تعد البشعة من أشهر عادات أهالي سرابيوم بمحافظة الإسماعيلية، جعلتها القرية الأشهر وسط القبائل العربية والعائلات البدوية، وينتشر "المبشعون" في جميع أنحاء القرية، ويقف أمامهم الزائرون طوابير طويلة للاحتكام بينهم بلعق سكين أو ملعقة بعد وضعها في النار حتى تحمر، يضعها أحد المتخاصمين على لسانه لمعرفة الصادق من الكاذب، لتعد من أقدم أجهزة كشف الكذب عرفها المصريون. وقال الشيخ فضل العيادي، أحد أبناء قبيلة العبابدة وأشهر مبشع في قرية سرابيوم، إن مهمته ليست بالهينة، ولا يستطيع أي شخص امتهانها، وإنهم يختصون بها دونا عن بقية القبائل العربية في مصر، ويورثونها لأبنائهم، مؤكدا أن البشعة تعد أحد أدوات التحكيم التي تتبع القانون العرفي في الصحراء وانتقلت إلى الحضر، ويأتي إليهم مواطنون من جميع أنحاء الجمهورية ومن كل الطبقات، متابعا: "يجب أن يتحلى المبشع بالتقوى والصلاح والصبغة الروحية الدينية والصدق بحيث لم يُعهد عنه الكذب إطلاقاً، ومعرفته غير العادية ببواطن الأمور". وأضاف العيادي: التحكيم يتم بلحس المتخاصمين، ملعقة مسطحة كبيرة من المعدن بعد غمرها في الفحم المتوج والنار حتى تحمر وتتوهج، بعد قسمهما أنهما أبرياء من وقائع أغلبها تكون سرقة وأحيانا قتل وزنا، فإذا كان بريئا لن يشعر بحرارتها، وإذا كان كاذبًا سلخت لسانه، مستطردا أنه يقيم محضر جلسة لأي اثنين متخاصمين قبل إجراء أي شيء وأخذ تعهد من الطرفين بموافقتهما على الجلسة العرفية والخضوع للبشعة عن طواعية، بعدها تبدأ الإجراءات بلحسهم للملعقة المتوهجة، مرددا "أبشع أو الحس"، ويقوم بفرك الملعقة ثلاث مرات ثم يقربها من لسانه حتى يلعقها المتهم ثلاث مرات ثم يتمضمض بالمياه ثلاث مرات، وإذا ظهرت علامات حروق حكموا عليه بالذنب، وإذا لم تظهر يكون بريئا. وقال إبراهيم سليمان، أحد أهالي الإسماعيلية، إنه تعرض للبشعة من قبل عندما اتهم بسرقة مبلغ مالي من أحد المزارع التي كان يعمل بها، وبالفعل لحس الملعقة الساخنة ولم يحترق، وهنا ظهرت براءته، واكتشف صاحب المزرعة أنه لم يسرق، فاستمر بعمله، بل زاد صاحب المزرعة راتبه لشعوره بالذنب تجاهه، مضيفا: "لولا البشعة لكنت موضع اتهام ومن الممكن أن ألقى في السجن بسبب اتهام باطل". وأوضح الدكتور علي السويس، أستاذ التاريخ بجامعة قناة السويس، أن البشعة موجودة في التراث البدوي لقبائل مصر وفلسطين والشام، وتعد محكمة عُرفية يتم فيها إثبات أو نفي تُهمة معينة مُوجهة من طرف إلى طرف آخر، عن طريق لعق المتهم قطعة حديدية تتوهج حرارة، وهناك بشعة قديمة كانت تتم بإبريق الماء، لكنها اندثرت، واشتق مسمى البشعة من بشاعة الموقف، حيث يتعرض المتهم لموقف صعب ومخيف يمثل لحظات حاسمة فى تقرير مصير قضيته. وأضاف أن البشعة بمثابة محكمة نهائية لا تقبل النقض أو الاستئناف، فمن ثبتت براءته أو جُرمه ليس له أن يتمادى في التقاضي مع خصمه، بل يعطي خصمه حقه أو يأخذ منه حقه إذا كان بريئا لقاء التشهير والاتهام بالباطل، وأصبح يؤمها عدد من سكان الحضر، متابعا أن هناك ثلاثة بشع رئيسية؛ عند قبائل بلاد بئر السبع بفلسطين وفي سيناء والشرقية بمصر وجنوب الأردن وشمال الحجاز بشبه الجزيرة العربية. وأردف: "الأولى، بشعة العيادي، المحصورة فى عائلة أبو عويمر من المحاسنة من السلاطنة من قبيلة العيايدة في سيناء، ومقرها حاليا في الإسماعيلية، والثانية، بشعة الدِّبِرْ، المحصورة فى الدّبُور من العمران من قبيلة الحويطات في جنوبى الأردن العقبة، وانتهت فعلياً عام 1976م، بموت آخر مبشع، علي بن مساعد الدبر، وإلغاء قوانين الإشراف على البدو، والثالثة، بشعة العلي بلي، المحصورة في عائلة العلي من القواعين من مخلد من قبيلة بلي الحجاز وليس بلي سيناء، ومقرها شمال غرب الحجاز، وانتهت أيضا، ولم تبق إلا بشعة العيادي". وأكد السويس أن البشعة عادة قديمة لا يجب اللجوء إليها حاليا؛ خاصة أن العديد من الممارسين لها، دجالون ومشعوذون، يستغلون حاجة المواطنين لاستنزاف أموالهم.