أحيانا يمكن لعبارة واحدة أن تحدث تغييرا كبيرا فى حياتك، قد تكون عبارة قرأتها فى كتاب ما، أو عبارة قيلت لك، ويبدو إنها انطبعت فى ذهنك وأصبحت قوة دافعة لك.حدث هذا معى، كنت فى الثانية عشرة من عمرى، وكنت فى زيارة لعمى الكبير الذى كان مريضا بسرطان الرئة وفى أيامه الأخيرة، كان يتوجع بشدة من الألم على فراشه، تقدمت لأصافحه، أراد أن يعلمنى شيئا لا أنساه، فأمسك بيدى بقوة وطلب منى أن أجلس إلى جواره وأنصت جيدا لما سيقوله، ثم طلب أن أحضر زجاجة كولونيا كانت موجودة على رف التسريحة، أحضرتها، كان اسم الكولونيا 4711، قال: "اسم غريب لكولونيا، أليس كذلك؟"، فهززت رأسى بالإيجاب، ثم قال: "بالتأكيد هذا الرقم ليس رقم عنوان الشركة التى أنتجت الكولونيا، ولا هو مجرد رقم من الأرقام، من المؤكد أن هذا الرقم هو عدد التجارب والمحاولات الفاشلة التى سبقت وصول علماء الشركة لتركيبة سائل هذه الكولونيا"، ثم قبض على يدى بكل ما يملك من قوة،وقال لى بالإنجليزية بصوت هامس متحشرج من شدة الألم: try and try، ثم شرح المعنى الذى يقصده قائلا: "حاول وحاول ثانية وكرر المحاولة، ولا تيأس أبدا، الفشل لن يمنعك من الوصول إلى النجاح، لكن الاستسلام هو الذىسيمنعك منه". لا زلت أذكر هذه الكلمات البسيطة المؤثرة حتى الآن، ولا زلت أتذكر ملامح وجه عمى وهو ينطق بها، رغم مرور أكثر من ثلاثين عاما على تلك اللحظة، أراد الرجل أن أكون مثابرا ولا أخش الفشل، فالنجاح لا يأتى فجأة، النجاح هو نتيجة للكثير من المحاولات الفاشلة والكثير من العمل الشاق. الفشل هو أحد أكثر تجارب الحياة البشرية نفعا وإفادة، لأن الفشل يعطينا الدروس المطلوبة التى يجب أن يتعلمها المرء قبل أن يبدأ مشواره نحو النجاح، وتلك الدروس لا يمكن أن يعطيها أى معلم آخر غير الفشل. الفشل دائما ما يكون نعمة فى شكل نقمة، بشرط أن نتعلم منه درسا مفيدا لم نكن نستطيع أن نتعلمه أو نحصل عليه بدون حدوث الفشل. وهناك سبب منطقى وراء الحكمة القديمة التى تقول بإنه لا يعرف حلاوة النجاح إلا من تجرع مرارة الفشل، فلن يستطيع الإنسان أن يقدر قيمة النجاح ما لم يمر بحالات مختلفة من الهزائم القاسية والنكبات والإحباطات التى تصدمه حتى يظن أنه لن تقوم له قائمة بعد ذلك. وتقريبا ما من أحد عرف طريق النجاح إلا وقد خاض تجربة سابقة واحدة على الأقل من الفشل. بل ربما وقف متحسرا ونظر إلى أحلامه وهى تتبخر وطموحاته وهى تتحطم على صخرة الفشل. لكنه اضطر إلى مواجهة الفشل والإحباط حتى تعلم كيف يعاود النهوض من عثرته. واجه المخترع الأمريكى توماس إديسون الفشل تلو الفشل أكثر من ألف مرة قبل أن يصنع الفونوغراف الذى يقوم بتسجيل الصوت البشرى على أسطوانات و يعيد إنتاجه، وقد واجه الفشل نفسه قبل أن يصنع المصباح الكهربائى. والمخترع الاسكتلندى ألكسندر جراهام بيل واجه الفشل أيضا لسنوات عديدة قبل أن يخترع الهاتف الذى