الباحث العمراني يحيى شوكت ل«البديل»: 600 ألف أسرة تعيش بمساكن آيلة إلى السقوط و4 ملايين بعقارات مخالفة يجب حل المحليات التنفيذية المعينة واستبدالها برقابة شعبية لمكافحة الفساد نطالب بإنشاء لجنة قومية تدرس ظاهرة انهيار العقارات بمصر الاسكندرية الابرز في الأزمة لكثرة ضحاياها في الانهيارات قال إن ظاهرة انهيار العقارات بدأت منذ الثمانينيات وتزايدت مع زلزال 1992، وأن ثغرات قانون الإيجار القديم استغلها الملاك لإتلاف العقارات ومن ثم هدمها، خاصة بعد ارتفاع أسعار السكن في مطلع الألفية الجديدة، وبدلًامن أن يبني المالك 4 أدوار لأسرته أصبح يبني عقارات من 10 أدوار لتأجيرها والاستفادة من أرباحها. أكد يحيى شوكت، شريك مؤسس ب«عشرة طوبة للدراسات والتطبيقات العمرانية» وباحث في شؤون العدالة الاجتماعية والعمران، في حواره ل«البديل» ضرورة اتخاذ الدولة إجراءات لوقف تسليع السكن، والحد من جشع الملاك من البناء المخالف، واقترح مجموعة توصيات أبرزها إنشاء لجنة ثلاثية من البرلمان والحكومة والمجتمع المدني لمواجهة الظاهرة. متى بدأت ظاهرة انهيار العقارات ولماذا ازدادت معدلاتها مؤخرًا؟ الظاهرة موجودة منذ الثمانينيات كحالات فردية لعقارات تنهار فجأة، ثم حدث زلزال 1992، الذي ساعد أكثر على ارتفاع معدلات انهيار العقارات، خاصة تلك العقارات المتصدعة والتى رفض سكانها الخروج منها أو ترميمها، بالإضافة إلى إشكالية قانون الإيجارات القديمة الذي يعتبر أحد أسباب انهيارات العقارات، حيث يتضمن القانون موادًّا غير واقعية تعجل من الانهيارات، فمثلًا نص في احد مواده «في حالة احتياج العقار إلى ترميم يتم على نفقة المالك، بل يلزمه بتوفير سكن بدليل للمستأجرين حتى الانتهاء من أعمال الترميم، وهذا لا يحدث بكل تأكيد على أرض الواقع لمالك يحصل 7 جنيهات إيجارًا شهريًّا، والمشكلة الثانية في القانون حيث ينص «في حالة قرار الهدم ينتهي عقد الإيجار القديم، ومن ثم هو بند يشكل ذريعة للملاك معدومي الضمير بأن يعجلوا من تهالك العقار، ومن ثم يرفضون ترميمه بل يتخذ إجراءات أخرى من ترك مياه مفتوحة في الأساسات للعقار، تؤدي إلى انهياره سريعًا، وهذه الحالات تكررت بكثرة بعد الثورة أيام الانفلات الأمني. كيف أثرت الثورة على انهيار العقارات؟ من خلال رصدنا بمركز عشرة طوبة، شكلت المباني القديمة المتهالكة أكبر عدد من المباني المنهارة، وليست المباني الجديدة المخالفة، وأجرينا دراسة تحت عنوان «لماذا تنهار العقارات في مصر» وكشفت إحصاءاتها في الفترة من يوليو 2012 إلى يوليو 2013، عن أسباب رئيسية تعود إلى قصور الرقابة على أعمال البناء وقصور التخطيط، وذلك بعد تسليع السكن لتحصيل المكسب الأكبر الذي يحققه الاستثمار في العقارات، من خلال هدم العقارات القديمة لبناء عقارات جديدة، وكان يتم ذلك من خلال أعمال مخالفة خارج العقار بسبب قصور تلك الرقابة، فمثلًا رصدنا أن بعض الملاك كانوا يتواطؤون مع المقاول الذي يهدم العقار الملاصق لبيته، حتى يتعمد «خبط العمارة باللودر أو الحفر تحت أساساتها» ومن ثم يعجل بإتلافها وتهالكها من الخارج، مما يؤدي إلى انهيارها سريعًا. ما آخر الإحصاءات حول الظاهرة وأكثر المحافظات خطورة؟ رصدنا، وفقًا لمؤشر الحرمان العمراني، في الفترة بين 2007 و2014، حيث تسكن أكثر من 600 ألف أسرة في مساكن تحتاج إلى ترميم أو آيلة إلى السقوط، بينما تسكن أكثر من 4 ملايين أسرة في مساكن بعقارات مخالفة، لم تصدر بشأنها شهادة صلاحية تضمن أنه تم بناؤها طبقًا للاشتراطات الإنشائية. وتسجل محافظتا الغربية وكفر الشيخ الأعلى نسبة في العقارات المخالفة؛ لأنها محافظات بلا ظهير صحراوي، وأي بناء مخالف يتم على أراض زراعية، كما تأتي محافظة الجيزة على رأس هذه المحافظات التي تضم عقارات مخالفة بحوالي 500 ألف وحدة تمثل 83% من الوحدات التى تم بناؤها في مصر خلال هذه الفترة، ثم تأتي النسبة الأعلى بمحافظتي الدقهليةوالغربية بنحو 92% ، بواقع 380 ألف وحدة للدقهلية و280 الف وحدة للغربية. وماذا عن الإسكندرية.. خاصة مع حوادثها المتكررة وعقار الأزاريطة مؤخرًا؟ العقارات التي تنهار بالإسكندرية قديمة متهالكة وليست جديدة مخالفة، صحيح أن الحوادث الكبيرة كانت لعقارات جديدة مخالفة مثل حادثة حي الجمرك في يونيو 2012، التي خلفت 20 قتيلًا، ثم تكرر الحادث بانهيار عقار المعمورة في يناير 2013 وراح ضحيته 20 شخصًا أيضًا، لكن الإسكندرية تحت دائرة الضوء والأبرز ظهورًا لأن حوادثها قليلة لكن تأثيرها كبير جدًّا؛ لكون العمارت الجديدة مرتفعة وشديدة التأثير والخطورة على العقارات التي حولها، أما العمارات القديمة لا تؤثر إلَّا على نفسها والعمارة المجاورة فقط، وتكون هناك مقدمات تنذر بانهيارها مثل الشروخ ويهجرها السكان باكرًا. هل كل عقار مخالف آيل للسقوط؟ لا يمكن القول إن لدينا 4 ملايين عقار آيل للسقوط، وليس واقعي أن نهدم آلاف العقارات بمليارات الجنيهات، لكن يمكن ترك ما تصدر بحقه شهادة صلاحية بعدم الهدم، ونقترح في روشتة الحلول العاجلة لمواجهة ظاهرة الانهيارات هو إنشاء لجنة قومية تختص بجمع بيانات العقارات المهددة بالانهيار، وإعداد تقارير صلاحية وتعامل للأكثر خطورة، فلابد من جمع كل من قرارات الإزالة للعقارات المخالفة وقرارات الهدم للعقارات الآيلة للسقوط، وقرارات الترميم للعقارات الأقل خطورة، وكلها قرارات قائمة وتم إصدارها من قِبَل الأجهزة المحلية بكل محافظة، ثم فرز وتصنيف هذه القرارات، حسب معايير يضعها خبراء الهندسة الإنشائية باللجنة القومية من الأكثر خطورة إلى الأقل خطورة، ثم التعاقد مع مكاتب استشارية لعمل تقارير صلاحية للأكثر خطورة منها، كأولوية أولى، ثم الأقل.. إلخ. مع توصيات التعامل لما بين الإزالة الكلية أو الجزئية أو التدعيم أو الترميم للحفاظ على أكبر عدد من الوحدات وتفادي إخلاء السكان. وما هي مهام اللجنة القومية المقترحة وهيكلها وضمانات فاعليتها؟ تختص بوضع خطة قومية لإنهاء ظاهرة انهيار العقارات، ومراقبة الأجهزة المعنية أثناء تنفيذها، تشكل من رئيس جهاز التفتيش الفني على المباني «ممثل الحكومة»، ورئيس لجنة إسكان مجلس النواب «ممثلًا عن مجلس النواب»، ونقيب المهندسين «ممثلًا عن المجتمع المدني»، كأعضاء رئيسيين. وتضم اللجنة ممثلين عن الجهات المعنية؛ مثل وزارات التنمية المحلية والعدل والتضامن والإسكان والداخلية ومجلس الدولة، بالإضافة إلى ذوي الخبرة من المهندسين الإنشائيين، والباحثين الاجتماعيين والخبراء القانونيين. من المهم لضمان فاعليتها أن تكون للجنة القومية لجان فرعية بكل محافظة بالتشكيل نفسه على المستوى المحلي، فتجمع اللجان المحلية البيانات المحلية والشكاوى وتضع خطة على مستوى المحافظة، وترفعها للجنة القومية للتنسيق، وتتابع تنفيذها ومراقبة الجهات التنفيذية. هناك دراسة صدرت من وزارة الإسكان تؤيد أن فساد الإدارة المحلية أحد أسباب انهيار المباني؟ يجب البحث عن الأسباب التي أدت إلى فساد الإدارة المحلية وحتى الإدارات التنفيذية، والتي تعود لأزمة تسليع السكن وارتفاع أرباحه، ومن ثم الرشاوى تكون مرتفعة جدًّا، مالك يريد بناء برج أرباحه 50%، ليس لديه مشكلة أن يترك 10% رشاوى. فضلًا عن المحليات غير المنتخبة، والتى تعد أبرز عوامل الفساد. وما الحل؟ إنهاء تسليع السكن فى مصر، وذلك يحتاج إلى إرادة سياسية غير موجودة حتى الآن، من الصادم بعد أن كان العائد الربحي للسكن 20% سنويًّا أن يصبح بعد التعويم 150%، فهو مكسب خرافي يحتاج إلى الضبط، وأن يتم وضعه تحت معايير رقابية، وهذا يؤدي إلى مكافحة الفساد، بالإضافة إلى أهمية وجود رقابة شعبية على المحليات، من خلال انتخابات محلية حقيقية لها صلاحية وإلغاء المجالس المحلية التنفيذية المعينة، مما يؤدي إلى محاسبة المسؤولين والإبلاغ عن أي عقار مخالف. هل نحتاج إلى تعديل قانون البناء الموحد وغيره من التشريعات الجديدة لمواجهة الظاهرة؟ لا أرى أزمة تشريعية أو ضرورة لسن قوانين جديدة، لكن المشكلة في تنفيذ القانون، نواجه فترات تقاضي طويلة جدًّا، والدليل هناك قرارات إزالة منذ 2004 ولم تنفذ حتى الآن، لذا إحدى توصيات روشتة العلاج، هو إسراع المجرى القانوني من خلال تخصص دوائر قضائية تنظر القضايا، لتكون في الشق المستعجل لنظر الطعون على القرارات وسرعة الفصل فيها نظرًا إلى طبيعة الخطورة. كما يجب إلغاء أي عقبات إدارية تمنع تنفيذ الترميم، وخاصة بمناطق إعادة التخطيط أو حرم الأثر، والتي أصدر المسؤولون عنها من قِبَل الإدارات المحلية أو المجلس الأعلى للآثار قرارات تمنع الترميم. لكن كيف يمكن مواجهة أزمة تعمد الملاك عدم ترميم العقارات مما يؤدي إلى انهيارها؟ لا بد من تفعيل صندوق أعمال الصيانة والترميم المنصوص عليه في قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008 «المادة 97»، فحسب القانون يخصص له 0.5% من الموازنة الاستثمارية للدولة، أي نحو 675 مليون جنيه في السنة المالية القادمة، بخلاف المنح وعوائد الاستثمار. فحتى تفعيله، وتجنبًا لتحميل الموازنة العامة للدولة المزيد من الأعباء، يمكن تمويل حساب اللجنة عن طريق استقطاع نسبة من أموال جهات لها مواردها الخاصة؛ مثل صندوق الإسكان الاجتماعي وصندوق تطوير المناطق العشوائية وصندوق تحيا مصر وصناديق الإسكان بالمحافظات ومن فائض هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. بالإضافة إلى الإنفاق العام، يمكن التمويل من خلال التبرعات والتنسيق مع المؤسسات الخيرية الكبرى، التي تعمل في مجال ترميم وإعادة تأهيل المساكن، لتنسيق خططهم مع خطة اللجنة. أو التمويل من خلال جهات التنمية الدولية العاملة في مجال التنمية العمرانية لدعم خطة اللجنة. كان هناك اقتراح برلماني بفرض ضرائب على وحدات الإيجار القديم المغلقة لإجبار أصحابها على فتحها.. ما رأيك؟ رغم أن أرقام الوحدات المغلقة تمثل من 15 إلى 20 % من الوحدات السكنية، أي حوالي 3 ملايين وحدة، لكن أرفض فكرة الجبابة على المواطن، فالدولة هي التي شجعت على تسليع السكن، وعليها تحمل المسؤولية، وأصبحت وسيلة الادخار للناس شراء العقارات، وبدلًا من الجباية يجب بحث أسباب عدم رغبة الناس في تأجير شققهم، خوفًا من عدم تطبيق القانون سواء بعد انتهاء عقد التأجير أو رفض المستأجر الخروج من الشقة، مما يعود بنا إلى أزمة تكدس القضاء بآلاف من دعاوى الإيجار، لذا يجب وضع آلية للحفاظ على حقوق الملاك والمستأجرين.