مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، المقرر عقدها نهاية العام الجارى، يشهد الشارع السياسى حراكًا ملحوظًا سياسيًا وتشريعيًا، فبالتزامن مع تحركات الأحزاب داخليًا لتحقيق أهدافها السياسية فى هذا الاستحقاق الدستورى المهم، قدم أكثر من عشرة أعضاء بمجلس النواب، الأربعاء الماضي، مشروعى قانونين لتعديل بعض أحكام قانونى مجلسى النواب والشيوخ، يهدفان إلى ضمان التمثيل العادل للسكان والمحافظات استنادًا إلى أسس دستورية وموضوعية دقيقة، سعيًا إلى بناء نظام تمثيلى رشيد للبرلمان. حراك تشريعى تلقى مجلس النواب، الأسبوع الماضي، مشروعى قانونين مقدّمين من أكثر من عُشر عدد أعضائه، من أحزاب مستقبل وطن، الشعب الجمهوري، حماة وطن، وعدد من المستقلين من تنسيقية شباب الأحزاب، يتعلق الأول بتعديل بعض أحكام قانون مجلس النواب الصادر بالقانون رقم (46) لسنة 2014، والقانون رقم (174) لسنة 2020 فى شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، بينما يتصل الثانى بتعديل بعض أحكام قانون مجلس الشيوخ الصادر بالقانون رقم (141) لسنة 2020. وقد أحال المستشار الدكتور حنفى جبالي، رئيس مجلس النواب، مشروع القانون الخاص بتقسيم دوائر مجلس النواب إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية لدراسته على وجه السرعة. وقد وافقت اللجنة نهائيًا على تعديلات مشروع القانون، كما كلف الأمانة العامة بإرسال مشروع القانون الثانى إلى مجلس الشيوخ لإبداء الرأى فيه. ويُجسّد المشروعان توجهًا تشريعيًا يعكس حرص الدولة على إحكام البناء القانونى للانتخابات النيابية، استنادًا إلى أسس دستورية وموضوعية دقيقة، فى مقدمتها: ضمان التمثيل العادل للسكان والمحافظات، ومراعاة التوزيع السكانى على ضوء أحدث البيانات الإحصائية، والانضباط بمعيار الانحراف المقبول عن المتوسط النيابى فى حدود لا تتجاوز ± 25 %. ضرورة ورؤية إصلاحية جاء مشروع قانون مجلس النواب متسقًا مع التطورات الديموغرافية والإدارية التى شهدتها البلاد، إذ تضمن إدماج المكونات الإدارية المستحدثة بعد تقسيم 2020، مثل أقسام ثالث مدينة نصر، وثان العبور، والمنيرة الغربية وغيرها، باعتبارها أحد الأسس الجوهرية فى البناء القانونى للدوائر الانتخابية. كما شهد المشروع تعديلًا طفيفًا على عدد من الدوائر الفردية فى ضوء هذه المستجدات الإدارية والسكّانية، بما يُعزّز من جودة التمثيل النيابى وتكافؤه. أما مشروع قانون مجلس الشيوخ، فقد جاء معبّرًا عن ذات الرؤية الإصلاحية، حيث أُعيد توزيع مقاعد القوائم على أربع دوائر، كما شهد المشروع تحديثًا للجداول الانتخابية بنظامى الفردى والقائمة، فى ضوء متوسط التمثيل النيابى والانحرافات المقبولة، مع استثناء المحافظات الحدودية من القاعدة الحسابية العامة، مراعاةً لخصوصيتها، واتساقًا مع ما قررته أحكام المحكمة الدستورية العليا من جواز التمييز الإيجابى فى حالات مبرّرة. النظام الانتخابى وعدد المقاعد لم تشهد القوانين المنظمة للعملية الانتخابية تعديلات فى النظام الانتخابي، حيث يستمر النظام الانتخابى القائم على الجمع بين النظامين الفردى والقائمة المغلقة المطلقة. كذلك تم الحفاظ على عدد مقاعد مجلس النواب عند 596 مقعدًا، ومجلس الشيوخ عند 300 مقعد. فيما تضمنت تعديلات تقسيم الدوائر وفقًا لمشروعى القانونين، بالنسبة لمجلس النواب، تم تعديل توزيع مقاعد القوائم المغلقة