دائماً ما تلجأ الحكومات إلى التعبئة لمواجهة الخطر عند المساس بالأمن القومى لأي دولة من أى دولة سواء أكانت صديقة أو عدوة، وتلجأ إلى كل أوراق الضغط المشروعة والممكنة لدرء الضرر أو الخطر سواء كانت دبلوماسية أواقتصادية أوعسكرية . ورغم أن المهمة الرئيسية لأى حاكم هى الحفاظ على الأمن القومى للدولة فنحن لانقبل منه ولا من حكومتة ' التهويل ' فيما تواجهه من المشاكل الخارجية بهدف التعبئة الشعبية لابعاد الأنظارعما تواجهه في الداخل من أزمات سياسية .. ولانقبل أيضا ' التهوين ' من أهمية أو جدية أو حجم المخاطر المحتملة لمشكلة مطروحة على أوسع نطاق إعلامي ودعائي هي ' سد النهضة ' لأهداف سياسية أيضا بهدف إخفاء الإدارة الصحيحة للأزمة أو المواجهة الصحيحة للمشكلة سواء فنيا أو سياسيا . وفي غياب المعلومات العلمية والفنية ، و عدم نشر تقرير اللجنة الثلاثية الفنية المصرية السودانية الإثيوبية ، فلانعلم بالدقة حجم المخاطر الحقيقية أو المبالغ فيها على بلادنا من بناء السد الإثيوبي ، بالنظر إلى الحملة الإعلامية والسياسية ، بعيدا عن المؤسسات الطبيعية التي تمتلك الأهلية والخبرة والمسئولية مجلس الأمن القومي أو المجالس القومية المتخصصة أو اللجان البرلمانية المعنية ! ومن جهة أخري نشعر بأن حكومة الدكتور مرسى فى تعاملها مع أزمة السد الأثيوبى، والذى يحمل نفس إسم مشروع ' النهضة ' الوهمي الذى خاض به الإنتخابات الرئاسية، قد لجأ إلى التهويل تارة والتلويح بالحرب رغم غياب شفافية المعلومات ، والتهوين تارة أخرى رغم تحذيرات خبراء من الآثار السلبية على الأمن المائي المصرى المترتبة على بناء هذا السد ! وحين عبأ أحزاب الموالاة الإسلامية لعقد مؤتمر احتفالي مسرحي تحت عنوان ساتر هو (حماية حقوق مصر في مياه النيل ) فلم يكن سوى حشد إسلاموي لدعم الدكتور مرسي لاحساسهم بالخوف من مليونية يوم 30 يونيو الشعبية الداعية لسحب الثقه منه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ، ولهذا جاء خطاب الرئيس مختلطا ومرتبكا مركزا على حماية موقعه أكثرمنه لحماية حقوق مصر المائية ! ومابين التهويل والتهوين لم نجد الا الأصوات القليلة التي تدعو إلى بحث المشاريع الفنية بروح التعاون والشراكة التنموية بين الدول الثلاث بحيث لاتكون تنمية بلد على حساب تنمية الآخر ، بل لمصلحة الجميع بالتوافق بالحذف والتعديل والإضافة ، وتحذرمن الانزلاق الى التلويح بالحرب أولا التي هي بكل تأكيد ليست واردة الآن وليست في مصلحة الشعبين المصري والأثيوبي ! لقد وصلت اسرائيل وثبتت أقدامها فى أعالى النيل ومنطقة البحيرات ومسئولية النظام السابق واضحة في ذلك عنما أدارت ظهرها لإثيوبيا خصوصا ولأفريقيا عموما جنوبا بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق في أديس أبابا ، وولت وجهها شطرالشمال الأوروروبي والغرب الأمريكي ! ومع هذا نجد الادارة المصرية التي تدعي أنها تتكلم باسم الثورة المصرية تتصرف تجاه هذا الملف ببرود لافت ناسية أو متناسية أن حكاية اسرائيل من النيل إلى الفرات هى هدف معلن فى كل كتب الصهيونية العالمية وليس كلاماً مختلقا . ولعل السبب الذى أغرى أثيوبيا بالإقدام على بناء هذا السد الآن وهو الحلم القديم لديها .. شعورها بأن الإدارة المصرية لاتهتم بأى ملف من الملفات الوطنية قدر اهتمامها بعملية التمكين والسيطرة السياسية على الحكم ومفاصل الدولة المصرية، وتتصرف بهذا اليقين ! فضلا عن الصورة الهزلية للحوار السياسي السري العلني بين الرئيس مرسى وبين الأحزاب الموالية الذى أذيع على الهواء مباشرة ، دون علم المشاركين ، ودون علم بالحقائق العلمية لتقريراللجنة الثلاثية لمناقشة أزمة سد النهضة الأثيوبى بما زاد الطين بله ! من هنا يبدو للمراقبين بأن قوة الضغط المصرية ستتأثربشكل كبير، فضلاً عن أزمات داخلية عدة لفترة ليست بالقصيرة ، بما سيكون له تأثير سلبي كبيرعلى صورة مصر وسط الرأي العام الإثيوبي والأفريقي والدولي في الفترة المقبلة . خصوصا مع إعلان الرئاسة المصرية استبعاد العمل العسكرى فى هذه الأزمة، كما أن إذاعة كافة الأفكار التي تم دراستها، وطرحها للنقاش أصبحت غير قابلة للتنفيذ؛ الأمر الذى أدى فى النهاية إلى تشجيع كل من تنزانيا وأوغنداعلى الإعلان عن بناء سدين آخرين على النيل !. إن المساس بالأمن القوى لأى دولة يحدث دائماً عندما يصرح أحد الطرفين بأنه مسالم فقط و لايفكر فى حرب أبدا ، وبأنه يسعى للسلام والأمن وحسن الجوارحتى لو وقع عليه عدوان من أحد الجيران ، فالذين يؤثرون السلامة ويمشون إلى جوار الحائط هم أول من يطمع فيهم الطامعون .. وهم أول من يفقدون السلامة. ولعل السؤال الذي طرح نفسه على فجأة هو ، ماذا لو كان عبد الناصر حياً بيننا الآن؟!.. هل كانت دول أفريقيا التي تعتبره بطلا أفريقيا ورمزا لتحررها الوطني من الاستعمار، وشريكا في تنميتها الاقتصادية ، يمكن أن تقدم على عمل كهذا مخالف للاتفاقيات الدولية مع مصر دون تنسيق واتفاق مع مصر أولا ، ودون أن تعمل ألف حساب لمصلحة مصرالتي تدعم مصالح أفريقيا ؟!.. وفي أسوأ الظروف، هل كان الزعيم العربي الأفريقي جمال عبد الناصر سيتعامل مع مثل هذه الأزمة بمثل هذه الطريقة اللا سياسية واللا استراتيجية ؟!.. لست أظن !