تعود مشكلة تسعير القمح لتفرض نفسها على الساحة الزراعية مع اقتراب موسم الحصاد، لتشغل الخبراء والمهتمين بالأمر كالمزارعين والتجار والمستوردين، وما إذا كان السعر سيتناسب مع تكاليف إنتاج المحصول مع إعطاء هامش ربح مناسب يستطيع من خلاله الفلاح أن يستمر في نشاطه، أم سيتوقف عن زراعة أهم المحاصيل الاستراتيجية التي أصبحت عبئا عليه. وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وتستهلك سنوياً نحو 15 مليون طن منها؛ نحو 10 ملايين طن مستوردة، يتم استهلاكها في إنتاج رغيف الخبز المدعوم، ورغم أن إجمالي المساحات المنزرعة قمحًا الموسم الجاري، بلغت 3 ملايين و175 ألف فدان، ومن المتوقع أن تنتج المساحة المزروعة 9 ملايين طن، علماً بأن القمح المصري أعلى جودة من المستورد، إلا أن ما يورد للدولة لا يتعدى 5 ملايين طن نتيجة تدني الأسعار التي تستلم بها الشون القمح. وقال الدكتور إيهاب شوقي، خبير الاقتصاد الزراعي، إن السعر العالمي للقمح الدرجة الأولى بلغ 250 دولارا للطن، أي أن سعر الطن من القمح المستورد يكلف الدولة 4500 جنيه، بخلاف مصاريف النقل البحرى وتكاليف التفريغ في الموانئ والنقل الداخلي لوصوله إلى جميع المحافظات والتسهيلات والرسوم الإدارية، التي تضيف نحو 50 دولارا أخرى إلى تكاليف استيراد الطن الواحد، لافتا إلى أن الدولة تستورد قمح الرغيف البلدي المدعم فقط الذى لا يتجاوز 5 ملايين طن، بالإضافة إلى ما تتسلمه من القمح المحلي من المزارعين، بينما تترك استيراد قمح المكرونة وقمح الدقيق والرغيف الحر والرغيف السياحي والمخبوزات الأفرنجية والحلويات إلى القطاع الخاص، وتتراوح بين 6 إلى 7 ملايين طن سنويا، وفقا لهيئة القمح الأمريكي. وأضاف شوقي ل"البديل"، أنه قبل بداية موسم الحصاد في كل عام، تطالعنا الحكومة بأنها ستتسلم القمح من الفلاحين بالسعر العالمي المماثل لنوعية القمح المصري، مع إضافة تكاليف النقل البحري والتفريغ وغيرها إلى السعر كنوع من دعم الفلاح، حتى لا تترك المجال لتلاعب التجار واستحواذهم على القمح الفاخر، وأيضا لمحاربة الفقر في الريف وزيادة ربحية الفلاح، لكن يبدو أن السعر الذى وضعته الحكومة لشراء القمح وهو 555 جنيها للأردب درجة نقاوة 22.5 قيراط، الذي ينطبق على 99% من إنتاجنا، ربما سيدفع الفلاح إلى بيعه للتجار. ومن جانبه، حذر الدكتور سعيد سليمان، أستاذ زراعة جامعة الزقازيق، من تكرار ما حدث مع محصول الأرز، عندما رفضت الدولة رفع سعره عن 3000 للطن، واستغل التجار الأمر وقاموا بشرائه من الفلاحين بسعر 3400 جنيه للطن، ما كلف الدولة ملايين طائلة، عندما رفضت شراءه من الفلاح بسعر 3.5 جنيه للكيلو، ومع إضافة تكلفة الضرب والتبييض، سيرتفع ثمنه جنيها واحدا ليصبح ب4.5 جنيه، وتشتريه الآن من التجار بسعر 6.5 جنيه، ومن أرز الدرجة الثالثة بنسبة كسر 12% بسبب سوء تقدير الموقف وعدم الاستجابة لآليات الأسواق، والسماح للتجار باحتكار الأرز المصرى كاملا، ولتدارك الخطأ استوردت الدولة الأرز الهندى بسعر 450 دولارا للطن؛ أي 9 جنيهات للكيلو. وأكد سليمان ل"البديل"، أن ما قاله وزير الزراعة، تحت قبة البرلمان، بأن القمح المصري لن يذهب للتجار، مجرد كلام مرسل بلا مرجعية؛ لأن توريد القمح في القانون، اختياري وليس إجباريا، وبالتالي لا يملك الوزير أي آلية لضمان عدم بيع الفلاح للقمح بأعلى سعر ووصوله للتجار مادامت الدولة تجور في الأسعار على فلاحيها، وتترك القمح كما تركت الأرز للتجار.