لا تزال استقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، التي تقدم بها من المملكة العربية السعودية، تحتل المكانة الأبرز في الاهتمام العالمي، فعلى الرغم من مرور ثلاثة أسابيع على هذا الحدث، إلا أن زيارته لفرنسا، أمس الجمعة، فتحت الباب من جديد أمام المزيد من التساؤلات حول أسباب وتداعيات الدخول الفرنسي بهذه القوة على خط الأزمة اللبنانية السعودية. الحريري إلى فرنسا وصل رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، أمس السبت، إلى العاصمة الفرنسية باريس برفقة زوجته، على متن طائرة خاصة حطت في مطار «لو بورجيه» للطائرات الخاصة، قادمًا من العاصمة السعودية الرياض، تاركًا خلفه اثنين من أبنائه في المملكة السعودية، بحجة «الامتحانات المدرسية»، حيث انتقل الحريري فور وصوله إلى منزله القريب من قصر الإليزيه، ليلتقى مستشاره، نادر الحريري، ووزير الداخلية اللبناني، نهاد المشنوق، ثم وصل إلى قصر الإليزيه؛ ليجتمع مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون. على الرغم من الحرارة الفرنسية اللافتة في استقبال الحريري، وتغيّر ملامح الأخير منذ أن وطئت قدماه العاصمة الفرنسية باريس عن ملامحة أثناء إلقائه خطاب الاستقالة في الرياض، أو أثناء حديثه مع الإعلامية، بولا يعقوبيان، في المملكة أيضًا خلال الأسبوع الماضي، إلا أن «الحريري» ظل مقلاًّ في التصريحات الإعلامية، فيبدو أن التزامه الصمت وحديثه على استحياء عن الأزمة اللبنانية التي تسبب فيها مؤخرًا، هي أوامر عليا من قيادات في المملكة السعودية، لم يتمكن رئيس الوزراء اللبناني من كسرها. عقب لقاء رئيس الوزراء اللبناني، الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه، أكد الحريري أنه «سيفصح عن مواقفه السياسية من بيروت بعد لقائه الرئيس عون»، وأضاف: فرنسا أظهرت دورها في العالم، وعبر ماكرون عن صداقة لي، ولن أنساها، ففرنسا تلعب دورًا إيجابيًّا في المنطقة، خصوصًا في هذه المرحلة. وتابع رئيس الوزراء اللبناني: سأذهب إلى بيروت في الأيام المقبلة؛ للمشاركة في احتفالات عيد الاستقلال، وسأوضح موقفي بكل القضايا بعد الاجتماع برئيس الجمهورية، مؤكدًا: إننا سنناقش مسألة استقالتي عندما أعود إلى بيروت، وألتقي برئيس الجمهورية. «سأحضر عيد الاستقلال في لبنان» هو الإعلان الصريح الوحيد الذي يمكن استخلاصه من حديث الحريري، فضلًا عن الشكر الذي وجهه إلى فرنسا، وعلى الرغم من إطلاق هذا الوعد صراحة، إلا أنه يظل مشكوكًا في إمكانية تحقيقه، حيث كاد مراقبون أن يجزموا بأن الحريري لن يحضر عيد الاستقلال الموافق 22 نوفمبر الجاري في لبنان، وأن وعوده هذه هي جزء من وعود سابقة أطلقها ولم تتحقق، حيث قال بعد أيام من إعلان استقالته إنه سيكون في بيروت خلال يومين أو ثلاثة على الأكثر، لكن هذا لم يحدث على أرض الواقع. عودة الخط المقطوع كمؤشر على صدق الأقاويل التي تحدثت عن اعتقال الحريري في السعودية ومصادرة هاتفه ومتعلقاته الشخصية، أجرى رئيس الوزراء اللبناني فور وصوله إلى باريس العديد من الاتصالات مع المسؤولين اللبنانيين، وكأن الخدمه كانت مقطوعه في الرياض وتم وصلها في باريس، حيث اتصل «الحريري» برئيس مجلس النواب، نبيه بري، وأجرى اتصالًا هاتفيًّا مع الرئيس اللبناني، ميشال عون، مؤكدًا أنه سيعود إلى لبنان قبل عيد الاستقلال، وأنه سيشارك الى جانب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس في الاحتفال بالعيد. الكرة في ملعب حزب الله مع الحديث عن قرب عودة الحريري إلى بيروت، تتحضر لبنان رسميًّا لدراسة أسباب الاستقالة وخيارات الرئيس اللبناني، ميشال عون، للخروج من الأزمة الحكومية التي خلقها رئيس الوزراء باستقالته المفاجئة، حيث أكدت مصادر لبنانية أن هناك محادثات سياسية تجري في بيروت لتفادي الوقوع في فخ الفراغ الحكومي، وتجري هذه المحادثات في الوقت الذي أكدت فيه العديد من المؤشرات أن الحريري قد يعود عن قرار الاستقالة في حال مراعاة شروطه، التي من المؤكد أنها في الأصل إملاءات سعودية، وستتضمن محاولات إجبار حزب الله على تغيير استراتيجيته السياسية في التعامل مع الأزمات الإقليمية، أو على الأقل التزامه الحياد وعدم المشاركة فيها، وإلا الخروج من المشهد السياسي اللبناني بشكل