لا خلاف على أن مصر تسعى منذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الرئاسة إلى ايجاد استراتيجية زراعية تعوض العجز الغذائى بالبلاد وتضع بدائل لمشكلة التعدى على الأراضى الزراعية التى تلتهم مساحات كبرى من الأراضى الخصبة بالوادى والدلتا، خاصة بعد أن تجاوزت التعديات عليها حدود الخيال وآفاق المدى كما يقولون، ومن هنا جاء سعى الدولة لمشروع زراعة مليون فدان، والذى من المنتظر أن يخترق مناطق مستحدثة فى خريطة مصر، لينشيء من خلالها مجتمعات جديدة، بمحافظاتالمنيا (بالظهير الصحراوي)، والوادى الجديد (بواحات الفرافرة)، وجنوب مصر (بتوشكي)، ولا خلاف أن هذا المشروع ستكون له نتائج رائعة على المديين القريب والبعيد، فى تعويض الدولة عن خسائرها غير المحدودة من التعديات على المساحات الزراعية، وتحديدا بمنطقة الدلتا بوسط مصر, وفى مضاعفة الخزين المصرى من الإنتاج الزراعي، ومعالجة قضية العجز الغذائى التى انهكت اقتصاد مصر، بعد أن بلغت نسبة الواردات من المنتجات الزراعية خاصة القمح أرقاما خيالية. وأرصد هنا ما يلى: أولا: مع ابتهاجنا بمثل هذه المشروعات العملاقة التى لا تقل أهمية عن مشروع قناة السويس الجديدة فان السؤال الذى يطرح نفسه فى ضوء هذه المشروعات، ويأتى متناغما معها هو: متى تهتم الدولة بمشروع (الصناعة) بصفة عامة، كما تهتم بالمشروعات الزراعية، والتنموية، والمستقبلية، برغم أنه من الممكن أن تسير المشروعات الكبرى مجتمعة (زراعية أو صناعية أو تنموية) على خطى واحدة، فاقتحام الصحراء للزراعة، وانشاء مجتمعات جديدة، من الممكن أن يكون تربة خصبة لمشروعات صناعية كبرى تعتمد فى الأصل على المنتج الزراعي، خاصة أن مشروع المليون فدان ستقتحم به الدولة الجنوب والغرب (الصعيد وغرب الوادي) وهى المناطق المعروفة بزراعة أجود أنواع التمور والبلح والزيتون، ومن اليسير أن تقام على اثرها صناعات زيوت الزيتون، وحفظ التمور، وغيرها من الصناعات الغذائية وهو مجال خصب للاستفادة به على النطاقين الداخلى والخارجي، فى التصدير، خاصة أن مصر من أكثر الدول استيرادا لزيوت الزيتون وغيرها من الدول الأوروبية على وجه التحديد. ثانيا: إذا كانت مصر حريصة بالفعل على البدء فورا وعقب فترة وجيزة فى مشروعها العملاق الثاني، مشروع زراعة المليون فدان، وحددت له محافظاتالمنيا والوادى الجديد، وتوشكى فى الجنوب، فالسؤال الذى يطرح نفسه بقوة، وماذا عن شمال سيناء، التى نحلم جميعا بالقضاء على مصيبة الإرهاب بها، عن طريق اقتحامها تنمويا، ورأينا كيف أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد عرض فى زيارته للصين على رجال الأعمال الصينيين الاستثمار بها، وانشاء جامعة صينية عملاقة بالعريش ورفح والشيخ زويد، فكيف لم تدخل العريش، وشمال سيناء بصفة عامة فى نطاق مشروع المليون فدان، وهى التى كلفت الدولة عشرات الملايين من أجل توصيل ترعة السلام إليها، لاقامة مشروع عملاق تم الانتهاء من تشييده فى الثمانينيات من القرن المنصرم، والمعروف ان آلاف الأفدنة صالحة للزراعة فى شمال سيناء، وللأسف لم يتم استغلالها الاستغلال الأمثل، وظلت الزراعة بها حكرا على أنواع بعينها من الفواكه والتمور. ثالثا: إذا كنا نتحدث عن المشروعات (الزراعية الصناعية) فاننا بالتالى لا يمكن أن نغفل الدور السلبى الذى تتبعه الدولة من خلال تهميشها لزراعة القطن (الذهب الأبيض) وهى الزراعة التى تقوم بها أهم الصناعات فى مصر، صناعة الأقطان التى أهملت بالفعل، وكلنا يرى كيف أغلقت عشرات من مصانع النسيج أبوابها، وكيف تقلصت أكبر مصانع الغزل والنسيج فى المحلة وكفرالدوار، وكيف تم تسريح المئات من العمال المهرة، وأحيلوا للمعاش المبكر، بعد أن أصدرت الدولة قرارها الغريب، بعدم أخذ محاصيل القطن من الفلاح هذا العام (دون أسباب واضحة) مما دفعه إلى الانصراف عن زراعة القطن تماما، والاتجاه إلى نوعيات أخرى من الزراعات المنتجة، كما دفع عشرات المصانع إلى إغلاق أبوابها، فى خسارة كبرى لأهم صناعة عرفتها مصر منذ أكثر من مائة عام. رابعا: إذا كنا نتكلم عن الحلم الصناعى فمتى نجد الصناعات العملاقة تعود من جديد إلى بر مصر، وهى الصناعات التى قامت عليها فى يوم من الأيام نهضة مصر الحقيقية فى ستينيات القرن الماضي، مثل صناعة الحديد والصلب والأسمنت وصناعات المناجم كالمنجنيز والفوسفات والصناعات النحاسية، وصناعة السيارات، وقد وعد رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب بأن تسعى الدولة بكامل خبراتها لإنتاج أول سيارة مصرية هذا العام، وقد رأينا بأنفسنا كيف نجحت القوات المسلحة المصرية فى تصنيع أول مدرعة مصرية، على أعلى المواصفات، فمتى تعود نغمة الصناعة لتغرد من جديد، حتى نشهد بحق نهضة كاملة فى عصرنا الحديث. د.بهاء حسب الله كلية الآداب جامعة حلوان