تحل اليوم الأربعاء الذكرى ال74 لاستقلال لبنان، لكن تخيم عليها أجواء تشاؤمية حول الوضع الغامض الذي تعيشه هذه الجمهورية، في ظل تدخل عربي وغربي في شؤونها، ومحاولة إثارة الفوضى وإعادة بث الفتن وعدم الاستقرار داخلها، وهو ما تجسد مؤخرًا في استقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، بضغوط سعودية، لكن عودته اليوم إلى بيروت بعدما يقرب من ثلاثة أسابيع قضاها بين الاحتجاز في المملكة والزيارات الإقليمية والدولية، وإعلانه التراجع عن الاستقالة بشكل مفاجئ، يفتح الباب أمام تساؤلات حول عودة لبنان إلى استقرارها أو بداية أزمة جديدة هناك. استقلال لبنان وقعت لبنان تحت الانتداب أو الاحتلال الفرنسي عام 1920، وذلك نتيجة للحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية، وبحسب تقسيمات اتفاقية "سايكس-بيكو" والتي تم تأييدها لاحقًا بقرارات من عصبة الأمم، وقعت هي وسوريا تحت نظام الانتداب الفرنسي، وذلك بعد إعادة ترسيم الحدود بين البلاد التي كانت خاضعة للحكم العثماني، حيث أعلن الجنرال "غورو" دولة لبنان الكبير في 1 سبتمبر عام 1920، معلنًا بيروت عاصمة لها، وتمثل علم الدولة حينها في دمج علمي فرنساولبنان معًا. بعد صراع سياسي استمر لنحو ست سنوات، اتحد المسيحيون والمسلمون اللبنانيون معًا فيما عرف ب"الميثاق الوطني اللبناني"، وفي 23 مايو عام 1926 أقر مجلس الممثلين دستورًا جديدًا، وأعلن استقلال لبنان وقيام الجمهورية اللبنانية عام 1943، لتنسحب القوات الفرنسية نهائيًّا بحلول 17 إبريل عام 1946. على الرغم من استقلال الجمهورية اللبنانية عن الاحتلال الفرنسي منذ أكثر من 7 عقود، وعدم وجود قوات أجنبية داخل الدولة بشكل مباشر، إلا أن الكثير من اللبنانيين يرون أن الاستقلال الحقيقي لدولتهم لم يتحقق بعد بشكل كامل، حيث لا تزال لبنان تعاني من التدخلات الأجنبية، خاصة من بعض الدول العربية في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يجعل الذكرى ال74 تحل في وقت تبحث فيه لبنان عن مزيد من الاستقلال الفعلي والحقيقي. "الحريري" يتراجع مفاجأة مدوية فجرها رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، حول استقالته التي تقدم بها قبل أسابيع قليلة من السعودية، حيث أعلن تراجعه عن هذه الاستقالة، وذلك بعد الاجتماع مع الرئيس اللبناني، ميشال عون، عقب الاحتفالات التي أقامتها الدولة بشأن عيد الاستقلال، حيث قال الحريري: ناقشت مع الرئيس اللبناني مسألة استقالتي، وطلب مني التريث بالأمر، وأضاف الحريري أنه تجاوب مع مطلب عون، مؤكدًا أنه يجب الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن الحروب والنزاعات الإقليمية، وتابع الحريري: أتطلع إلى شراكة حقيقية من كل القوى السياسية في لبنان؛ لتقديم مصلحة البلاد العليا على أي مصالح أخرى. تراجع "الحريري" عن استقالته يتناسق مع الأنباء التي خرجت قبل أيام حول وساطة فرنسية مصرية مع السعودية لإبقاء رئيس الوزراء اللبناني في منصبه، حيث كشفت مصادر دبلوماسية أمس الثلاثاء أن فرنسا تسعى مع مصر لوساطة مع السعودية تُبقي "الحريري" في منصبه، وأكدت هذه المصادر أن "اجتماعات مكثفة عُقدت عشية عودة الحريري إلى بلاده، في العاصمة القبرصية نيقوسيا، بين مسؤولين فرنسيين ومصريين كانوا يرافقون الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى هناك؛ للمشاركة في القمة المصرية القبرصية اليونانية التي عٌقدت الثلاثاء الماضي. وبحسب المصادر فإن الجانب الفرنسي يلحّ على بقاء الحريري في منصبه، ويمكن إدخال تعديلات تعزز وضعه داخل الصيغة اللبنانية، كما يبدي خشية كبيرة من حصول فراغ حكومي يؤثر بقوة في الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في لبنان. وقالت المصادر ذاتها إن "السيسي قد أبدى دعمه لهذا التوجه خلال استقباله للحريري، وإن مفاوضات تجري بين القاهرة والإمارات والسعودية لهذه الغاية، وإن القاهرة تعوّل على استثمار ما صدر قبل أيام عن مجلس وزراء الجامعة العربية لإقناع الجانب السعودي بأنه لا بديل من التسوية القائمة في لبنان، وأن اللبنانيين، كالعواصم العربية والدولية، أظهروا تمسكًا كبيرًا ببقاء الحريري في منصبه". تراجع سعودي أم بداية توترات؟ يبدو أن الضغوط السياسية الإقليمية والدولية التي مارستها العديد من دول العالم على السعودية خلال الفترة الأخيرة، وعلى رأسها فرنسا ومصر، دفعت المملكة إلى التراجع عن مخططها الفوضوي في لبنان، خاصة أن هذا المخطط لم يسر وفق أهواء الرياض بشكل كامل، فمنذ خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ومواقف السياسيين اللبنانيين وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب، نبيه بري، ورئيس الجمهورية، ميشال عون، التي حافظت على هدوئها وحكمتها في التعامل مع التدخل السعودي في شؤون لبنان، شعرت المملكة بإجهاض مخططها الذي كان يقوم على إشعال الأوضاع في لبنان والتصعيد مع المملكة، وهو ما كانت تعول عليه المملكة؛ لاتخاذه ذريعة لتصعيد العدوان على لبنان بمساندة إسرائيل وأمريكا. يأمل العديد من اللبنانيين على المستوى الشعبي والسياسي أن يكون تراجع رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، عن استقالته، بعد ساعات من عودته إلى بيروت، وبعد أسابيع طويلة قضاها بين الاحتجاز والجولات السياسية الإقليمية والدولية، هو تمهيد لانتهاء الأزمة السياسية الراهنة، التي عطلت بدورها مهام الحكومة لأسابيع، وأحدثت شللاً في الحياة السياسية بشكل عام داخل الجمهورية، خاصة أن العودة عن الاستقالة ما كانت لتتم إلا بضوء أخضر سعودي بعد الوساطات الفرنسية والمصرية. فيما ينظر البعض إلى هذا التراجع على أنه بداية انطلاق الأزمة واشتعال الأوضاع، فالمملكة لن تكون راضية عن هذا التراجع وإحراجها سياسيًّا في المنطقة، خاصة أنها كانت تحاول أن تأخذ من لبنان ساحة جديدة لإشعال المنطقة بالتوترات وفق المخطط الصهيوأمريكي.