كامل، وهي الشروط التي من المؤكد سيرفضها «حزب الله»، وستؤول إلى تمسك «الحريري» باستقالته وتوجهه إلى قصر بعبدا؛ لتقديمها رسميًّا إلى الرئيس «عون». بذلك تكون الرياض قد خططت بإحكام لإسقاط لبنان في الفوضى من خلال إحداث فراغ حكومي وإرباك المشهد السياسي ككل، فتكريس الحريري استقالته يعني البحث عن رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة جديدة، وهنا سيبرز دور السعودية مجددًا، حيث ستعمل على محاصرة الشخصيات السياسية السنية ذات الوزن الثقيل، كي لا تتقدم لتشكيل الحكومة، لتعميق المأزق السياسي في الداخل اللبناني، على أن يتزامن ذلك مع ارتفاع في وتيرة التصعيد باتجاه لبنان عربيًّا ودوليًّا، وهو ما ستظهر نواته الأولى في البيان الختامي للقمة العربية الطارئة المنعقدة في القاهرة اليوم الأحد، والتي سيكون موضوع «أذرع إيران في المنطقة وتهديداتها» هو الملف الأبرز على طاولتها. الاهتمام الفرنسي منذ اندلاع الأزمة اللبنانية السعودية، كانت فرنسا أول اللاعبين الدوليين الذين سارعوا بالدخول على خط الأزمة، حيث توجه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الرياض في 9 نوفمبر الجاري، أي بعد أيام من استقالة الحريري وانتشار اللغط حول احتجازه في المملكة، وتبع هذه الزيارة بأيام إرسال مستشاره الرئاسي للشؤون الخارجية، اورليان دو شوفالييه، إلى بيروت، ثم زيارة وزير الخارجية الفرنسي، إيف جان لورديان، للرياض قبل أيام للقاء الحريري مجددًا، ثم دعوة رئيس الوزراء اللبناني لزيارة باريس. هذه الزيارات لم تكن المؤشر الوحيد على الاهتمام الفرنسي بالأزمة اللبنانية، حيث أعلن مصدر رئاسي فرنسي، أمس السبت، أن فرنسا تبحث استضافة اجتماع لمجموعة دعم دولية للبنان؛ لبحث الأزمة السياسية، وأضاف المصدر أنه لم يتم اتخاذ أي قرار حتى الآن بشأن الاجتماع، أو ما إذا كان سيعقد على المستوى الوزاري، وتشمل المجموعة بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وألمانيا، واعتبرت الرئاسة الفرنسية أن مجيء سعد الحريري إلى باريس يساهم في تخفيف حدة التوتر في الشرق الأوسط، حيث ستواصل فرنسا التحرك في هذا الاتجاه. في ذات الإطار أعلن قصر الإليزيه، أمس السبت، أن الرئيس الفرنسي أجرى عدة اتصالات هاتفية بعدد من القادة، من بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس عبد الفتاح السيسي، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ لبحث سبل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، كما تحدث ماكرون مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، والرئيس اللبناني ميشال عون. كل هذه الزيارات المتبادلة، ناهيك عن الاتصالات الهاتفية، والتصريحات الفرنسية حول علاقة الحريري بباريس واهتمام القادة الفرنسيين بالشأن اللبناني، أكدت انشغال الساسة هناك بالأزمة اللبنانية السعودية بشكل غير مسبوق، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول أسباب الحماس الفرنسي لحل الأزمة اللبنانية في أقرب وقت، حيث يرى خبراء أن هذا الحماس ينطلق من كون فرنسا تربطها علاقة مميزة في لبنان مع الطوائف الثلاث، بما في ذلك تواصلها مع حزب الله، فضلًا عن علاقات تاريخية جيدة إلى حد ما مع السعودية، وهو ما يجعلها جديرة بالوساطة في الأزمة. في ذات الإطار رأى البعض أن اهتمام ماكرون بالأزمة ينبع من كون «الحريري» يرتبط بعلاقة اقتصادية وسياسية وثيقة مع باريس، أضف إلى ذلك أنه يحمل الجنسية الفرنسية؛ ما يجعل باريس تتعامل معه على أنه مواطن فرنسي، فيما اعتبر آخرون أن تدخل فرنسا في هذه الأزمة هو محاولة لتجميل صورة المملكة السعودية، حيث تأتي زيارة الحريري لباريس كمحاولة لتأكيد رواية الرياض بأن رئيس الوزراء اللبناني غير محتجز وحر الحركة، وينتقل من دولة إلى أخرى. فيما اعتبر آخرون أن الانشغال الفرنسي بحل الأزمة اللبنانية في أسرع وقت ينبع من محاولات «ماكرون» منذ وصوله إلى السلطة استعادة وضع بلاده في قلب الساحة الدولية، مستغلاًّ في ذلك المخاوف التي باتت تثيرها سياسة أمريكا المتهورة، وضمور الدور البريطاني في المنطقة بسبب عملية البريكست، ليصبح الطريق مفتوحًا أمام فرنسا لتكتسب المزيد من النفوذ الإقليمي، وتلعب دور أقوى وأبرز في قضايا الشرق الأوسط.