على الرغم من التصريحات التفاؤلية التي يصدرها البيت الأبيض بين الحين والآخر، حول أهمية العلاقات مع روسيا والتعاون بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأمريكي، دونالد ترامب، لكن يبدو أن الازدواجية والتناقض الأمريكي قد وصلا إلى العلاقات مع الدول الأخرى، حيث يتبادل الطرفان الأمريكي والروسي بعض الإجراءات والخطوات الاستفزازية لكل منهما، الأمر الذي يثير أجواء مضطربة بين البلدين، ويُضاعف التوترات بينهما بشكل يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة. أوروبا الشرقية.. ورقة الضغط على روسيا تستخدم أمريكا منذ عقود علاقاتها مع الدول الأوروبية كورقة ضغط على روسيا، حيث تسعى دائمًا إلى تسليح حلفائها بأوروبا الشرقية فى مواجهة نفوذ موسكو المتصاعد في المنطقة، وهي النقطة التي تثير مخاوف وغضب الدب الروسي، وتخلق المزيد من التوترات بين الطرفين، وهو ما سعت واشنطن إلى إحداثه مؤخرًا، بتزويدها بولندا بمنظومة "باتريوت" الدفاعية الصاروخية المتحركة والقادرة على رصد الصواريخ البالستية التكتيكية أو الصواريخ العابرة والطائرات. أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن الولاياتالمتحدة وافقت، أمس الجمعة، على بيع منظومة باتريوت لبولندا، مقابل 10.5 مليارات دولار، وأكدت أن الصفقة تشمل أربعة رادارات ومحطات مراقبة و16 منصة إطلاق و208 صواريخ أرض جو، بالإضافة إلى معدات تابعة ضرورية للتشغيل والصيانة، وذلك بناء على عرض مفصل كانت مجموعة "ريثيون" الأمريكية المصنعة لصواريخ باتريوت قدمته إلى بولندا في أواسط أكتوبر الماضي، ليبقى أمام الكونجرس الأمريكي مهلة 15 يومًا لمعارضة الصفقة، لكن من غير المرجح أن يقوم بذلك، بالنظر إلى العلاقات الوثيقة التي تقيمها واشنطن مع هذه الدولة الحليفة في الحلف الأطلسي، حيث قال مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية "أن تكون أوروبا آمنة وقادرة على التصدي لأي تهديد جوي أو لأي شكل آخر من العدوان، من شأنه أن يعزز السلام والاستقرار في حلف شمال الأطلسي وفي القارة الأوروبية". الفيتو الروسي يثير غضب أمريكا يأتي الإعلان الأمريكي عن تزويد أمريكا لبولندا بصواريخ باتريوت بعد يومين من خطوات روسية أثارت غضب أمريكا، وأحبطت مخططاتها في سوريا، حيث استخدمت روسيا، أمس الجمعة، حقها بالنقض "الفيتو" ضد مشروع قرار تقدمت به اليابان، ينص على تمديد تقني لمدة شهر واحد لمهمة الخبراء الدوليين المكلفين بالتحقيق في استخدام اسلحة كيميائية بسوريا، وصوت لصالح مشروع القرار الياباني 12 عضوًا من أصل 15 عضوًا في مجلس الأمن، فيما عارضته بوليفيا إلى جانب روسيا، التي استخدمت حقها بالنقض، فيما امتنعت الصين من جهتها عن التصويت. استخدام روسيا لحق النقض ضد مشروع القرار الياباني يعتبر الثاني من نوعه خلال ال24 ساعة الماضية، حيث استخدمت روسيا حق النقض نفسه، الخميس الماضي، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي، خلال تصويت من أجل تبني مشروع قرار أمريكي حول تمديد آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأممالمتحدة في سوريا، وحصلت الوثيقة على تأييد 11 دولة مقابل روسياوبوليفيا، وامتنعت الصين ومصر عن التصويت، فيما تم طرح مشروع القرار الروسي للتصويت بخصوص آلية التحقيق المشتركة في سوريا، الذي وضعته الصينوبوليفيا، وحصلت الوثيقة على 4 أصوات مؤيدة، وصوتت كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا والسويد وأوكرانيا وإيطاليا وأوروغواي ضد الوثيقة، وامتنع 4 أعضاء عن التصويت، هي إثيوبيا واليابان ومصر والسنغال، وبذلك لم تحصل الوثيقة على العدد المطلوب من الأصوات لتبنيها. استخدام روسيا حق الفيتو خلال مشروع القرارين الياباني والأمريكي يعني إحباط آمال واشنطن بشأن فرض عقوبات على النظام السوري، وذلك بعد أن خلص خبراء آلية التحقيق المشتركة بين منظمة الأممالمتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، في 26 أكتوبر، إلى أن الحوادث التي وقعت في خان شيخون في 4 إبريل الماضي استخدمت القوات الحكومية خلالها غاز السارين، وتلك التي وقعت في "أم الحوش" في 15 و16 سبتمبر عام 2016 استخدم خلالها تنظيم داعش غاز الخردل، وهو التقرير الذي وصفته روسيا حينها بأنه غير مهني ولم يستند إلى أدلة مقنعة، بل اعتمد في صياغته على حقائق مشكوك فيها. رد انتقامي أمريكي ربط العديد من المراقبين بين انهيار الآمال الأمريكية في مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي، وتوقيت الإعلان عن تزويد واشنطن لبولندا بأنظمة الباتريوت، حيث تتيقن الولاياتالمتحدة من أن أوروبا الشرقية هي الخاصرة الرخوة لروسيا، والتي تهدد أمنها القومي، الأمر الذي يدفعها إلى استخدام هذا الملف كورقة ضغط أو رد انتقامي أمريكا تجاه موسكو، بعد كل تحرك روسي يجهض الآمال الأمريكية في المنطقة، خاصة أن الوضع الأمريكي في سوريا في الوقت الحالي يثير قلق العديد من المسؤولين في واشنطن؛ بسبب إحكام الجيش السوري قبضته على البلاد بمساندة روسيا، وهو ما يثير سخط أمريكا، ويجعلها تلجأ إلى أوراق القوة التي لديها تجاه منافستها اللدودة في المنطقة، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة بين البلدين. تأتي هذه التحركات لتتناقض تمامًا مع تصريحات البيت الأبيض بشأن أهمية العلاقات مع الدب الروسي، حيث أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، أمس الجمعة، أن رئيس الولاياتالمتحدة، دونالد ترامب، يعتقد أنه يحتاج إلى العمل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ويريد العمل معه حول القضايا الهامة، وأضافت ساندرز أن "الرئيس لن يدور حول دائرة مفرغة في موضوع أنه يحتاج للعمل مع هذا الزعيم العالمي، وهو يريد العمل معه على التحديات الجدية، التي يواجهها بلدنا الآن".