تمر علينا اليوم ذكري رحيل الشاعر الكبير مرسي جميل عزيز الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم التاسع من شهر فبراير من عام 1980تاركا لنا إرثا إبداعيا غزيرا متنوعا وصادقا يتعلق بتراث وهوية وإنسانية وقيم المصريين ، فمن يكتب تلك الأشعار والقصائد الغنائية التي مست مشاعر وقيم وعادات المصريين ، ومن يتمكن من التعبير عن خواطرهم وهواجسهم وأحاسيسهم وعلاقاتهم علي هذا النحو لا يمكن أن يكون إلا أديبا وشاعرا عبقريا كبيرا بحجم مرسي جميل عزيز ، فلو قلنا عنه شاعرا أو فيلسوفا أو عالم نفس أو أديبا أو روحانيا أو رومانسيا أو وطنيا ودينيا صدقنا لأنه ابن مصر المبدع وعبقري الكلمة مرسي جميل عزيز، لما لا وهو الذي قام خلال حياته القصيرة بكتابة أكثر من ألف أغنية استطاعت أن تمس بألوانها المختلفة وعن قرب حياة المصريين العاطفية والوطنية والشعبية والدينية ليحقق بذلك شاعرنا العزيز المجد والعالمية ، فقد وصفه الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب بجواهرجي الكلمة حينما سئل في الإذاعة عن الشاعر مرسي جميل عزيز، وقيل عنه المتخصصين والإعلاميين بأنه فارس الغناء ومبدع كلماته، وقيل أيضا بأنه جواهرجي وفكهاني الكلمة ومالك زمامها عندما مست ودخلت قلوب المصريين بسبب سحر كلماته وأغانيه التي حفظها المصريين عن ظهر قلب ، ولتقدير الأديب والروائي الكبير يحيى حقي له في احد مؤلفاته بأنه من الظلم ألا يدرس فن مرسى جميل عزيز خاصة أنه شديد التلاحم مع الشعب المصري وأغانيه تحمل معاني فلكلورية ، كما انه لم يترك مجالا ولونا إلا وأجاد التعبير عنه باقتدار حتى غني له كبار المطربين المصريين وعلي رأسهم كوكب الشرق السيدة أم كلثوم من خلال ثلاثيته الشهيرة التي لحنها المبدع بليغ حمدي تباعا وهي أغنية سيرة الحب، وألف ليلة ، وليلة وفات الميعاد، كما غني له المطرب الراحل عبد الحليم حافظ الذي وبسبب علاقته الحميمية الخاصة بالشاعر مرسي جميل عزيز حظيي بغناء 35 أغنية له ، بدايةً بمالك ومالي يا أبو قلب خالي ، وضمن المطربين الكبار الذين غنوا له المطرب والموسيقار فريد الأطرش ومحمد فوزي، وعبد العزيز محمود، ومحرم فؤاد ،والسيدة فيروز، وكلا من المطربة شادية ، وفايزة أحمد وصباح ، والمطربة وردة ، ومحمد قنديل،وهاني شاكر، محمد ثروت وغيرهم ، وكانت آخر أغانيه أغنية ( جايين الدنيا ما نعرف ليه ) التي أعدت لعبد الحليم حافظ الذي حرمه المرض والموت عام 1977 من أدائها ليغنيها الموسيقار محمد عبد الوهاب بعد اعتزاله عن الغناء لسنوات طوال ، لتصبح أيضا الأغنية الأخيرة له قبل وفاته ، ناهيك عن تأليف كلمات تترات الأفلام السينمائية والمسلسلات الإذاعية والتلفزيونية ، كما انه كتب الأوبريت الغنائي والقصة القصيرة والسينمائية وسيناريوهات بعض الأفلام ناهيك عن أنشطته الإعلامية والأدبية المتميزة ، ليلقب عن جدارة واستحقاق بشاعر الألف أغنية حتى تحول إلى أهم شعراء الأغنية في تاريخ مصر بالقرن الماضي وذلك بعد أن حملت وعبرت أغانيه عن الهوية المصرية بصدق واقتدار . ولد الشاعر مرسي جميل عزيز بشارع الشمسي الشهير بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية في 15 فبراير عام 1921، وقد بدأت موهبته الشعرية وعمره 12 عام فقط عندما كتب قصيدة في رثاء أستاذه ومعلمه، وفي صباه حفظ الكثير من آيات القرآن الكريم والمعلقات السبع كاملة وقرأ لكثير من الشعراء ولحبه وولعه بالموسيقي عندما كان طالباً بالصف الثاني الابتدائي تعلم العزف علي آلة العود على يد المعلم جرجس بمسقط رأسه بمدينة الزقازيق ،وقد حصل على البكالوريا من مدرسة الزقازيق الثانوية عام 1940 ،ثم التحق بكلية الحقوق،، كما حصل على دبلوم في فن كتابة السيناريو عام 1963 ، وكانت بداية انطلاقه وشهرته بعد أن أذيعت أول أغنية الفراشة بالإذاعة المصرية عام 1939 وكانت من تلحين الموسيقار رياض السنباطي ، ثم الأغنية الشهيرة (يا مزوق يا ورد في عود ) التي غناها المطرب الكبير عبد العزيز محمود ليتوالي بعدها إنتاجه وعطائه الفني الغزير الذي مس قلوب المصريين و تغني بكلماته كبار المطربين وبمشاركة كبار الملحنين، ليصبح بعدها الشاعر مرسي جميل من أهم الكتاب في باب في دنيا التأليف والغناء، وبسبب موهبته وعبقريته وإسهاماته الأدبية والفنية وهذا الإرث الشعري والفني الكبير كرمته الدولة بوسام الجمهورية للآداب والفنون عام 1965، كما أطلقت محافظة الشرقية اسمه على الشارع الذي كان يسكن فيه بمدينة الزقازيق ، رحم الله شاعرنا وأديبنا الكبير وأسكنه فسيح جناته.