المطلقة وعددها 284 مقعدًا، لتصبح موزعة على أربع دوائر كالتالي: دائرتان ب40 مقعدًا لكل منهما، ودائرتان ب102 مقعد لكل منهما. أما فى مجلس الشيوخ، فقد تم تعديل توزيع مقاعد القوائم (100 مقعد) لتوزع على أربع دوائر انتخابية: دائرتان ب13 مقعدًا لكل منهما، ودائرتان ب37 مقعدًا لكل منهما. التزام دستورى من جانبه، أكد النائب إيهاب الطماوي، وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، أنه لا توجد زيادة فى عدد مقاعد مجلسى النواب والشيوخ، فى التعديلات الجديدة المقدمة حول مشروعات قوانين مجلسى النواب والشيوخ، مؤكدًا أن التعديلات المقدمة تتعلق فقط بإعادة توزيع الدوائر الانتخابية، موضحا أن هذه التعديلات تمت وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فيما يتعلق بتغير خريطة توزيع السكان داخل المحافظات. وأكد «الطماوي»- فى تصريحات ل«روز اليوسف»- أن تلك التعديلات ليست رفاهية بل هى التزام دستوري وفقًا للمادة 102 من الدستور، بأن يكون هناك تمثيل عادل للسكان والمحافظات، مؤكدا حرص المجلس على تحقيق تلك الالتزامات، مشيرا إلى أن مشروعى القانونين لم يُقدما بشكل فردي، بل من أحزاب مستقبل وطن، الشعب الجمهوري، حماة وطن، وعدد من المستقلين من تنسيقية شباب الأحزاب، وهذا تم وفقًا لتفاهمات. وبالنسبة للنظام الفردي، أشار «الطماوي» إلى أن التعديلات كانت طفيفة، بدمج بعض الدوائر أو فصل بعضها، مثل دمج الدرب الأحمر وعابدين مع دائرة السيدة زينب، وفصل قسم الأهرام عن أكتوبر، دون تغيير عدد المقاعد المخصصة للنظام الفردى وهى 284 مقعدا. خطوة جيدة ومهمة قال هشام عبد العزيز، رئيس حزب الإصلاح والنهضة، إن التعديلات المقدمة حاليًا أمام مجلس النواب، بشأن تقسيم الدوائر أمر جيد، ليتناسب عدد المقاعد مع التوزيع السكاني، رغم أن الحزب كان لديه رؤية مختلفة بضرورة زيادة عدد القوائم الانتخابية إلى 8 بدلا من 4؛ ليكون هناك تنافسية أكبر بين القوائم. وأضاف «عبد العزيز»- فى تصريحات ل«روز اليوسف»، أنه من المهم أن تتم الانتخابات المقبلة فى ظل عدالة حقيقية للتوزيع السكاني، وتوفير مساحة أكبر للتنافسية؛ ليتحقق الاستقرار الانتخابى الذى سينعكس على المستوى السياسي، ونصل لبرلمان يضم كوادر على قدر الاستحقاقات والتحديات التى تمر بها الدولة المصرية؛ لنجنى ثمار مرحلة التنمية السياسية التى بدأها الرئيس عبد الفتاح السيسي. وتابع: « من الواضح أن هناك حرصًا على الاستمرار بنفس نظام انتخابات 2020، ولا نعترض على ذلك، لأن الأهم بالنسبة لنا هو تحقيق نتائح أكثر إيجابية تتمثل فى ممارسات وتترجم لإنجازات يشعر بها المواطن». إنقاذ للبرلمان المقبل ومن جانبه، أكد اللواء محمد صلاح أبو هميلة، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهورى بمجلس النواب، الأمين العام للحزب، أن هناك تفاعلا إيجابيا من الأحزاب والقوى السياسية تجاه تعديلات بعض أحكام قانونى مجلسى النواب والشيوخ فيما يخص تقسيم الدوائر. وأوضح «أبو هميلة»- فى تصريحات ل«روز اليوسف»- أنه قد جرت مشاورات بين نواب الأحزاب والأعضاء المستقلين، حول مشروعى القانونين قبل تقديمهما لمجلس النواب. وأشار إلى أن الهدف من تلك التعديلات، تحقيق العدالة النيابية وفقا للمتغيرات السكانية، مشيرا إلى أن الانحراف عن تلك المعايير كان سيؤدى إلى اختلال التمثيل النيابي، الأمر الذى قد يعرض البرلمان المقبل للطعن. 2 3 4