اشتعلت أجواء الحرب في صحراء سيناء بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973، حيث انتشرت حوالي 2000 قطعة مدفعية مصرية، وصواريخ كاتيوشا، ومدافع الهاوتزر، وصواريخ أرض – أرض، على الضفة الشرقية لقناة السويس، وقد تمكنت القوات المصرية من تدمير المواقع الدفاعية الإسرائيلية في دقائق، والتي أنشأها الإسرائيليون في سنوات، وبدون سابق إنذار، أطلق سلاح الجو المصري 222 من مقاتلات ميج وسوخوي، ليسمع الجميع صراخها في السماء، وقصفت مواقع القيادة والبطاريات السطحية والجوية والقواعد الجوية ومقالب الإمدادات ومنشآت الرادار الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، وعلى بعد بضع مئات من الأميال إلى الشمال، هزت التلال الوعرة لمرتفعات الجولان انفجارات ضخمة، حيث هاجمت 100 من طائرات ميج السورية مواقع إسرائيلية، بجانب قوة هجومية قوامها 900 دبابة و40 ألفًا من مشاة الجيش السوري، والذين عبروا الحدود إلى الأراضي "المحتلة" الإسرائيلية. بدأت حرب أكتوبر، وقبل أن تنتهي، سطرت في التاريخ أحد أهم حروب القرن العشرين، والتي قادت إلى ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وعلى الرغم من انتهاء هذا القتال القصير كان لهذه الحرب أثر كبير، فقد كسرت الجمود السياسي. تعود جذور حرب 1973 إلى حرب الأيام الستة في يونيو 1967، حين هجمت قوات الجيش الإسرائيلي على الأراضي العربية، واحتلت مرتفعات الجولان في سوريا، وشبه جزيرة سيناء في مصر، والقدس الشرقية من الأردن، ومن ثم تبعتها حرب الاستنزاف، ولكنها لم تستعد الأراضي المحتلة، ولذلك قرر أنور السادات، الرئيس المصري، شن الحرب؛ لاستعادة الأراضي، ليذهب إلى حافظ الأسد، الرئيس السوري، والذي تحمس لاستعادة الجولان، وأكد للسادات أنه سيكون معه، واتفق مع الأردن والعراق على توفير عدد قليل من الوحدات العسكرية. قرر السادات بدء القتال، ولم يكن أمامه خيار سوى الحرب، حيث رأى أن إسرائيل لن تتفاوض على الأراضي المحتلة، إلا إذا تلقت تهديدًا عسكريًّا، وكان يعلم أنه إذا صنع السلام بدون قتال، فإن السعودية والدول الغنية ستقطع مساعدات التنمية عن مصر، في الوقت الذي تحتاج إليها البلاد بشدة. لم يدمر السادات إسرائيل، لأن الولاياتالمتحدة لن تسمح بتدمير حليفتها، ولكن كان هدف السادات توجيه ضربة من شأنها هز الجيش الإسرائيلي والذي وصف نفسه بالذي لا يقهر، نتيجة انتصاراته المتتالية والسريعة في حرب 1967. اعتقد السادات أن عليه توجيه ضربة سريعة وقاسية إلى إسرائيل، وبمجرد بدء القتال سيتورط الاتحاد السوفييتي والولاياتالمتحدة، فقد تدخل الأمريكان لحماية إسرائيل، والروس لمساعدة سوريا والحفاظ على نفوذهم في المنطقة، كما افترض السادات أن الأممالمتحدة ستصر على وقف إطلاق النار، كما أن مفتاح استعادة مصر أكبر مساحة من أراضيها المحتلة سيكون من خلال المفاوضات. بدأ المصريون والسوريون عمليتهم من الأمام، بالتنسيق مع القاهرة، فمع اقتحام المصريين وعبورهم قناة السويس، سيطروا على جزء من سيناء، بينما كانت القوات السورية تتحرك في مرتفعات الجولان، واستعان القادة العسكريون للبلدين بصواريخ الاتحاد السوفييتي وأنظمة دفاعه الجوي. ومنذ حرب 1967 بنت إسرائيل دفاعات هائلة لأراضيها الجديدة، شملت خط بارليف، وسلسلة من التحصينات لمسافة 100 ميل على طول قناة السويس، من البحر المتوسط في الشمال إلى خليج السويس في الجنوب، وفي مرتفعات الجولان بنت شبكة معقدة من الخنادق المضادة للدبابات، ومنصات إطلاق النار، ووظائف الاستماع من الأراضي الإسرائيلية. شعر الجيش الإسرائيلي بالأمان من وراء هذه