كتب: أحمد الأنصاري -جمال عبد المجيد –وسام حسين –محمد زهران لم يبق لأهالي الفقراء الذين رحل أبناؤهم إلى ليبيا بحثًا عن العمل، إلا ذكرى ذويهم، الذين غادروا البلاد بحثًا عن لقمة العيش، فخرجوا ولم يعد منهم إلا جواز السفر، ودُفنت رفاتهم بالصحراء، بعدما ماتوا من الجوع والعطش تحت حرارة الشمس الحارقة. مسلسل دامي مستمر، البطل فيه إهمال الحكومة والمحليات بالمحافظات، خاصة الصعيد، والضحايا من الشباب الفقراء ومحدودي الدخل، الذين قرروا الهجرة إلى ليبيا لتحسين حالتهم المعيشية، في ظل حالة الغلاء المستمر وقلة فرص العمل بمحافظاتهم، وانعدام الخدمات بالقرى والعزب، فلم يتبق لهم إلا تلك الدولة ذات الحدود الممتدة وتأشيرة سفرها غير الشرعية التي لا تتطلب سوى 3 آلاف جنيه، و"سمسار جبل" لعبور الحدود. كانت السلطات الليبية، أعلنت ليلة الخميس الماضي، عن العثور على جثث 13 مهاجرًا مصريًا ماتوا بعد تعطل سيارتهم في واحة جغبوب القريبة من الحدود المصرية الليبية، وعثرت دورية تابعة للجيش الليبي على جثامين المهاجرين في صحراء الواحة الواقعة على بعد 200 كيلومتر جنوب مدينة طبرق، وأبلغت بدورها الهلال الأحمر الليبي لبدء عملية الانتشال. من جانبها، رصدت "البديل" أوجاع أهالي الضحايا، وكعادتها تصدرت محافظة المنيا المشهد، بفقدان 5 من أبنائها في الحادثة المؤلمة، التي أعادت إلى الأذهان فقدان أكثر من 40 شابا خلال السنوات الأخيرة، غالبيتهم من قرى مركزي سمالوط وبني مزار في وقائع مماثلة، إذ خيم الحزن على قرية السوبي بسمالوط لوفاة تامر محمد بدوي، 28 سنة حاصل على دبلوم، بعد العثور على جثته ضمن الضحايا. حمدي محمد، ابن خال الضحية، قال إن تامر غادر إلى ليبيا عقب العيد بيومين، للبحث عن الرزق، وأنه متزوج ولديه طفلين، أكبرهما يبلغ من العمر ثلاث سنوات، والأصغر عام وهو أصغر أشقائه، وجرت عملية السفر عن طريق شخص جاء بسيارة ميكروباص استقلوها حتى السلوم، ثم اتبعوا طرقًا غير شرعية لا يعرفها، من خلال أحد السائقين والمعروفين بسماسرة الجبل. وأوضح ابن خال الضحية، أن آخر مكالمة من تامر كانت قبل مغادرته مصر، وبمجرد سفره لم يسمعوا عنه شيء أو يتصل بهم حتى عرفوا الخبر من المواقع الإخبارية، لافتًا إلى أن والده متوفى ووالدته في حالة مرضية صعبة، وانهارت تماما بعد معرفتها خبر وفاة ابنها، لاسيما أن العائلة فقدت شابا آخر منذ شهرين يدعى إسلام أبو العزايم، 27 سنة، وابن خال تامر، وتوفي في ظروف غامضة أيضًا. ولا تختلف الأوضاع كثيرا في قرية منشأة اليوسفي التابعة لمركز بني مزار شمال المنيا، التي فقدت شابين هما سعيد صلاح سعيد، 33 سنة عامل زراعي، وعمرو جمال أحمد، عامل 23 سنة، وقال أحمد عبدالله، أحد أهالي القرية، إن الأول يعمل باليومية في الأراضي الزراعية، وحالته المادية وأسرته سيئة للغاية، خاصة أنه متزوج ويعول 3 أبناء، وقرر الذهاب إلى ليبيا برفقة بعض زملائه للعمل في الزراعة وتحسين حالته، وكذا الحال لعمرو جمال، الذي انتهى من تعليمه وحصل على دبلوم منذ 6 سنوات، ولم يجد عملا لسوء الحالة الاجتماعية لغالبية قرى المحافظة، وسافر إلى هناك لمقابلة بعض أقاربه الذين يعملون هناك منذ سنوات، إلا أن الرحلة انتهت بموتهم جميعا. وناشد عبدالله السلطات بتشديد الرقابة على الحدود، ومطاردة السماسرة الذين انتشروا بشكل كبير في السنوات الخمس الأخيرة، ويضللون الشباب في الصحراء وينهون حياتهم، مؤكدا أن هؤلاء السماسرة منذ عشرات السنين، لكن عمليات النصب التي يتعرضون لها مؤخرا ازدادت. وفي قرية الأنصار بأسيوط، سادت حالة من الحزن والألم بين الأهالي بعد العثور على جثة أحد الشباب ويدعى هاني مصطفى عبد الحميد، 23 سنة والحاصل على دبلوم، بصحراء ليبيا بعد انقطاع أخباره لمدة قاربت الشهرين، حيث سافر مع ابن عمه وأحد جيرانه فى ثالث أيام عيد الفطر. وقال عبد الغفار عبد الحميد، عم الشاب المتوفى، إن ابن شقيقه