اتسمت السنوات القليلة الماضية بزيادة المنافسة الأمريكية الروسية في أنحاء العالم، لكن التركيز الأساسي، كان على جهود روسيا المستمرة في تحدي حلف الناتو، وإضعاف عزيمته، بجانب التدخل في سوريا، وتأكيد موسكو على طموحاتها في الشرق الأوسط. لكن في كل نقاش يدور خلال هذه الأيام مع المسؤولين الحكوميين في الشرق الأوسط وخبراء السياسية، يظهر التركيز القوي على التناقض الذي ظهر منذ عامين، حين كان دور روسيا في المنطقة ثانوي مقارنة بارتباط أمريكا بمنطقة الشرق الأوسط. وتعتبر روسيا منطقة الشرق الأوسط حدودها القريبة، وفي المراحل الأولى من تنفيذ الاستراتيجية طويلة الأجل تحاول أن تعيد نفسها إلى مكانة القوى والنفوذ في المنطقة خلال الحرب الباردة، وهي تعمل على تقويض علاقات الولاياتالمتحدة في المنطقة منذ فترة طويلة، لإعادة هيكلة النظام الإقليمي الأكثر اتفاقا معها، وفي الواقع، استراتيجية روسيا في الشرق الأوسط لا تختلف عن رغبتها ونهجها في تقويض حلف الناتو والاتحاد الأوروبي في أوروبا. وكانت نقطة الانطلاق واضحة، بعدما قررت روسيا التدخل في سوريا في خريف عام 2015، بناء على طلب من الرئيس السوري بشار الأسد، وكان التدخل التاريخي الذي وضع قدم الروس في الصراع الدائر بالمنطقة هو دعمها لسوريا خلال حرب 1973 ضد إسرائيل، وبكل الحسابات، نجحت روسيا في تعزيز موقف الرئيس الأسد في سوريا، وحماية قاعدتها العسكرية في الشرق الأوسط، مما دفع الجهات الفعالة لإعادة التفكير في دور روسيا في المنطقة. على الولاياتالمتحدة عدم الوقوع في الفخ، والتركيز فقط على سوريا، لأنها ليست الطموح الروسي الوحيد في المنطقة، وبدلا من ذلك، على المحللين وصناع القرار، دراسة المشاركة الروسية الأوسع والمتزايدة في العديد من دول الشرق الأوسط، والتي من خلالها تسعى موسكو لتحقيق الأهداف الشاملة، حيث الهيمنة العالمية الاقتصادية والأمنية ومكافحة الإرهاب. وعلى وجه الخصوص، على صانعي السياسة الأمريكية الاهتمام بنشاط روسيا منذ عقود طويلة، والشراكات الاستراتيجية، التي بنتها الولاياتالمتحدة مع بعض الجهات الحكومية الأكثر أهمية في الشرق الأوسط، بما في ذلك تركيا ومصر وإسرائيل. العلاقات الروسية التركية هي الأكثر صخبا في الشرق الأوسط، وخلال الحرب الباردة، وجد هذان البلدين أنفسهما على طرفي النقيض، بعد انضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي في عام 1952، وفي السنوات التي أعقبت سقوط جدار برلين، تحسنت العلاقات بما فيها الاقتصادية والتجارية، لكنها اتخذت منخفضا حادا بعد إسقاط أنقرة للطائرة الحربية الروسية في نوفمبر 2015، ما أدى إلى جمود العلاقات الثنائية، وبعد انهيار العلاقات الثنائية بين البلدين، بدأ في تحسين علاقتهما، في صيف 2016، ويتعاونان الآن بشأن سوريا دور مشاورة الولاياتالمتحدة. مصر دولة أخرى تشق روسيا طريقها فيها، فمنذ ثورة 1952 وإلى عام 1979، حيث اتفاقية كامب ديفيد، كانت موسكو حليفة القاهرة، لكن في ظل عهد الرئيس المصري أنور السادات، توجهت مصر إلى الولاياتالمتحدة، لكن الفوضى الناتجة عن الربيع العربي في مصر، فتحت لروسيا بابا جديدا، بعد انسحاب الولاياتالمتحدة في عام 2013، بعد سيطرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على السلطة. وفي عام 2014، وقعت مصر وروسيا أول اتفاقية للأسلحة منذ الحروب الباردة، ويحافظ السيسي وبوتين على جدول مقابلات منتظم، كما أن المصريين انتقلوا إلى الجانب الروسي فيما يخص الأزمة السورية، ويقف الروس الآن بجانب المصريين في دعم الجنرال الليبي خليفة حفتر. إسرائيل المثال الآخر على انتشار النفوذ الروسي، رغم أنه من المؤكد أن العلاقة الأمنية مع الولاياتالمتحدة لا تزال ضرورة قصوى بالنسبة للإسرائيليين، ومنذ التدخل الروسي في سوريا، يبدو أن الإسرائيليين والروس يتفاوضون على السماح لإسرائيل شن ضربات على سوريا حال اكتشاف انتقال أسلحة من دمشق إلى حزب الله في لبنان. وزار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، موسكو ثلاث مرات في العامين الماضيين، وهي علامة على تحسن العلاقات، ودخل بوتين إلى الساحة التي تسيطر عليها الولاياتالمتحدة، حيث عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية ومحاولة تنظيم قمة بين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس. عدم الرد على هذه الاستراتيجية الروسية من قبل الولاياتالمتحدة ليست مسألة حزبية، حيث إن صناع القرار في اليمين واليسار لم يروا القادم، ويردون ببطء، ففي الشرق الأوسط كان لدى إدارة أوباما دور في الفوضى الناجمة عن الربيع العربي والحروب الأهلية في سوريا واليمن وليبيا، وصعود تنظيم داعش، وحين يأتي الأمر إلى روسيا، كانت رد الفعل بطيء جدا. على مجتمع السياسات في الولاياتالمتحدة، بما في ذلك الحكومة، عمل أفضل مما تقوم به روسيا في أنحاء الشرق الأوسط، خاصة منذ عودة بوتين إلى السلطة في عام 2012، وهذا يعني إلقاء نظرة قريبة على تطور العلاقات الروسية كاملة، وليس فقط التركيز على سوريا. ويجب على الولاياتالمتحدة البحث عن فرصة تعاون مع الحكومة الروسية والتي تصف في المصالح الأمريكية، وأفضل مثال على التعاون الروسي الأمريكي، المفاوضات بشأن قضايا مشتركة مثل زيادة السلامة والأمن في المنطقة. ليس سرا أن منطقة الشرق الأوسط هي المجرى الاستراتيجي الذي يجبر الولاياتالمتحدة على استثمار الدم والسلاح، وبتقاسم ذلك مع قوى أخرى، سيخف الضغط على واشنطن عسكريا وسياسيا وماليا. في نهاية المطاف، الشرق الأوسط لن يكون الساحة الرئيسية التي تقوم عليها المنافسة الروسية الأمريكية، ولكن الدور الروسي الأوسع نطاقا في سوريا وخارجها لا يمكن تجاهله. فورين بوليسي المقال من المصدر U.S.-Russia Competition in the Middle East Is Back