سلوى سيد تبلغ مساحة مصر 238 مليون فدان فى حين تبلغ المساحة المنزرعة نحو 8.6 مليون فدان أى ما يعادل 3.61 % متركزين فى منطقة الوادى والدلتا. ويلعب القطاع الزراعى دوراً مهما فى الاقتصاد المصرى حيث تبلغ نسبة مساهمته فى الدخل القومى 14.5 %، وفى امتصاص القوة العاملة 29.2 %، وفى الصادرات الزراعية 8.9 % من إجمالى قيمة صادرات مصر. من هنا يأتى أهمية المشروع القومى “مشروع المليون ونصف المليون فدان” الذى أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسى على المستوى الزراعى والصناعى والعمراني، وتقدر إجمالى المساحة المتوقع استصلاحها عام 2016 نحو 1.5 مليون فدان، فيما تبلغ حتى عام 2030 نحو 2.5 مليون فدان. ويستهدف المشروع بشكل خاص التركيز على تنمية حجم التصنيع الزراعى فى مصر ليشمل إنتاج السكر والأعلاف والزيوت النباتية وعصائر ومركزات للمنتجات المختلفة بما فيها الرمان والتين والزيتون والنخيل والعنب، فضلاً عن إنتاج النباتات الطبية والعطرية وتصنيع منتجاتها للاكتفاء الذاتى والتصدير، وكذلك إنشاء مصانع خاصة بتعبئة المنتجات. وتتمثل الأنشطة التى لها قيمة مضافة في: فرز وتدريج وتعبئة المنتجات بغرض التصدير، تجفيف البصل والثوم والنبات العطرية، صناعة الزبيب من العنب، تخليل الزيتون (أخضر وأسود) وصناعة الأعلاف على مخلفات الزيتون، استخلاص زيت الزيتون، تعبئة وتغليف التمور عالية الجودة، فضلاً عن الصناعات القائمة على التمور من دبس التمور وعجينة التمور والمربات والخل والكحول وصناعة مخلفات النوى. كذلك الصناعات القائمة على النواتج الثانوية للنخيل مثل الحبال وألواح العزل وصناعة التربة الصناعية (البيتموس) والأخشاب والسلال وعجينة الورق. أيضاً تفريط الرمان وتعبئته وعمل العصائر والمركزات ودبس الرمان، وتجفيف وتجهيز وتعبئة المنتجات الطبية والعطرية للتصدير وللأسواق المحلية، إلى جانب صناعة السكر من البنجر واستخلاص الزيوت. بالإضافة إلى الاهتمام بالمزارع السمكية فى المناطق التى تتميز بارتفاع ملوحة المياة فيها وما ينتج عنها من صناعات حفظ وتعبئة الأسماك، وكذلك أنشطة الإنتاج الحيوانى وتصنيع اللحوك ومراكز تجميع الألبان وتصنيع منتجاتها المختلفة هذه الصناعات التقليدية. الدكتور عبد الغنى الجندي، مستشار وزير الزراعة السابق وعميد كلية الزراعة جامعة عين شمس سابقاً قال إن مشروع المليون ونصف فدان فى الأساس لم يكن يقصد به استصلاح وزراعة الأراضى فقط ولكنه يستهدف إنشاء تجمعات زراعية صناعية ومجتمعات مدنية كاملة، متفادين بذلك تكرار تجربة مشروع توشكى الذى يمثل ثلث مساحة المشروع الحالى بنحو 540 ألف فدان، وبسبب عدم وجود أى خدمات بخلاف الزراعة لم ينجح فى تحقيق المعدلات المرجوة وتمت زراعة 70 ألف فدان فقط. وأضاف أن نموذج الفرافرة الذى افتتحه الرئيس مثال واضح على فكر المشروع لنقل التجربة إلى باقى المناطق المستهدفة، ليبرز بقوة دور التصنيع الزراعى فى المشروع فعائد بيع المحاصيل فى صورتها الأولية هزيل مقارنة بالعائد بعد تقديم قيمة مضافة عليها كمنتج مصنع فسيحقق 5 أضعاف قيمته الحقيقية. والأمثلة كثيرة على المحاصيل التى يمكن تعظيم الاستفادة ومنها تحويل العنب إلى زبيب، والاستغناء عن البلح المستورد بصناعة التمر محلياً مما يقلل من الاعتماد على النقد الأجنبى، وفتح مصانع جديدة تتيح فرص عمل هائلة للشباب، وبالفعل أحد المستثمرين فى منطقة غرب غرب المنيا قرر زراعة بنجر السكر على مساحة 180 ألف فدان سيقوم بعمل مصنعين جديد لإنتاج السكر. وشدد الجندى على أهمية