يعد التصنيع الزراعي من أهم القطاعات الصناعية والتي من خلالها يمكن أن يتحقق الأمن الغذائي لمصر، إلا أنه يتطلب النهوض بالقطاع الزراعي والتنسيق والتكامل بين سياسات الإنتاج والتصنيع والتصدير وخلق علاقات مباشرة تربط بين منشآت التصنيع الزراعي والفلاحين، لرفع القيمة المضافة من الحاصلات الزراعية وتقليل الفاقد منها، مما يسهم في زيادة عرض المنتجات الزراعية على مدار العام والعمل على زيادة دخل المزارع وتطوير أساليب الزراعة، وهو أمل الفلاح في الوصول لأسعار مناسبة لمحاصيله. ومن جانبه قال الدكتور أيمن أبو زيد، الخبير الزراعي، إن الفائض من الإنتاج الزراعي الذي لم يتم استهلاكه محليًّا أو تم تصديرة يجب تصنيعه بالكامل، وتصديره مصنعًا، وعلى الدولة استحداث آلالات ومعدات داخل الحقول، لتقليل الهالك من المحاصيل الزراعية، كعمل عصارات كبيرة للطماطم مثلاً في الحقول وتحويلها إلي عصير او معجون (صلصة أو كاتشب)، فالطماطم في أحد المواسم ترتفع أسعارها بشكل جنوني، وفي مواسم أخرى لا تجد من يشتريها، وبالتالي فإن تحويلها إلى منتج مصنع سوف يحافظ على سعرها، والذي يتناسب مع تكلفة زراعتها، ويجعل للفلاح هامش ربح معقولاً جراء زراعتها. وأشار" أبو زيد" إلى ضرورة استحداث وسائل جديدة للتعامل مع بعض الحاصلات الزراعية، كالبصل والثوم في الصعيد، فيجب التوسع في فتح مصانع التجفيف، وخاصة أن تحويل كلا المحصولين إلى مسحوق له عائد مادي كبير، حيث يدخلان بشكل رئيسي في معظم الأغذية الجاهزة، كما يجب التوسع في زراعة العنب وتصنيعه وتحويله إلى زبيب، فسعر كيلو الزبيب قد يصل إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف كيلو العنب؛ مما جعل زراعة العنب غير مربحة؛ للعناية الفائقة التي يحتاجها محصول العنب، وهكذا معظم المحاصيل المصرية يجب معاملتها بطريقة حديثة وإيجاد طرق جديدة في التصنيع الزراعي وتجفيف معظم محاصيل الفاكهة "التين – المشمش – الخوخ"، بدلاً من استيرادها بملايين الجنيهات في شهر رمضان، لا سيما أن المحاصيل الزراعية المصرية عندما تصنع تكون جودتها عالية، وتصل في معظم الأحوال لأعلي من مثيلاتها في العالم. وأوضح الخبير الزراعي أنه يوجد أمام التصنيع الزراعي عائق هام، يجب أن ننتبه إليه، وهو موسمية المحاصيل الزراعية، فيجب أن تكون المصانع المقامة ثنائية او ثلاثية، أي أن المصنع لا بد أن ينتج أكثر من محصول بنفس التكنولوجيا والمعدات؛ حتى لا يتوقف بعد انتهاء موسم المحصول في حالة تركيزه على تصنيع صنف واحد فقط. فيما حذر الدكتور وجيه دكروري، الخبير الاقتصادي، من ضعف التصنيع الزراعي، فعلى الرغم من أن مصر تحتل المركز الخامس عالميًّا في انتاج الطماطم, بكمية تقدر ب 5.5 مليون طن سنويًّا، إلا أنه يتم استهلاك 70% منها محليًّا، وتصنيع 3% فقط، والفاقد والتالف 27%، وهذا مثال صارخ لإهدار الموارد وغياب التصنيع، ابتداء من صناعات التجفيف ثم التبريد والتجميد، انتقالاً إلى المنتجات الغذائية على اختلاف مراحلها وأنواعها، وانتهاء بالتعبئة والتغليف والتصدير. وكشف دكروري أنه لا يوجد تصنيع للأسماك في مصر، على الرغم من أنها تطل على بحرين وبها نهر النيل وأكبر بحيرة صناعية في العالم، لا يتجاوز إنتاجها من الأسماك المليون طن سنويًّا، يأتي أكثر من نصفها من المزارع السمكية, وبدلاً من أن تكون الثروة السمكية داعمة للغذاء وبأسعار في متناول جميع المصريين, وأن نكون أكبر منتج ومصنع ومصدر للأسماك في المنطقة، نستورد20% من اكتفائنا الذاتي من الأسماك المجمدة والمصنعة من المغرب وأوغندا ودول جنوب شرق آسيا والصين، وهذا مثال صارخ لضعف قدرات ووسائل الصيد المصري وضعف الاستثمارات في هذه الصناعة والافتقار إلى تكنولوجيا الإنتاج والتصنيع, وإهمال الدولة في القيام بمهامها تجاه تطوير وتطهير البحيرات التي تتقلص عامًا بعد الآخر. مؤكدًا أن حجم صادراتنا من الصناعات الغذائية لا يتناسب مع قدراتنا وخبراتنا في هذه الصناعة، ويرجع ذلك لكثرة التشريعات الخاصة بهذا القطاع، فلدينا 15 تشريعًا وأكثر من10 جهات رقابية, وترتب علي ذلك أن 80% من هذه الصناعة عشوائية، وبالقطع لا يمكن أن ننطلق إلى السوق الخارجية أو الداخلية بمعايير عشوائية وفي قطاع يتعلق بصحة الإنسان, لذلك فالنهوض بتلك الصناعة يحتاج الى تشريع قانون يحكمها ويضبطها.