كتب جمال عبد المجيد ومحمد الحسيني وأحمد الأنصاري وعمار عبد الواحد: شكل حرمان المرأة في الصعيد من الميراث أزمة حقيقية، تتسبب أحيانا في النزاعات والخلافات بين العائلات، لكن بعض النساء بالمجتمع الصعيدي يرضخن للأمر بعد الترضية وتعويضهن بالمال بدلًا من المنازل والأراضي الزراعية، ومنهن من يحرم تمامًا من الميراث. 75% من سيدات الصعيد يُحرمن من الميراث تقول دعاء شلقامي، رئيس مكتب تسوية المنازعات بالمنيا: حرمان المرأة من الميراث في الصعيد يعد مشكلة تجسد مخالفة صارخة لدين الله وأحكامه، إذ تمارس تلك العادة ضد نحو 75% من سيدات الصعيد بعدة أشكال، تصل إلى الحرمان التام من الميراث. أشارت شلقامي إلى أن أولى محافظات صعيد مصر من حيث حرمان المرأة من الميراث هي سوهاج، إذ تتعدى نسبة حرمان السيدات هناك 80%، وتتراوح النسب بمحافظاتقنا والأقصر وأسيوط من 60 إلى 65%، بينما تقل في محافظة المنيا نسبيًّا لتصل إلى 60%، وغالبية الحرمان من الميراث لهؤلاء السيدات يكون بمنع توريث المنازل والأراضي الزراعية، ويتم منحهن بعض المبالغ المالية القليلة، التي لا تمثل القيمة الحقيقة لميراثهن. وعن شكاوى تلك السيدات من حرمانهن، أكدت رئيسة مكتب تسوية المنازعات، أن نسبة قليلة جدًّا من السيدات يتقدمن بشكاوى، وتكون دون فائدة إذا لم تتحول لقضية، مشيرة إلى الأم أكثر من يطالب بألَّا تحصل البنت على ميراثها المتمثل في الأرض والمنزل حتى لا يستحوذ زوجها على تلك أملاكهم فيما بعد، وناشدت شلقامي الحكومة بتكثيف حملات الوعي الديني للتنديد بتلك العادة السيئة. وقالت نرمين محمود، مقررة المجلس القومي للمرأة بمحافظة بني سويف: هذا الأمر يعد بمثابة تعد على حدود الله، وينتشر بشكل كبير بمحافظات الصعيد، مؤكدة أن نظام «الترضيه» ومنح الأموال للفتاة مقابل حقها في الأرض هو الأكثر انتشارًا. وعن دور مجالس المرأة بالمحافظات، أوضحت أن المجلس القومي للمرأة يستقبل حالات فردية ويقدمها لمكتب شكاوى المرأة، وليس من اختصاصه رفع دعوة قضائية، مشيرة إلى أنه لا توجد إحصائيات حقيقية بأرقام السيدات التي يتم حرمانهن من الميراث، لكن يتم الاعتماد بشكل كبير على نشر الوعي الديني والمجتمعي بين الرجال في القرى للقضاء على تلك الظاهرة. القتل أو المقاطعة جزاء من تطالب بحقها وتتمثل أسوأ حالات العنف ضد المرأة لمنعها من الميراث، في بعض القرى بمركز ساقلته شرق النيل مثل قرية الجلاوية، فالمرأة هناك إذا طالبت بميراثها سيكون مصيرها القتل. وأكد محمد فهمي، رئيس مجلس إدارة جمعية بدر الطوايل بمركز ساقلته بسوهاج، أن هناك حالتي قتل بقرية الجلاوية بسبب الميراث، إحداهما لسيدة متزوجة، والأخرى لفتاة لم تتزوج. وأوضح فهمي أن ما يمنحه الأشقاء الذكور لأخواتهم بما يسمى «الرضوة» جزء قليل جدًّا من الميراث، ولا يعادل 10% من نصيبها الشرعي وفي الغالب تكون أموالًا نقدية. وكشف الباحث القانوني بمحافظة قنا عادل غزالي، عن بحث استقصائي في أبريل 2012 شمل محافظات الصعيد كافة، ابتداءً من الجيزة حتى أسوان، عن حصول المرأة على حقها الشرعي في الميراث، وتبين أن أكثر من 80% لم يحصلن على شيء من ميراثهن الشرعي، سواء بالرضا أو بالخلاف، وأن نسبة لا