على الكثير من مواقع السلطة فى مصر، والأسئلة الواجب طرحها ودون مواربة: هل هذه الجماعة جماعة وطنية؟ وهل ستعمل لصالح مصر أم لصالح الجماعة وقادتها وأعضائها والتنظيم الدولى للإخوان؟ وهل مثل هذه الجماعة بتاريخها تؤتمن على الدولة المصرية؟ وماذا يمكن أن تفعل بمفاصل الدولة إذا ما تمكنت منها؟
الإخوان ضد الوطنية المصرية
لما كانت الوطنية هى الشعور بالانتماء للأرض والمجتمع الذى نعيش فيه، وبذل كل ما هو غالٍ ونفيس للدفاع عن أراضيه وتقديم كل ما هو مفيد له، وتصل الوطنية وتقديس الوطن إلى حد تغلب رابطة الوطنية على الرابطة الدينية.
«تقديس الوطن وأولوية رابطة الوطنية تتجلى فى الحروب بين الدول ذات الرابط الدينى، أو كما فى الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار ليكون الولاء للوطن أما الخلط بين الولاء للوطن وبين الولاء للجماعة هو فى الحقيقة نوع من العصبية المتخلفة تجعله يعادى المجتمع والدولة ويهدد مستقبلها، ومن شأنه أن يدمر مكونات الوطن من خلال هدم الأسس التى تبنى عليها منظومة الولاء الوطنى، فهل الخطاب السياسى الراهن لجماعة الإخوان يتناغم مع هذا التوجه؟ يرى حسن البنا أن أساس وطنية المسلم العقيدة الإسلامية، وقد جعل الشعور الوطنى بالعقيدة لا بالعصبية الجنسية، مردداً: أن الاعتبار هنا للعقيدة، بينما هى عند غيرهم ترتبط بالحدود الجغرافية، مضيفاً: «أما وجه الخلاف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية، فكل بقعة فيها مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وطنى عندنا له حرمته وقداسته وحبه والاخلاص له والجهاد فى سبيل خيره، وكل المسلمين فى هذه الأقطار الجغرافية أهلنا وإخواننا!!! المدهش أنه فى ذات الوقت أقام علاقات حميمة ربطت بينه وبين أعداء الوطنية المصرية مثل البارون دى بنوا مدير شركة قناة السويس الإنجليزى، والمستر كلايتون سكرتير السفارة البريطانية بالقاهرة فى عصر كانت تعانى فيه مصر وبعض الدول الاسلامية من وطأة الاحتلال الإنجليزى (!) وهو نفس التوجه الذى سار عليه اتباعه، سواء المرشد الثانى الهضيبى فى مهادنة الاستعمار البريطانى بقوله: إن الشعب البريطانى أقرب الشعوب للاسلام، أو فى دعوته للمصريين بنبذ العنف ضد الاحتلال الإنجليزى تحت دعوى «أن أعمال العنف لن تخرج الإنجليز من مصر» أو ما تبعه من القيادات الإخوانية، والذى بلغ مداه فى إهانة الوطنية المصرية من المرشد العام السابق للإخوان المسلمين مهدى عاكف بمقولته المهينة: «طز فى مصر واللى فى مصر واللى جابو مصر» وللتأكيد على عدم الولاء لمصر جاءت اجابته على الأستاذ سعيد شعيب حينما سأله: هل ترضى لمصر بحاكم مسلم غير مصرى أم مسيحى مصري؟ قال: إنه يقبل بحاكم مسلم لمصر ولو كان «ماليزيا»؟!!
لم يختلف الأمر مع السيد بديع مرشد الجماعة الحالى والذى يضع مكانة مرشد الجماعة فى درجة تعلو على منصب رئيس جمهورية مصر، وتصوراته وأحاديثه عن «دولة الخلافة» التى ستصبح فيها مصر مجرد إمارة تابعة لدولة الخلافة وتصريحاته الممتزجة بمشاعر الشماتة فى الهزيمة التى لحقت بمصر فى 67 واعتبارها انتقاماً يشفى الغليل لما حدث لجماعة الإخوان، وهى نفس مشاعر الشيخ الشعراوى «الإخوانى» الذى صرح وقتها بأنه صلى ركعتين شكراً لله على هزيمة 67! هو أيضاً نفس الفكر الذى حدا بالسيد الدكتور محمد مرسى للقول فى خطابه للأمة: «الستينيات وما أدراك ما التسينيات؟!»، ومن أسف أن سيادته قال ذلك بعد انتخابه «رئيساً لدولة مصر وليس أميراً لجماعة المقطم»، وأن قولاً كهذا يمكن أن ينال من قائله بتهمة الخيانة الوطنية، لأن الإنسان كان له وطن قبل أن يتدين، ووجد الوطن فى الاجتماع الإنسانى قبل الدين.
وأخيراً وليس آخرًا أضحت جماعة الإخوان وتفريخاتها يشكلان عقبة رئيسية أمام فرص التغيير المنشود لمصر وتحولها السلمى نحو الديمقراطية، بتمسكهم بالدعوة إلى إنشاء دولة دينية كخلط للسياسة بالدين، الأمر الذى يفزع قطاعات واسعة من المصريين بالداخل والخارج، كما أنه لا يلقى قبولاً من المجتمع الدولى الذى تجاوزت معظم دوله نموذج الدولة الدينية.