يتيح للناس الاتصال عبر مسافات بعيدة. والأخوان رايت حطما العديد من النماذج وواجها فشلا كبيرا و سخر الناس منهما، قبل أن يتمكنا من إختراع أول طائرة ترتفع عن سطح الأرض وتحلق فى الهواء. ورائد صناعة السيارات الأمريكى هنرى فورد واجه الفقر والموت جوعا، قبل أن ينجح فى إنجاز أول سيارة تدار بمحرك، ولم تكن هذه نهاية مشكلاته، بل أنفق سنوات طويلة من حياته فى ابتكار موديل السيارة الشهيرT والذى أكسبه نجاحه الكبير وثروته الضخمة. والقائد الفرنسى العظيم نابليون بونابرت واجه هزائم عديدة قبل أن يصنع لنفسه المجد والمكانة الكبيرة التى حققها. والثورة الفرنسية التى اندلعت عام 1789،احتاجت إلى مئة وستة عشر عاما لإكمال هدفيها الرئيسيين: القضاء على الملكية المطلقة فى الحكم، ونزع سلطة الكنيسة عن المجتمع، بعد المرور بثورتين عارمتين فاشلتين عام 1830 وعام 1848 وانتفاضة قصيرة فاشلة عام 1871. فى الحياة، لا يهم عدد المرات التى تعرضنا فيها للسقوط، بل ما يهم هو عدد المرات التى استعدنا فيها وضعنا وأستطعنا أن ننهض ونتقدم حتى نصل إلى أهدافنا فى النهاية. بالتأكيد،معظمنا يحلم بحياة بلا معوقات، وكلنا يريد التحرر من القيود التى تفرض علينا فى الحياة. من منا لا يتمنى أن ينجح فى كل تجربة يصادفها، وينجح فى كل عمل يقوم به؟ لكن، وكما ندرك جميعا، ليس هكذا تكون الحياة. فهناك دائما معوقات يجب أن نتجاوزها، وعقبات لا بد وأن نتخطاها، ونكبات علينا أن ننهض منها. كذلك تمر بنا أوقات نواجه فيها عقبات جديدة مع كل خطوة نخطوها، وكلما سرنا فى طريقنا سيكون علينا دائما مواجهة احتمال الفشل والسقوط، وربما تصادفنا تلك الصعوبات فى بداية الطريق، وغالبا ما تأتى لحظات يهيمن علينا الفشل حتى نشعر بالعجز التام عن مواجهته.والتحدى الذى سيكون علينا مواجهته فى تلك اللحظاتالصعبة هو أن نستجمع إرادتنا، كى ننهض من عثرتنا، ونقف على قدمينا، وننفض عن أنفسنا أحاسيس الهزيمة، ونداوى كبرياءنا المجروح، ونستعيد ثقتنا بأنفسنا ونتقدم إلى الأمام. كى نحقق النجاح فى حياتنا وبالتالى نحقق ذاتنا، علينا أن نواجه إحباطاتنا وحالات فشلنا التى نصادفها فى الحياة، وأن نعى الدرس من كل حالة إحباط وكل حالة فشل ونتعلم منها.ليس الشخص الحكيم بمن لا يخطئ أبدا، فكل ابن آدم خطاء، لكن الحكيم هو من يستفيد من خطئه، ويتعلم من فشله، وينهض من عثرته، ويتقدم إلى الأمام، وبالتالى يحول هزيمته إلى انتصار. ملحوظة: الأمانة تقتضى أن أقول لكم إننى قد بحثت لاحقا عن أصل اسم كولونيا 4711، ووجدت إنه بالفعل رقم العقار الذى كان مقر الشركة مولهينز التى أنتجت هذا العطر فى مدينة كولونيا الألمانية عام 1792، ويشهد هذا الرقم على الاحتلال الفرنسى للمدينة، والذى قام لأول مرة فى تاريخ المدينة بترقيم العقارات. المعلومة كانت خاطئة، ولكن تظل الحكمة التى قالها لى عمى قبل أن يغادر الحياةصحيحة.