تتجاوز 1% من سكان المدن وبين الفئات المتعلمة، حصلن على ميراثهن الشرعي كاملًا، والنسبة المتبقية أخذن ما يعرف ب«الرضوة» . وأضاف غزالي: يجب استحداث «لجنة تقسيم الميراث» وتضم عالمًا من الأزهر والأوقاف وأساتذة في القانون وموظفين تابعين لوزارة العدل، وتكون مهمة تلك اللجنة حصر جميع ممتلكات المتوفى الأب على الطبيعة، وبناء على تحريات واستيثاق بعد اليوم الثالث من الوفاة مباشرة وتقسيمها شرعًا ومنح كل وارث نصيبه الشرعي في عقد رسمي موثق من المحكمة يثبت حقه دون مجاملة أحد. القانون عجز عن أخذ حق المرأة أرجع مصطفى عبد الرشيد، الخبير القانوني بمحكمة الأسرة بالمنيا، السبب الرئيس للتعدي على حقوق المرأة عدم وجود الرادع القانوني، مضيفًا أن قانون المواريث الذي ستجرى مناقشته قريبًا غلظ عقوبة حرمان الميراث وجعلها جنحة تبدأ عقوبتها من يوم وتصل ل3 أيام، وغرامة تصل ل20 ألف جنيه. وأوضح عبد الرشيد أن ثقافة رفع الدعاوى القضائية من قِبَل السيدات ضد أقاربهن تكاد تكون منعدمة، كأن يكون الشقيق الذكر هو السند لها في الحياة، ولا يجوز إهانته في القضايا، ويستمر مسلسل ضياع حقوقهن. وقال إسحاق منير، مشرف مشروع حق المرأة في الميراث التابع لهيئة كير الدولية: الهدف من المشروع التوعية بفكرة حق المرأة في الميراث، ونشره داخل المجتمع الأسيوطي، وتشكيل لجان فض المنازعات بصفة عامة، وقضية حرمان المرأة من الميراث بصفة خاصة، مضيفًا أنه جاري تدريب عدد من الكوادر لمواجهة تلك الظاهرة، وأن يكونوا لجانًا في القرى حتى تتمكن السيدات من الحصول على حقوقهن. حرمان بحجة «الأرض عرض والزوج أجنبي» ويؤكد الشيخ سيد زايد، مدير المركز الإسلامي بمجمع الديري بأوقاف بني سويف، أن حرمان الفتاة من الميراث أمر غير جائز شرعًا، ومخالف للشريعة الإسلامية، خاصة أن البعض يردد أقاويل باطلة مثل «الأرض عرض وزوج البنت أجنبي» وهذا بمثابة ظلم وعنف ضد الفتاة والمرأة، ويخالف قول الله «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأُنثيين». كما استنكر زايد ما يصر عليه البعض من اتباع نظام «الترضية»، مؤكدًا أنها ظالمة والدين بريء منها، ويعد نوعًا من القهر المعنوي للسيدة والتقليل من شأنها، مطالبًا من يرتكبون تلك الأفعال بالتراجع عنها. وكشف نصر محمد، محام بأسيوط، عن تزايد الصدام بين أفراد الأسر في السنوات الأخيرة بسبب مشكلات الميراث، ففي أسيوط نحو 6 آلاف قضية نزاع على ميراث يتم تداولها سنويًّا، بالإضافة إلى120 قضية حجر لعدم الأهلية للتصرف في ممتلكات أحد الوالدين أو كليهما، يقيمها الأبناء أو الأشقاء سنويًّا، ناهيك عن جرائم قتل تحدث سنويًّا بسبب النزاع على الميراث، وفي عام 2016 وحدها سجلت أسيوط أكثر من 8 جرائم قتل بسب الميراث. ووفقًا لدراسة أعدها الدكتور أشرف محمد سيد، الباحث بكلية الحقوق جامعة أسيوط، على عينة عشوائية من النساء، أفاد بأن 57% من هذه العينة طالبن بميراثهن مقابل 43% لم يطالبن، وأثبتت الدراسة أن 60% من هؤلاء لم يستطعن الحصول على ميراثهن، في حين اعتبر 30% أن تقاليد العائلة تمنعهن من المطالبة بالميراث، و5% لم يطالبن به حتى لا يخسرن عائلاتهن، بينما حصل أقل من 5% منهن على الميراث غير كامل.