مازالت فرنسا تفرض سيادتها على مستعمراتها القديمة بطريقة أو بأخرى، غير معترفة بانتهاء عصر الاستعمار والاحتلال الأوروبي، وكان لها دور كبير في الحرب الأهلية في رواندا؛ حيث تدخلت فرنسا بقواتها تحت زعم إنهاء الحرب هناك، لكن الجنود الفرنسيين تورطوا وتواطأوا في الإبادة الجماعية برواندا التي حدثت عام 1994. قال موقع أوول أفريكا: سيتم الإفراج قريبا، عن قائمة جديدة من كبار الساسة الفرنسيين الذين تواطأوا في الإبادة الجماعية برواندا ضد شعب التوتسي، وهناك 22 من كبار ضباط الجيش الفرنسي ساعدوا على التخطيط والتنفيذ لعملية الإبادة الجماعية للتوتسي، التي أوقعت أكثر من مليون شخص. وأضاف الموقع أنه رغم مرور سنوات على الجريمة التي ارتكبها الجنود الفرنسيين في رواندا، إلا أن الإفراج عن المعلومات التي تكشف بوضوح دور بعض السياسيين والاستخبارات ودور الفرد العسكري الفرنسي في الجريمة، تأخر، حيث ضاق أهل رواندا ذرعا من بلطجة القضاء الفرنسي ومماطلتهم في محاكمة مجرميهم وقول الحقيقة. وأوضح موقع نيو تايمز أن الرونديين أكدوا أنهم وصلوا لنقطة اللا عودة، وأنهم غير نادمين على موقفهم العدائي ضد فرنسا وتصرفاتها الاستعمارية غير المقبولة، ويتطلعون في المستقبل القريب جدا لمعرفة كل مؤامرات فرنسا ضدهم، متابعا: من الواضح أن الحكومة الفرنسية متورطة وغير قادرة على إصلاح العلاقات المتوترة؛ لأنها لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها تجاه رواندا. هل تعود العلاقات الفرنسية الرواندية؟ ليس سهلا الآن نشأة علاقات ثنائية جيدة وطبيعية بين رواندا وفرنسا؛ فلابد من تصفية الخلافات أولا، وفي نهاية المطاف، ستصل العلاقات تدريجيا إلى التعاون بشكل طبيعي، فبعد 22 سنة من الإبادة الجماعية، يجب علينا إدراك أن فرنسا ليست مهتمة بتوطيد العلاقات مع رواندا أو حتى جعلها جيدة، خاصة أن العلاقات لا تزال تعكر صفوها تصرفات وتورط فرنسا كدولة فضلا عن مؤسستيها السياسية والعسكرية اللتان تعكسان فكرها الاستعماري. وفي الوقت الذي تضغط رواندا على فرنسا لمحاكمة جنودها المتواطئين، تحاول فرنسا الضغط على رواندا من جهة أجرى وابتزازها من خلال التهديد بإعادة فتح التحقيقات في إسقاط الطائرة التي كانت تقل الرئيس الرواندي السابق هابياريمانا وتكشف الأحداث والمتورطين في إسقاطها. الخلفية التاريخية الاستعمارية سبب الابادة حكمت رواندا منذ القرن السادس عشر من قبل مملكة الموامي، وهذا البلد مكون من إثنية متجانسة إلى حد كبير تدعى بانيارواندا وتتكلم لغة واحدة هي الكينيارواندية، وقد نشأت منذ القدم تمايزات تعتمد الفعالية الاجتماعية أعطت بشكل أساسي المجموعتين الأهم في البلاد، أي الهوتو (ومعظمهم من المزارعين) والتوتسي (معظمهم يربي الحيوانات)، والمجموعة الأخيرة هي التي تمثلت بشكل واضح بالنظام الملكي القديم الذي تعامل معه المستعمر الألماني في 1897 ثم البلجيكي في 1916، وكذلك كان حال الآباء البيض المبشرين