حالة من الدهشة أصابت الملايين من متابعي الانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعدما أعلن في صبيحة يوم الأربعاء الماضي، فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، على حساب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وبفارق كبير في المجمع الانتخابي يصل إلى 58 نقطة، حيث حصل ترامب على 276 نقطة، بينما حصلت كلينتون على 218 نقطة. لا يخلو الأمر من وجود محللين رجحوا وصول ترامب إلى البيت الأبيض على حساب كلينتون، نظرًا لتراجع السياسة الخارجية الأمريكية في العهد الديمقراطي في ملفات عديدة أهمها في منطقة الشرق الأوسط، وتزايد النزعة اليمنية التي تتنامى في المجتمع الأمريكي، والتي تتوافق مع النظرة العنصرية التي يحملها ترامب ضد المهاجرين والمسلمين والأقليات الملونة، رغم أن هذه الآراء لا تكن تلقى رواجًا كبيرًا على الساحة الإعلامية لأمور من أهمها الإعلام الأمريكي واستطلاعات الرأي والحزب الجمهوري نفسه. الإعلام الأمريكي لأول مرة يدعم الإعلام الأمريكي مرشحا على حساب الآخر بهذه الصورة، حيث اصطف الإعلام ضد المرشح الجمهوري، وأعلنت غالبية الصحف والمحطات التلفزيون وقوفها الصريح إلى جانب المرشحة الديمقراطية، في سابقة أولى من نوعها، فعادةً ما تنأى وسائل الإعلام بنفسها عن التحيز، لتحاول الحافظ على الصورة الحيادية التي يحاول الإعلام صناعتها أثناء تغطية الحملات الانتخابية الرئاسية. الانحياز الشديد والنيل من ترامب، أدى إلى تكريس الانطباع بأن فرصه في النجاح تكاد تكون معدومة، حيث تعرض ترامب لحملة شعواء عنيفة من وسائل الإعلام الأمريكية التي أيدت معظمها كلينتون صراحة من حيث المصادقة على ترشيحها للرئاسة، أو في نشر الأخبار الإيجابية عنها، أو الموغلة في السوء والتخويف والتبشيع عن ترمب. وفي المناظرات الثلاث التي جمعت كلينتون وترامب، خرجت جميع استطلاعات الرأي بجميع أنواعها سواء الإلكترونية أو المعتمدة التي أجريت على عينات سريعة بالهاتف مثلما فعلت CNN، تؤكد هزيمة ترامب، وكان ترامب قد أعلن صراحة أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية أن الإعلام الأمريكي متحالف مع كلينتون، ويسعى إلى "قمع صوته" وأصوات أمريكيين إلى جواره. وفتحت الصحف الأمريكية الكبرى والتلفزة الأمريكية أبواقها ل11 امرأة اتهمن ترامب بالتحرش، ومنها قصص تعود إلى عقود مضت، وسربت وسائل إعلام أمريكية العديد من الأحاديث الفاضحة، ومنها أحاديث شخصية وأخرى إذاعية أدلى بها ولم تبث، بهدف تسديد ضربات للمرشح الجمهوري الذي فاز بالرئاسة في واحدة من أقوى مفاجآت الانتخابات الأمريكية. استطلاعات الرأي من أهم العوامل التي شكلت حالة الصدمة عند المتابع لسير الانتخابات الأمريكية، إذ جاءت لتؤكد ما ذهب إليه الإعلام، فطوال الحملة الانتخابية كان ترامب، خلف منافسته كلينتون بعدة نقاط تراوحت في حدها الأقصى إلى 9 نقاط ووصلت في حدها الأدنى إلى نقطة واحدة، بحسب استطلاعات الرأي التي دأب الإعلام الأمريكي على نشر نتائجها، أو تلك التي أجرتها وسائل إعلام أمريكية مرموقة بالتعاون مع شركات ذات خبرة في هذا المجال. ولم تشر الاستطلاعات إلى أي احتمال لفوز ترمب، بل إن العديد من الصحف الأمريكية الشهيرة مثل "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" واظبت على نشر خرائط انتخابية