تشهد العلاقات الروسية التركية توترًا جديدًا، في العلن وخلف الكواليس، من خلال البوابة الاقتصادية، فخلاف أنقرة مع الدب الروسي بدأ يتطور على خلفية علاقة موسكو بوحدات حماية الشعب الكردية، حيث فوجئت الحكومة التركية بنشر قوات روسية في منبج وعفرين، وباحتفال الجنود الروس بعيد النيروز بارتداء شعارات الوحدات الكردية، في المقابل فإن موسكو غير راضية عن سير العمليات العسكرية التركية في سوريا، وموقف أنقرة من محادثات الأستانة الأخيرة. أزمة اقتصادية بنكهة سياسية عندما أسقطت أنقرة القاذفة الروسية أخذ الخلاف بينهما طابعا اقتصاديا، وبدأ كل طرف يفرض عقوباته الاقتصادية. اليوم يتكرر المشهد، حيث تلوح أزمة جديدة في أفق العلاقات التجارية الثنائية التركية الروسية قد تحمل العديد من التبعات على القطاع التجاري والزراعي الروسي وبالتالي على العلاقات الروسية التركية. ففي 15 مارس الجاري، أوقفت أنقرة إصدار تراخيص استيراد سلع من روسيا، وذلك حسب ما ذكره رئيس اتحاد الحبوب الروسي أركادي زلوشيفسكي، حيث قامت أنقرة برفع روسيا من قائمة الدول المعفاة من الرسوم الجمركية على مختلف المنتجات الزراعية المستوردة (القمح والذرة وزيت عباد الشمس الخام، والفول والأرز). ويعتقد خبراء أن قرار تركيا قد يكون مرتبطًا بحقيقة أن روسيا فرضت حظرًا على استيراد الطماطم والعنب وغيرهما من الخضروات التركية. وعلى الرغم من أن ديمتري بيسكوف، السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، قال في 17 مارس إن الرسوم المفروضة من قبل تركيا على القمح والذرة الروسية لن تؤثر على عملية تطبيع العلاقات الثنائية، فإن وقائع الأمور تشير إلى عكس ذلك، ففي رد فعل روسي يكشف الغضب من الخطوة التركية قالت موسكو، أمس، إن قرار تركيا بشأن الصادرات الروسية "استفزازي"، وأعلن وزير الزراعة الروسي ألكسندر تكاتشيف، أن موسكو ستجد خلال 5 أشهر كحد أقصى 3 أسواق جديدة لحبوبها بدلا عن السوق التركية. ووصف الوزير الروسي فرض تركيا رسوما عالية على صادرات بلاده من الحبوب إلى تركيا بأنها خطوة "غير متوقعة واستفزازية بشكل كبير"، معتبرا أن "القرار لم يكن متوقعا، خاصة لأن الكلمة التي أعطيت لنا خلال اجتماعات على أعلى مستوى كانت مغايرة تماما". وكان قد سبق للوزير الروسي أن قال إن وزارته تعتبر تصرفات تركيا تندرج تحت بند ممارسة الضغط على روسيا لإلغاء الحظر الذي فرضته عل استيراد المنتجات الزراعية التركية. توتر العلاقة بين أنقرةوموسكو في سوريا الحرب الاقتصادية الدائرة حاليًا بين أنقرةوموسكو لا يمكن فصلها عن الخلافات السياسية والعسكرية بينهما، فالخارجية التركية كانت قد قدمت احتجاجًا لدى موسكو قبل أسبوع حول مقتل أحد جنودها، كما أن الرئيس التركي أردوغان لم يفوت الفرصة في التعبير عن امتعاضه من الدور الروسي لتقويض تحركات تركيا في سوريا حيث قال "إن الجيش التركي سيبقى في سوريا، طالما بقيت الوحدات الكردية فيها". التوتر الجديد في العلاقات الروسية التركية سببه هذه المرة علاقة موسكو بالميلشيات الكردية، ووحدات حماية الشعب الكردية على وجه الخصوص والتي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية. وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، قال أمس في مؤتمر صحفي عقده في موسكو مع نظيره الإيطالي أنجيلينو ألفانو، "إن محاربة الإرهاب في سوريا يجب أن تكون هدفًا عامًا للضالعين في الشأن السوري" وأضاف "نؤيد جميع الأطراف المتورطة في الأزمة السورية سواء دعمتها الحكومة السورية أم لا، لكن يجب أن نحدد هدفَا واضحًا لمحاربة الإرهاب وتنسيق أفعالنا". لافروف لم يكتفِ بذلك بل اتهم دولًا ومن ضمنها تركيا بالعمل لتحقيق مكاسب جيوسياسية لصالحها. وكانت وزارة الخارجية التركية قد استدعت، نائب السفير الروسي في أنقرة سيرغي بانوف، وسلمته رسالة احتجاج على مقتل جندي تركي برصاص قناص في منطقة تخضع لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية التي تشرف على وقف إطلاق النار فيها قوات روسية، وقالت أنقرة إنها سترد بالمثل في حال حدوث مثل ذلك العمل مرة ثانية. ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي استقبل نظيره التركي مرتين لرأب الصدع بينهما قد فاجأ الأتراك بنشر قوات عسكرية غربي منبج في خطوة لحماية الجيب الكردي من زحف عسكري تركي هدد به أردوغان مرارًا، وذلك في تناغم مع خطوة أمريكية مماثلة في منبج نفسها، ليس ذلك فقط حيث يدور الحديث حاليًا عن احتمالية إنشاء قواعد عسكرية روسية في مناطق الأكراد. وفي تصريح حمل لهجة غاضبة من قبل أنقرة بسبب ممارسات موسكو التشاركية مع الاحتفالات الكردية "النيروز"، قال وزير الدفاع التركي فكري إيشيق، "إن صور عفرين تحزن تركيا، وإن وحدات حماية الشعب الكردية هي امتداد لحزب العمال الكردستاني في سوريا" وأضاف أن بلاده لا تقبل بأي تعاون روسي أو أمريكي مع تلك الوحدات. الرئيس التركي قال هو الآخر "ما لم يتم تنظيف سوريا من تلك الوحدات فإن مهمة تركيا في سوريا لن تنتهي". ويرى مراقبون أن كلام أردوغان رسالة مباشرة للأطراف الداعمة للأكراد سواء كانت واشنطن أو موسكو، ولكن يبدو أن لموسكو النصيب الأكبر من تصريحات أردوغان، خاصة أن رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي ليونيد سلوتسكي، قال في 20 مارس "إنه لا يمكن تحقيق مصالحة في سوريا دون إقامة مناطق حكم ذاتي للأقليات، في إشارة إلى الأكراد السوريين".