فى عام 1977، أهدى اتحاد الأسطوانات العالمى EMI الأسطوانة البلاتينية للموسيقار محمد عبدالوهاب، وهذه الجائزة تُمنح إلى (من أسعد شعبه والشعوب الأخرى بفنه)، فهى تقدير لإبداع الفنان وليس لمبيعاته، وكان هذا اعترافًا عالميًا بتحول عبدالوهاب إلى رمز فنى مثل شوبان وفاجنر وبتهوفن. لقد كان عبد الوهاب قائدًا للتطوير الموسيقى فى مصر، وتأثر بالأوركسترا الأوروبية الكلاسيكية، والموسيقى الشعبية الأمريكية، فأدخل الجيتار والساكسفون ضمن آلات فرقته فى العشرينيات من القرن العشرين، وكان من أوائل من قدموا الأفلام الموسيقية الغنائية فى الثلاثينيات، ثم فى الخمسينيات أحدث انقلابًا فى الموسيقى العربية بتقديم مقطوعات موسيقية لا يصاحبها غناء، وأشهرها مقطوعة عزيزة التى رقصت عليها نعيمة عاكف فى الفيلم الذى يحمل الاسم نفسه، كما قدم مجموعة من الأغنيات متأثرًا بموسيقى التانجو والرومبا والسامبا القادمة من أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي، واستعان بالعديد من الآلات الموسيقية الغربية وآلات الإيقاع اللاتينية. ويذكر تاريخ الفن العربى واقعة لقاء السحاب، وهو التعاون الأول بين عبد الوهاب وأم كلثوم، فى أغنية انت عمري(1964)، فقد قرر عبدالوهاب استخدام الجيتار فى موسيقى الأغنية، ورفضت أم كلثوم!! فطلب منها استشارة القصبجى وعبده صالح (عازفى العود والقانون) لثقتها فى ذوقهما الفني، فأكد كلاهما أن المقدمة الموسيقية للأغنية قد صُنعت للجيتار، فاقتنعت، وكانت هذه هى المرة الأولى التى تستخدم فيها آلة موسيقية غربية فى أغانى أم كلثوم، وظهرت الأغنية، واستمع إليها 80 مليون مستمع عبر أثير الإذاعة، ونجحت نجاحا مدويا، مازال صداه يتردد على مر الأجيال!! لقد كان عبدالوهاب مؤمنًا بفكرة تحديث الموسيقى العربية، والاستفادة من كل الثقافات الموسيقية الأجنبية بتوظيفها بشكل يثرى الموسيقى فى مصر. وهكذا كان المبدعون العظماء يطورون من أنفسهم، فلا ينغلق أحدهم على ذاته زاعمًا أنه قد بلغ القمة، ولم يعد من الممكن أن يضيف له الآخرون شيئًا، بل كان الفنان يسعى جاهدًا لتقديم أرقى أشكال الفنون لتنمية حاسة التذوق الفنى لدى الجمهور والارتقاء به، مدركًا لمسئوليته الاجتماعية تجاه جمهوره ووطنه، فلا يسعى للربح بقدر ما يسعى للإبداع، لهذا استحق عبدالوهاب وأمثاله الخلود فى وجدان الجمهور.