أعاد الحديث عن عودة المقاتلين التونسيين من بؤر التوتر إلى تونس الكثير من الجدل والانقسام في البلاد، لا سيما مع الاستمرار في الإدلاء بالتصريحات الرسمية المترددة حيال هذه المسألة، الأمر الذي زاد من حدة الانقسام في البلاد بين من يدعو إلى رفع الجنسية عن هؤلاء لخطرهم على المجتمع، ومن يؤكد أن لهم الحق في العودة والحياة الكريمة في بلادهم بعد التوبة عما اقترفوه في الخارج. في خطاب الرئيس التونسي باجي قائد السبسي في رأس السنة الجديدة أكد بلهجة حازمة أن بلاده ستطبق القانون ضدّ كل العائدين من ساحات الحرب في سوريا وليبيا والعراق، ولن تستقبلهم بالورود. بعد تصريحات سابقة كانت أقل حدة، قال فيها بأن: خطورة الجهاديين باتت من الماضي، والعديد منهم يرغبون في العودة، ولن نضعهم جميعًا في السجن. الأمر الذي حمل مؤشرات عدة بأن هناك ترددًا رسميًّا في التعامل مع القضية برمتها، وغياب خطة واضحة لمعالجة ملف العائدين من ساحات القتال في الخارج. وما أثار الجدل في السابق وشهدت تونس على أثره مظاهرات هو تصريح وزير الداخلية التونسي الهادي مجدوب، والذي قال فيه إن بلاده استقبلت أكثر من 800 جهادي عائدين من الخارج في الشهور القليلة الماضية، مؤكدًا أن هناك عددًا آخر من المقاتلين العائدين إلى تونس لا تتوفر بشأنهم معلومات، مقرًّا بضعف المنظومة الاستخباراتية لتونس. وبعد تظاهرات عدة شهدتها تونس في الأسابيع القليلة الماضية عكست رفضًا واسعًا من البعض لاستقبال المجتمع التونسي الإرهابيين العائدين من بؤر التوتر، لا سيما في سورياوالعراق وليبيا بعد الحصار المفروض عليهم من جيوش هذه الدول واستعادة مناطق واسعة كانت تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، أخذت القضية منعطفًا جديدًا، وهو محاولة تحديد الدور السابق لكل مقاتل عائد إلى تونس، ومعرفة مدى مساعدته للتنظيمات الإرهابية في الخارج، حيث قالت مستشارة رئيس الجمهورية سعيدة قراش إن هؤلاء العائدين ينقسمون إلى نوعين: مرتزقة كانوا متورطين في قضايا حق عام، انخرطوا في شبكات مافيا، سهلت سفرهم إلى هذه المناطق، وفي حال عودتهم يجب محاسبتهم، ونوعية ثانية يحملون عقيدة قتالية، ويرفضون العودة إلى تونس، ويبحثون دائمًا عن القتل والذبح والتدمير، ونسبة عودتهم ضئيلة. وشددت المسؤولة على أن من عاد من بؤر التوتر سيطبق عليه قانون مكافحة الإرهاب بمستوياته المختلفة، إذ هناك من تمّت محاكمته وسجنه، وهناك من يخضع للمراقبة الإدارية، وأجهزة الداخلية بصدد متابعتهم. وفي نفس الإطار أعلنت الحكومة التونسية أنها "تدرس إمكانية بناء سجن لاحتواء العائدين من بؤر القتال"، خصوصًا أن السجون التونسية طالما اعتبرت مكانًا جيدًا للجهاديين؛ كي يجندوا مزيدًا من العناصر الجديدة من سجناء الحق العام، بسبب الاكتظاظ. وتعددت التقارير التي كشفت عن العدد الحقيقي للمقاتلين التونسين في بؤر التوتر، فبالإضافة إلى تصريحات السبسي التي أكد فيها أن "عدد الإرهابيين التونسيين المنتسبين إلى جماعات إرهابية في سوريا وليبيا والعراق يقدر ب2926 إرهابيًّا"، كشف تقرير فريق خبراء الأممالمتحدة حول استخدام المرتزقة، المنشور في يوليو من عام 2015، عن وجود أكثر من 5000 تونسي في بؤر التوتّر المختلفة، بينهم أربعة آلاف مقاتل في سوريا، وما بين ألف وألف وخمسمائة في ليبيا، و200 في العراق، و60 في مالي و50 في اليمن. وبلغ عدد قضايا الإرهاب المعروضة على القضاء التونسي 1944 قضية، وعدد الموقوفين على ذمة هذه القضايا 778 شخصًا، حسب كمال بربوش، الناطق الرسمي باسم النيابة العامة بتونس، حيث أعلنت السلطات التونسية في بداية العام الماضي أنها منعت 15 ألف شاب وفتاة من السفر إلى سوريا والالتحاق بمقاتلي تنظيم داعش، كما وضعت السلطات 92 عائدًا تحت الإقامة الجبرية، بعد أيام من تفجير استهدف حافلة للحرس الرئاسي، وأودى بحياة نحو 12 شخصًا في نوفمبر 2015. وتشير تقارير غير رسمية إلى وجود نحو 3500 تونسي في بؤر التوتر. وفي الوقت الذي أقر فيه كثيرون بأن هناك مشكلة تتعلق بأن تونس لا تستطيع أن ترفض تسلم الإرهابيين الذين تم إلقاء القبض عليهم في الخارج، بموجب علاقتها الدبلوماسية مع المجتمع الدولي، أكد خبراء أن خوف التونسيين من عودة المقاتلين مبالغ فيه، لأنه في حال اتخاذ الإجراءات الضرورية فلن يمثلوا مشكلة، واقترح علية العلاني وضعهم في مراكز مختصة، مشيرًا إلى وجود دعوات لتخصيص جزء من ثكنة بوفيشة لإيواء العائدين "والتحقيق معهم بشكل معمق؛ لتكوين قاعدة بيانات قد تنفع تونس مستقبلًا لمعرفة شبكات التسفير وكيفية مغادرة المقاتلين والمناطق التي قاتلوا فيها والأسلحة التي حملوها والتنظيمات التي التحقوا بها". وفي ضوء ذلك لا يبدو أن الحديث عن عودة المقاتلين التونسين سيتم إغلاقه في المرحلة المقبلة، لا سيما مع مجيء إدارة أمريكية جديدة رؤيتها مختلفة إزاء الحروب في المنطقة، وتغير موقف أوروبا من الإسلام السياسي، إضافة إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا الداعي إلى إغلاق الأبواب أمام المهاجرين، لكن السلطات التونسية تبدو في وضع صعب بين ضغوط المجتمع التونسي بسحب الجنسية من هؤلاء الإرهابين وعدم استقبالهم وبين الصغوط الدولية التي تفترض حدًّا أدنى من التعاون لاستلام التونسيين المشتبه بصلتهم بالجماعات الإرهابية في الخارج.