بما أن النظرة الأمريكية للملفات السياسية تتسم بالبعد الاستراتيجي، فيبدو أن الإدارة الأمريكية تجاوزت مرحلة الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، صاحب ال 81 عامًا، ويتمحور اهتمامها في الوقت الراهن بولي ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي في حال استطاعة العائلة الملكية البقاء على رأس الهرم السياسي في السعودية، فعليه انتظار محطة ولي العهد، محمد بن نايف، كمرشح حقيقي لخلافة سلمان. لقاء بن سلمان مع المسؤولين الأمريكيين التقى بن سلمان في زيارته للولايات المتحدةالأمريكية، والتي بدأت يوم الاثنين الماضي، الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المعروف بانتقاداته اللاذعة للمملكة السعودية، حيث وصفها حينما كان مرشحًا للرئاسة الأمريكية بالبقرة الحلوب، التي سيتم التخلص منها حال نضوب ضرعها، كما طالبها وجميع الحلفاء بما يشبه دفع "الجزية" نظير الحماية والخدمات التي توفرها الولاياتالمتحدة لها، والتي وصفها بالهائلة، قائلًا في هذا الصدد "هل تتخيلون أننا ندافع عن السعودية بكل الأموال التي لديها؟ نحن ندافع عنها، وهم لا يدفعون لنا شيئًا؟"، لافتًا إلى أن المملكة لديها أموال طائلة، وهي تجني يوميًّا نصف مليار دولار، وهم "لا يملكون شيئًا ألبتة إلا المال ولا شيء آخر". ولي ولي العهد السعودي بدا مصممًا على الحشد ضد إيران في زيارته لواشنطن، فبعد لقائه بترامب، التقى بوزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، أمس الخميس، وتمحور اللقاء حول الهاجس السعودي من إيران، الأمر الذي بات يشكل فوبيا حقيقية للسعودية، لدرجة أنها مستعدة للتحالف مع الشيطان للتخلص من هذا الهاجس، الأمر الذي من شأنه توريط المملكة السعودية اقتصاديًّا في الوحل الأمريكي، فلدى بن سلمان مشكلة حقيقية في تعاطيه مع الولاياتالمتحدة، فحتى تستطيع الرياض كسب مواقف داعمة لها من واشنطن ضد طهران، عليها دفع الأموال مقابل الحصول على مواقف أمريكية، قد لا تتعدى الطابع المعنوي، خاصة أن واشنطن تتبنى وإلى حد ما سياسة عدم إقحام نفسها في حروب بالشرق الأوسط، وبالطبع هي لن تدخل في حرب ضد طهران لأجل المملكة السعودية، خاصة أن طهران تتمتع بعلاقات قوية مع موسكو. وعلى كل الأحوال حتى تحصل الرياض على الخدمات الأمريكية عليها أن تدفع، الأمر الذي أعلن عنه البيت الأبيض بالقول "إن ترامب بحث مع محمد بن سلمان تطوير برنامج مشترك من الاستثمارات، بقيمة تتجاوز 200 مليار دولار، خلال الأربع السنوات القادمة". وهنا تكمن خطورة الموقف السعودي، فاستثمارات المملكة، في حال تنفيذها، ستكون تحت مقصلة قانون جاستا، والذي يمكّن المحاكم الأمريكية من مصادرة الأموال السعودية في حال التثبت من أن العائلة الملكية متورطة في أحداث 11 سبتمبر. المفارقة هنا أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، كان قد لوح بسحب الأصول السعودية من أمريكا حال إقرار القانون، وبعد إقرار واشنطن القانون بالفعل، يقوم ابن سلمان اليوم باستثمار المزيد من الأموال السعودية في الولاياتالمتحدة. مخاوف بن سلمان مخاوف بن سلمان من إيران تتمثل في ناحيتين، الأولى تتعلق بالملف النووي، والثانية نفوذها في الشرق الأوسط، وهنا لجوؤه لترامب حول هاتين النقطتين غير مبرر، فتاريخيًّا لا حليف لأمريكا إلا الكيان الصهيوني، فهي لم تدعم حلفاءها، ابتداءً من شاة إيران، مرورًا بصدام العراق وقذافي ليبيا، وانتهاءً بمبارك مصر. وبالنسبة للخطر النووي الإيراني، فالاتفاق النووي يضمن أن طهران لن تمتلك القنبلة النووية، إيران نفسها أكدت أنها تريد الحصول على التقنية النووية لاستخدامات سلمية فقط، والمفارقة هنا أيضًا أنه إذا كان هناك خطر نووي على منطقة الشرق الأوسط فهو قادم من أمريكا وليس طهران، فبغض النظر عن أن واشنطن هي الدولة الوحيدة التي استخدمت القنبلة النووية ضد اليابان إبان الحرب العالمية الثانية، إلا أنها تغض النظر عن المفاعل النووي الإسرائيلي "ديمونا"، والذي بات يهدد المنطقة العربية، ليس فقط من جهة عدد القنابل النووية التي يحتويها هذا المفاعل، والتي لن يتوانى العدو الإسرائيلي عن استخدامها ضد العرب، ولكن من جهة أن هذا المفاعل أصبح متهالكًا وقديمًا، ومن الممكن أن يتصدع في أي لحظة. وبالنسبة لناحية النفوذ الإيراني، فإن بن سلمان يناقض نفسه، فإذا كان لولي ولي العهد يخشى التمدد الإيراني في المنطقة، فتحالفه مع أمريكا ليس مبررًا في المطلق، خاصة أن الولاياتالمتحدة لا يغيب نفوذها في المنطقة، سواء في العراق أو ليبيا أو سوريا أو اليمن أو حتى دول الخليج والصومال، ومطامعها في العالم العربي والإسلامي واضحة للعيان، ولن تنتهي، كما أنها الدولة الأساسية التي تدعم تمدد النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، وتسانده في مشروعه التوسعي، الذي لا يخفى على أحد، والمعروف تحت عبارة "من الفرات إلى النيل"، وإذا صدقت المعلومات الإعلامية كصحيفة ويل ستريت جورنال الأمريكية، والتي تقول إن الولاياتالمتحدة تسعى هي والكيان الصهيوني بالتعاون مع السعودية لتشكيل حلف إسلامي يضم مصر والأردن والإمارات لمواجهة إيران، فإن التحركات السعودية الأخيرة باتجاه واشنطن ستصب في صالح العدو الإسرائيلي، ولن تخدم القضايا العربية والإسلامية. ويرى مراقبون أن الرياض في حال سعيها لإيجاد حلول مع طهران، أفضل من تقاربها مع واشنطن وتل أبيب، فعلى الأقل هناك قاعدة تجمع بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي العضوية في منظمة التعاون الإسلامي، التي قد تشكل ضمانة مشتركة، وهي القاعدة التي لن تجدها الرياض لا في تل أبيب ولا حتى في واشنطن، فأمريكا في الأساس يشكل تعاطيها مع السعودية وصمة عار لها أمام العالم والمجتمع الغربي تحديدًا، فهي دولة تدعي الديمقراطية، بينما ينظر إلى السعودية كدولة ملكية استبدادية، وبالتالي تعاطي واشنطن مع الرياض يظهر الحقيقة التي تحاول أمريكا إخفاءها، وهي أن المصالح والأموال هي ما يهم واشنطن لا نظام الحكم في الدول التي تتعاطى معها.