سافر ثاني أيام عيد الفطر مع مجموعة من شباب القرية، وبعد فترة أعلنت السلطات الليبية عن العثور على جثة 48 مصريًا بصحراء ليبيا كان من بينهم شاب بالقرية، أعقبها سفر مجموعة أخرى بحثا عنهم، لكنهم لم يصلوا لأي شيء، ورغم ذلك، قرر هاني السفر بعد أن ساءت حالته الاجتماعية، مضيفًا أن هناك شابا آخر فُقد في ذات الواقعة، ويدعى مؤمن، سافر مع هاني دون أي أوراق رسمية تدل على شخصيته. واتفق معه سيد عبد الحميد من أبناء القرية، الذي أكد أن كل شهر يسافر عدد كبير من أبنائهم عبر الحدود الليبية، وأن أحد السماسرة جلس مع هاني ونحو 20 آخرين واتفق على تسفيرهم مقابل مبلغ مالي يتراوح من 4 إلى 6 آلاف جنيه على أن يتولى نقلهم حتى مرسى مطروح، لكن حرس الحدود تمكنت من ضبط عدد منهم، بينما تمكن 4 من أبناء الأنصار من الهرب، وتم العثور على جثة واحد منهم منذ شهرين، وظل الثلاثة الباقون في عداد المفقودين حتى تم الإبلاغ اليوم عن فقيد آخر وهو هاني. وفى قرية باويط بمركز ديروط، عم الأسى منزل محمد سعيد سيد، بعد الإعلان عن وجود اسمه بين الضحايا الذين أعلن عنهم الجيش الليبي، وقال محمد علي، أحد أبناء القرية، إن المتوفى كان يبلغ من العمر 24 سنة، حاصل على دبلوم فني ومتزوج ولديه طفلان، وسافر منذ 3 أشهر، لكنه تعود على السفر ذهاباً وإياباً بحثاً عن لقمة العيش الذى يتحصل عليها من بيعه للملابس الجاهزة التى يحضرها من ليبيا، إلا أنه في تلك المرة لم يحالفه الحظ، وتوفي في الطريق برفقة الآخرين. وفي محافظة سوهاج، اتشح مركز المنشأة بالسواد، بعد العثور على جثمان الشاب أحمد عاطف سعد، مواليد 1998، ضمن جثث المصريين، وقال محمد عبد الرحيم، أحد شباب مركز المنشأة، إن الضحية حاصل علي دبلوم، وكان يحاول السفر إلى ليبيا عن طريق أحد الأشخاص مقيم بمحافظات الوجه البحري، لكي يساعد أسرته في أعباء الحياة، ويتزوج خاصة أن حالتهم المادية صعبة ولديه أشقاء في التعليم، مضيفاً: عرفنا نبأ وفاته من خلال وسائل الإعلام، خاصة بعد انقطاع التواصل التليفوني بينه وبين أسرته منذ أيام. وطالب عبد الرحيم الأجهزة والجهات المعنية بالقبض على الأشخاص الذين يقومون بدور السمسار في تسهيل الهجرة غير الشرعية للشباب المصريين حتى لا يتكرر نفس السيناريو كل بضع شهور بصورة تدمي القلوب. كما عيش قرية تطون التابعة لمركز إطسا بالفيوم حالة من الحزن، بعد أن اعتاد شبابها وحتى أطفالها السفر إلى إيطاليا عبر الحدود الليبية، وكثيرون منهم يبتلعهم البحر وقليلون هم من نجوا ووصلوا للهدف المنشود، حيث فقدت القرية محمود عبد العليم عزوز، 22 سنة، ضمن الضحايا الذين عثرت عليهم السلطات الليبية مدفونين تحت الرمال. وقال حميدة محمود عزوز، عم المتوفي، إنه سافر منذ فترة تاركًا أرضه الزراعية، إلى ليبيا، وكان يعتزم استكمال السفر منها إلى إيطاليا بعد أن أعد عدته للحاق بأخيه الأكبر محمد في دولة إيطاليا، فهو أخ لشقيقين وثلاثة شقيقات متزوجات، ووالده متوفى منذ كان محمود طفلا صغيرًا، وتولت والدتهم تربيتهم، مضيفا: علمنا خبر وفاته من خلال الإنترنت، ولم يتواصل معنا أي مسؤول بالمحافظة لتسلم الجثمان حتى نتمكن من دفنه بمقابر العائلة وتقبل العزاء فيه والضحايا الثلاثة عشر هم: تامر محمد بدوي حافظ من قرية السوبي بسمالوط المنيا، إبراهيم خليفة أحمد محمد المنيا مواليد 1991، عمرو جمال أحمد سيد بنى مزار المنيا مواليد 1994، سعيد صلاح سعيد محمد بني مزار المنيا مواليد 1984، هاني مصطفى عبدالحميد القوصية أسيوط مواليد 1994، أحمد عاطف سعد عبدالرحيم المنشاة سوهاج مواليد 1998، محمد سعيد سيد سعيد مقيم بديروط أسيوط مواليد 1980، حسن على أحمد أحمد، مقيم الجزيرة الخضراء التل الكبير، وضاحي عثمان عثمان سمالوط المنيا، محمود عبدالعليم عزوز معوض مقيم بالفيوم مواليد 1995 ومحمد إبراهيم عبدالعاطي الشمات مقيم ميت زنقر الدقهلية، وهناك جثتان لم يتبين بياناتهما.