بالكاثوليكية منذ أول بعثة لهم عام 1900، ومنذ 1930، فرض المستعمر البلجيكي بطاقة الهوية الشخصية على سكان رواندا مع الإشارة الإجبارية لما سماه الأصل الإثني: هوتو، توتسي أو توا، الأمر الذي سيكون له نتائج كارثية في الصراع بين المكونات السكانية تجلت بشكلها الدرامي في 1994. ترافقت سنوات التحرر الوطني في إفريقيا بولادة نخبة رواندية جديدة في صفوف الهوتو تطالب بإنهاء سلطة الأقلية التوتسي على البلاد وإعلان الجمهورية، وقد كان حزب حركة انعتاق الهوتو الذي تأسس في 1959 شكلها المنظم الأقوى، وارتكب هذا الحزب عدة مجازر بحق التوتسي أثناء ما سمي"الثورة الاجتماعية الزراعية"، الأمر الذي نجم عنه عزل الملك في 1961 وإبعاده عن البلاد وإعلان استقلال شكلي وقيام الجمهورية الأولى للهوتو في البلاد في عام 1962. خلال العقد الأول للجمهورية، ارتكبت مجازر عديدة وهجرة كبيرة متتابعة للتوتسي (الذين تحولوا إلى كبش فداء في كل أزمة سياسية أو اقتصادية في البلاد) إلى بلدان الجوار، اعتقالات ومجازر 1973 ستتوج بانقلاب عسكري يقوم به وزير الدفاع جوفينال هابياريمانامن الهوتو لإعادة الاستقرار، وتدخل البلاد منظومة الحزب الواحد (الحركة الثورية القومية للتنمية) مدعومة من الجيش والأمن مع استفتاء نمط 99% واتفاق للمساعدة العسكرية مع فرنسا منذ 1975، وفي أكتوبر 1982، الرئيس الرواندي أبعد 80 ألف رواندي-لاجئ من التوتسي طردهم نظام نيلتون أوبته في أوغندا، في هذا الشهر أيضا، الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا ميتيران يحط سريعا في كيغالي لطمأنة الرئيس الرواندي باستمرار دعم فرنسا، بعدها بعام استقبال حافل لابنه جان كريستوف ميتيران، في فترة تعج بها تقارير منظمات حقوق الإنسان بالانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها نظام هابياريمانا. ظل قمع المعارضة الداخلية مستمر، وعدد من اللاجئين والكوادر المتعلمة في الخارج من التوتسي يشكلون في 1988 الجبهة الوطنية الرواندية، وفي 8/1/1990 تظاهر مئة ألف رواندي في العاصمة كيغالي ضد الحكومة أتبع ذلك عدة مظاهرات احتجاج في العاصمة وعدة مدن، وحدثت حملة اعتقالات واسعة في البلاد، إثر الإعلان عن ولادة جناح عسكري للجبهة الوطنية الرواندية وتحركها شمالي البلاد، وقامت القوات الرئاسية بمساعدة قوات المظليين الفرنسية بضرب هذا التحرك، واعتقال أكثر من عشرة آلاف توتسي ومعارض في العاصمة في 6 أكتوبر 1990. وظل الوضع يتطور من سيئ إلى أسوا حتى مقدمة الأحداث التي أدت للإبادة في 6 أبريل 1994 بعد قصف الطائرة التي كانت تقل الرئيس الرواندي ونظيره البوروندي التي كان يقودها ثلاثة ملاحين فرنسيين فقتل كل من على متنها، وفي أقل من 24 ساعة من بدء عمليات قتل واسعة للتوتسي في العاصمة كيغالي واغتيال رئيس الوزراء إغاث ويلينغيامانا وعشرة من القبعات الزرق البلجيكيين المكلفين بحمايته، دمرت السفارة الفرنسية في رواندا كل الوثائق والأرشيف.