الحواجز، قبل الهجوم المصري، كانت أقل من نصف دفاعات بارليف مأهولة بالكامل، وبعد تقويض الثقة العربية في حرب عام 1967، قلل القادة العسكريون الإسرائيليون من شأن خصومهم. وخلال فصل الصيف وأوائل الخريف من عام 1973، وضع القادة العسكريون المصريون والسوريون اللمسات الأخيرة على خططهم، وقرروا بدء الهجوم في 6 أكتوبر، حين يتناسب المد والجزر في قناة السويس ويعد الوقت الأمثل للعبور، كما سيوافق هذا اليوم عيد الغفران، وهو يوم مقدس لليهود، ظلت إسرائيل غير مدركة إلى حد كبير للخطة العربية، وذلك بفضل الخدعة. بعد خسائر فادحة، عبر السوريون الخنادق الإسرائيلية في 7 أكتوبر، وهاجموا قوات العدو بشراسة، ولكن أمطر الإسرائيليون المشاة في الوادي أدناه بالنار، وقتلوهم. وفي الوقت نفسه، كانت العمليات المصرية في سيناء تسير على ما يرام. إن إرادة المصريين وتكتيكاتهم فاجأت الإسرائيليين، وسرعان ما أصبح الوضع حرجًا بالنسبة لإسرائيل، إذ في الأيام الأربعة الأولى من الحرب، فقدت تل أبيب 49 طائرة حربية وحوالي 500 دبابة، وقد اجتاحت الحكومة الإسرائيلية حالة من الذعر، لترسل الولاياتالمتحدة المساعدات العاجلة لإسرائيل، وتساندها في حربها ضد مصر وسوريا. في هذه اللحظة، اتخذت الحرب منعطفًا دراماتيكيًّا مع استعدادات السادات مع حلفائه، حيث قبل الحرب، حصل على اتفاق من المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية المنتجة للنفط للحد من الصادرات إلى الدول التي لم تدعم القضية العربية، ووفقًا لهذا الاتفاق، فرضوا حظرًا على صادرات النفط إلى الولاياتالمتحدة وأوروبا. وقد اهتزت أسواق النفط العالمية، وتضاعفت أسعاره إلى ما يقرب من 12 دولارًا للبرميل بحلول عام 1974، وكانت خطة السادات استراتيجية جيوسياسية في أرقى مستوياتها؛ فقد حولت الدول العربية لأول مرة احتياطياتها النفطية الضخمة إلى سلاح سياسي قوي، وهو تكتيك سيتكرر لعقود قادمة. انتهت الحرب بوحشية، وكانت اشتباكات المدرعات في هذه الحرب هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية وأعلاها تكلفة، وكانت حصيلة ضحايا مصر وسوريا 60 ألف جندي، مع تدمير أكثر من 2000 دبابة، وعلى الرغم من أن إسرائيل شهدت خسائر أقل من 12 ألف جندي، فقد كانت الهجمات العربية بمثابة ضربة قاسية على قوتها العسكرية، وحسب أحد التقديرات، تكلفت حرب إسرائيل ما يعادل ناتجها القومي الإجمالي لمدة عام، كما في سيناء وحدها، دمر المصريون 110 طائرات هليكوبتر، أي حوالي ربع القوة الجوية الإسرائيلية. لقد عانت إسرائيل من أضرار نفسية جسيمة نتيجة الحرب المصرية السورية، حيث هدد العرب إسرائيل بشدة في أيام الحرب، وأثبتوا أن قادة إسرائيل غير مستعدين تمامًا للحرب، وقد ساهمت لجنة خاصة من كبار القادة في كل من الجيش الإسرائيلي وجهاز المخابرات، وتداعيات الحرب في إبعاد مائير من السلطة في عام 1974، جنبًا إلى جنب مع دايان. لا يزال العرب يرون الحرب حتى الآن صراعًا مجيدًا ضد خلاف غير عادل، فقد كانت معركة كبيرة لاستعادة الشرف المفقود، وقد كسر السادات العصيان الإسرائيلي، وأعاد الفخر الوطني، وحصل على الدعم السعودي والعربي، ووضع أسس المفاوضات المصرية الإسرائيلية على سيناء. المثير للإعجاب أن حرب أكتوبر فريدة من نوعها على مستوى التنفيذ، وهي واحدة من أكثر الصراعات تأثيرًا في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي آخر الحروب العربية الإسرائيلية الكبيرة، وتعد أول صراع عالمي لعب النفط فيه دورًا محوريًّا، كما أعلن عن نظام جديد ليس فقط في الشرق الأوسط، ليشمل النظامين السياسي والاقتصادي العالميين. المصدر