تؤكد استحالة فوز ترمب بكافة الطرق والوسائل. الحزب الجمهوري في ظل احتدام المنافسة بين ترامب وكلينتون، تخلى عدد من كبار الشخصيات في الحزب الجمهوري أمثال جورج بوش، وبول راين، عن دعمهم لترامب، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك وهي محاولة إيجاد بديل عنه، وقالوا إن جهودهم كجمهوريين ستنصب على انتخابات الكونجرس الأمريكي، في إشارة واضحة إلى أنهم قد غسلوا أيديهم من فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية أمام كلينتون، وهو عامل آخر أسهم في تشكيل صدمة لمتابع الانتخابات بعد فوز ترامب في ظل تخلي حزبه عنه صورة ترامب بالرجوع إلى نتائج الانتخابات نجد أن ترامب حصد أصوات الناخبين الذين تتجاوز أعمارهم 44 عامًا وأكثر، وبالتالي فالشريحة العمرية الكبيرة نسبيًا كانت بعيدة إلى حدٍ ما عن التأثر والتأثير باستطلاعات الرأي، فبحسب بعض الدراسات فإن الشريحة العمرية في أمريكا ما بين 18 إلى 35 عاما يجرون معظم عمليات البحث على الإنترنت من خلال هواتفهم النقالة، ما يشير إلى أن الأعمار فوق الأربعين لا تتمتع بصلة وثيقة مع وسائل الاتصال. وعلى الرغم من أن الإعلام لم يقف مع ترامب في الفترة الانتخابات الأخيرة، فإنه دعمه، ومن حيث لا يدري، في فترات سابقة، فقد كان ترامب موضوعا للكوميديين، الكرتون، والكاريكتير على الإنترنت، بالإضافة إلى كون ترامب ضيفا على البرامج الحوارية ومختلف وسائل الإعلام الأخرى، صحيح أن الإعلام دعم أيضًا كلينتون لكن على المستوى السياسي، كوزيرة سابقة لخارجية الولاياتالمتحدة، بينما ترامب دعمه الإعلام على المستوى الشعبي، عن طريق ظهوره في بعض الأفلام الأمريكية، أو ظهوره في بعض الألعاب التي تلقى رواجًا شعبيًا كالغولف والمصارعة. فوز ترامب، الذي لا يمتلك أي خلفية سياسية أو عسكرية ولم يحظ بدعم الإعلام أو دعم اللوبي الصهيوني، حيث تشير نتائج الانتخابات الأمريكية إلى أن 71% من أصوات اليهود الذين يشكلون 3% من سكان الولاياتالمتحدة ذهبت لكلينتون، يحتاج إلى دراسة، فترامب استطاع أن يطيح بأعرق العائلات الرئاسية على مستوى الحزبين الديمقراطي كلينتون، والجمهوري بوش، وهي العائلة الجمهورية العريقة التي وقفت ضده في الانتخابات الأخيرة، دون سند إعلامي أو حزبي. ويرى مراقبون أن العوامل التي كانت تعطي مؤشرات بعدم فوزه قد تكون سببًا في الفوز الذي حققه، من منطلق "كل ما هو ممنوع مرغوب وقد يتغير كل شيء"، بالإضافة لفشل الإدارة الديمقراطية الحالية في العديد من الملفات بما فيها ملف السود الذين يضطهدهم ترامب، فلم يكن حالهم أفضل في عهد أوباما الذي شهد العديد من الاشتباكات بين السود والشرطة المحلية وقتلهم بدم بارد، الأمر الذي قد يفسر حصول ترامب على 21% من أصوات الملونين، كما يبدو أن هناك نظرة خاصة لكلينتون كامرأة، فلا نساء في قائمة الرؤساء التي تضم 45 رئيسًا للولايات المتحدة كلهم من الرجال. وحتى بالنسبة لفضائح ترامب الجنسية فقد تم إهمالها من قبل الناخب الأمريكي، خاصة أمام هيلاري كلينتون، التي مازالت مرتبطة بالرئيس الأسبق بيل كلينتون، على الرغم من فضائحه الجنسية عندما كان رئيسًا لأمريكا وليس مرشحًا كترامب. ويبقى العامل الأقوى الذي رجح فوز ترامب، وهو تنامي النزعة اليمينية في المجتمعات الغربية، والتي تدعو للعنصرية وعدم استقبال المهاجرين واللاجئين.