الجانب الاستثمارى للمشروع حيث يحتاج إلى أكثر من 5 آلاف مضخة مياه فى حين أن الإنتاج المحلى لا يغطى 500 مضخة فى العام الواحد، ما يعنى أن هناك فرصا استثمارية واعدة فى هذا المجال بدلاً من الاستيراد من الخارج، بالإضافة إلى أن المحاور وشبكات الرى لا تغطى سوى 25 % فقط ،والاستثمارات المتوقعة فى قطاع تصنيع معدات الرى فقط يقدر بنحو 3 مليارات دولار. ولفت مستشار وزير الزراعة السابق أن منطقة المغرة القريبة من العلمين شمالاً تتميز بملوحة مياه الآبار بها، وبناءً عليه أكدت الدراسات أن الاستغلال الأفضل لتلك المنطقة هو عمل المزارع السمكية، إلى جانب زراعة النباتات التى تتحمل الملوحة العالية مثل النخيل والزيتون والرمان. وتبلغ تكلفة التنمية الشاملة للفدان الواحد من زراعة ومياه وآبار ومعدات استصلاح من 15 – 35 ألف جنيه فضلاً عن تكلفة البنية الأساسية لنفس المساحة بما يعادل 150 ألف جنيه، وبحساب التكلفة الإجمالية على مساحة المليون ونصف المليون فدان فسينتج عنه حجم استثمارات هائل وغير مسبوقة من شأنها تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة ستغير خريطة الاستثمار فى مصر وتقدر بنحو 225 مليار جنيه للبنية الأساسية وحدها. ومن جانبه أكد المهندس على عيسى، رئيس المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية، أن مشروع المليون ونصف فدان ليس مشروعاً زراعياً وإنما هو مشروع تنموى متكامل يشمل الجانب العمرانى والخدمى وعلى رأسهم الصناعي، ومن الممكن أن يحقق قطاع الصناعات الغذائية طفرة من خلال هذا المشروع القومى عن طريق استفادة المصانع الحالية من توجيه المساحات الجديدة للزراعات التى تخدم التصنيع الزراعي، فضلاً عن إقامة مصانع جديدة فى هذه المناطق مثل بنجر السكر ومركزات الطماطم والفاكهة المختلفة، وهذا بالقطع سيزيد الإنتاج الصناعى الزراعى وتصديرها للخارج. وأشار عيسى إلى أنه فى أحيان كثيرة ما يصدر طازج يعطى لمصر قيمة مضافة أكثر من سلع كثيرة مصنعة فمثلاً تصدير الفاصولياء الخضراء إلى الدول الأوروبية فى الشتاء يمنح المنتج المصرى ميزة قوية فمن غير المنطقى أن نصدر إليهم فاصولياء معلبة فى الوقت الذى لا يمكن منافستها مقابل منتجاتهم المصنعة محلياً. وكذلك العنب الطازج فى موسم تصديره والذى يصل إجماليه إلى 120 ألف طن سنوياً لا يمكن تصديرها مصنعين، وأيضاً البرتقال المصرى الطازج الذى نحتل به المركز الأول عالمياً، ولكن لا نستطيع منافسة مركزات البرتقال البرازيلية. ونوه رئيس المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية على أنه على الجانب الآخر هناك العديد من السلع الزراعية لا بد من التركيز على التوسع فى زراعتها بهدف التصنيع فى المقام الأول لتحقيق الاكتفاء الذاتى محلياً من جهة ولتصدير الفائض إلى الخارج مثل منتجات صلصة الطماطم، ولن يتحقق ذلك دون وضع الحكومة بالتعاون مع وزارة الزراعة لخريطة واضحة للمنتجات الزراعية المزروعة بهدف التصنيع والتصدير طازجة ليتركوا التنفيذ للمستثمرين على أرض الواقع..كما طالب بأن تنتهج الشركة المسئولة عن المشروع ذات السياسات المتبعة للشركة القائمة على مشروع تنمية محور قناة السويس لتذليل جميع العقبات أمام المستثمرين الجادين لبدء الحصول على الأراضى وتنفيذ مصانعهم الخاصة بدون تعطيلها نتيجة تراخيص أو روتين حكومي، كما اقترحوا أن تعتبر منطقة المليون ونصف المليون فدان كمنطقة ذات طبيعة خاصة مثل محور قناة السويس لتصبح الشركة المسئولة عن إدارتها لديها جميع الصلاحيات الحكومية بحيث يمنع تدخل أى عناصر أخرى لضمان نجاح المشروع. وأكد المهندس محمد شكري، رئيس شعبة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية أن التصنيع الغذائى جزء أصيل فى مشروع المليون ونصف المليون فدان وهو قائم فى الأساس على التنوع وفق الزراعات المستهدفة فى كل منطقة، متوقعاً أن يسهم هذا المشروع فى جذب شريحة مستثمرين جدد خصوصا أن قطاع التصنيع الزراعى لديه فرص استثمارية كبيرة وغير مكتشفة حتى الآن. وتابع شكرى أن الحكومة لا بد أن تكون راعت اشتراطات توفير مناخ مناسب لهؤلاء المستثمرين الجدد، فالمستثمر عندما يأتى يرغب فى وضع استثماره فى الأرض فور تأكده من وجود بنية تحتية جيدة، ومصادر مياه متوفرة، وتشريعات تيسر الاستثمار الزراعي، وسهولة فى نقل المنتجات ومناطق تجهيز وتخزين، والأهم من ذلك وجود بنوك قادرة على المساهمة فى تمويل تلك المشروعات، لافتاً النظر إلى أن المقوم الأساسى لجذب الصناعات هو نجاح المشروع فى الإنتاج الزراعي. وأوضح أن مصر لا توجد بها جهات تمول التصنيع الزراعى سوى بنك التنمية والائتمان الزراعى، لكنه يمر بأزمة شديدة منذ عدة سنوات نتيجة ارتفاع معدلات التعثر به وتحقيقه لخسائر كبرى أثرت على معدلات إقراضه لعملاء جدد، فيما تقف باقى البنوك لتشاهد فقط من بعيد دون محاولة الاقتراب من هذه السوق المفتوحة. فالقطاع المصرفى المصرى ليس لديه ضمان دراسة جدوى المشروع، هو فقط يرغب فى امتلاك أصول كضمان للتمويل الممنوح، وهذا لا يحدث فى البنوك الخارجية خصوصا أن طبيعة النشاط الزراعى تختلف كلياً عن التمويل الصناعى فكل له أدواته ومعطياته الخاصة، فالزراعة لا بد أن تمول بفائدة أقل، وطالب رئيس شعبة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية، البنك المركزى بضرورة تغيير خريطته الإستراتيجية من خلال إعادة توزيع حصص القطاعات الاقتصادية المختلفة فى المحافظ الائتمانية للبنوك. وأشار إلى أن المبادرات التى يطلقها البنك المركزى المصرى لدعم عدة قطاعات اقتصادية مثل الصناعة والسياحة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والعقارات، لا تزال بداية فقط لما يمكن فعله وتحقيقه لتحقيق نمو حقيقى لتلك القطاعات، مضيفاً أنه مطلوب وبقوة أن يصدر البنك المركزى تعليماته للبنوك بحصة إلزامية من محافظة لتمويل القطاع الزراعى خلال الفترة المقبلة لضمان نجاح المشروع القومى وتحقيق المستهدفات التى وضعها رئيس الجمهورية لإنهاء مشروع المليون ونصف المليون فدان فى موعده المحدد والبدء فى المرحلة الثانية منه. .وشدد على أن حجم الصناعات الغذائية فى مصر ليست كافية على الإطلاق، فلا تزال هناك العديد من المعوقات، وفى الوقت نفسه هناك العديد من الفرص ونحن نعول على مشروع المليون ونصف فدان باعتباره المادة الخام للصناعات الغذائية سواء كان إنتاجا زراعيا أو حيوانيا أو داجنيا، فكلما زادت الرقعة المنزرعة زاد الإنتاج الزراعى والصناعة والتصدير وقل سعر المنتج. وأضاف أنه لا يهم تحقيق الدولة اكتفاءً ذاتياً فى كل المنتجات ولكن لا بد أن يكون المستهدف هو زيادة حجم الصادرات عن الورادات ليصبح الميزان التجارى فى صالح مصر، وعلق على بعض الآراء المقللة من أهمية التصنيع الغذائى للمنتجات الزراعية المصرية، باعتبار أن الميزة التنافسية لها هى تصدير الخضر والفاكهة طازجة: “أن تصدير المنتجات الطازجة أو المبردة مطلوب والمصنع أيضاً مطلوب والمشترى هو مَن سيحدد هوية المنتج الأكثر طلباً، إنما إذا استطعت تصديرها مصنعة فهذا يمثل قيمة مضافة عالية للاقتصاد المصري”.