آخر كلمات الفنان لطفى لبيب قبل وفاته..متقلقوش عليا وراض بكل شىء    "حماة الوطن" يدعو المصريين بالخارج إلى المشاركة بكثافة في انتخابات "الشيوخ"    مخطط رأس الأفعى الإخوانية.. مصر تخوض معركة جديدة ضد التنظيم الإرهابي سلاحها الإعلام والفكر    دقت ساعة الحسم    «العمل» توفر فرص توظيف بمصنع هياكل معدنية في الأردن (الرواتب والمزايا)    وظائف الإسكان 2025.. التخصصات المطلوبة والشروط وآخر موعد للتقديم    وزيرة التخطيط والتعاون تطلق "منصة بيانات أهداف التنمية المستدامة بالمحافظات"    احسب قبضك.. تغذية ماكينات الATM لصرف معاشات أغسطس بالزيادة الجديدة خلال ساعات بالإسكندرية    النيابة العامة: الاتجار بالبشر جريمة منظمة تتطلب مواجهة شاملة    رصد أول موجة تسونامي في كاليفورنيا الأمريكية    الخارجية الفلسطينية: إعلان نيويورك فرصة تاريخية لتجسيد حل الدولتين    ملحمة مصرية ل«دعم غزة»    لافتة هادئة.. لاعبو ليفربول يرتدون قمصانا خاصة في مباراة اليوم    الزمالك يستعد للإعلان عن صفقة جديدة اليوم    "سمعنا كلام كتير".. شوبير يكشف تحرك الأهلي سريعا تجاه إمام عاشور    مصرع 3 فتيات وإصابة 14 في حادث انقلاب ميني باص على الصحراوي الشرقي بالمنيا    الأرصاد تُعلن تراجع الحرارة والقاهرة تسجل 35 درجة    انتشال جثمان غريق شهر العسل في الإسكندرية    بسبب السير عكس الاتجاه.. إصابة 5 أشخاص في تصادم 4 سيارات على الطريق الزراعي بالقليوبية    امتحانات تمهيدية.. تعليمات هامة من "التعليم" بشأن طلاب رياض أطفال المصريين بالخارج    تنسيق المرحلة الأولى 2025.. 3 خطوات للحصول على بطاقة الترشيح ورابط تحميلها    «التضامن» تستعرض جهود «التدخل السريع» في عدد من المحافظات    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    «الرعاية الصحية» تطلق مشروع «رعايتك في بيتك» لخدمة المواطنين بمنازلهم    محافظ أسوان يوجه بسرعة الانتهاء من مبنى الغسيل الكلوي فى مستشفى كوم أمبو    مسؤول مستشفيات الأمانة الطبية بالإسكندرية: جاهزون لتطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل    من هم «بنو معروف» المؤمنون بعودة «الحاكم بأمر الله»؟!    - هجوم بالشوم على موظف في قرية أبو صير بالبدرشين    أول رواية كتبها نجيب محفوظ وعمره 16 سنة!    «البترول» تعلن السيطرة على حريق سفينة حاويات بمنطقة رأس غارب    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    رابطة الأندية: لن نلغي الهبوط في الموسم الجديد    ليلى علوي تعيد ذكريات «حب البنات» بصور نادرة من الكواليس    انخفاض أرباح مرسيدس-بنز لأكثر من النصف في النصف الأول من 2025    وزير الخارجية يبحث مع سيناتور أمريكي شواغل مصر حول السد الإثيوبى    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    انتخابات مجلس الشيوخ.. الآليات والضوابط المنظمة لتصويت المصريين فى الخارج    تنسيق الجامعات.. تفاصيل الدراسة ببرنامج الهندسة الإنشائية ب"هندسة حلوان"    نجاح التشغيل التجريبي للخط التجاري الإقليمي "القاهرة- أربيل" عبر ميناء سفاجا    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    قافلة طبية توقع الكشف على 1586 مواطنا في "المستعمرة الشرقية" بالدقهلية (صور)    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    الخارجية الباكستانية تعلن عن مساعدات إنسانية طارئة لقطاع غزة    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    السيطرة على حريق هائل بشقة سكنية في المحلة الكبرى    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا وراء تصاعد الأزمة بين الجيش والإخوان؟
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 18 - 04 - 2013

لا يمكن فهم حقيقة الموقف الأمريكي من جماعة الإخوان المسلمين إلا بالرجوع إلي التاريخ ومعرفة حقائق ما جري بين الطرفين، وتحديداً منذ عام 2003 وصولاً إلي الانتخابات الرئاسية وما بعدها.
كانت البداية خلال فترة سجن د.سعد الدين إبراهيم في مزرعة طرة، حيث التقي هناك بعدد من قيادات الإخوان التي كانت قد صدرت ضدها أحكام بالسجن، ومن بين هؤلاء خيرت الشاطر ود.محمود عزت وحسن مالك وآخرون.
توثقت العلاقة بين الطرفين، وكانت الوفود الأمريكية والغربية لا تتوقف عن زيارة سعد الدين إبراهيم في سجن مزرعة طرة في هذا الوقت.
بدأت القصة بمداعبة من خيرت الشاطر لسعد الدين إبراهيم أثناء أداء صلاة الجمعة عندما قال له إن الأمريكيين والغربيين يتعاملون بسياسة مزدوجة، يزورونك ويرفضون زيارتنا داخل السجن!
سأل سعد الدين إبراهيم: وهل تريد من الوفود الغربية زيارتكم؟
قال الشاطر: نعم، نريدهم أن يطلعوا علي أحوالنا كما يفعلون معك. نحن نريد أن نحاورهم.
قال سعد الدين إبراهيم: سأنقل هذه الرغبة علي الفور وسأرد عليكم بالتأكيد.
وفي زيارة لاحقة نقل سعد الدين إبراهيم رغبة الإخوان إلي السفير الكندي في مصر، وقال له إن الإخوان المسلمين داخل السجن لهم عتب كبير علي الدبلوماسيين الغربيين لأنكم ترفضون زيارتهم وترفضون مجرد التعامل معهم.
قال السفير الكندي: نحن نقوم بزيارتك في السجن بضغط من الرأي العام علي حكوماتنا.
قال سعد الدين إبراهيم: إذن ماذا أقول لهم؟!
رد عليه السفير الكندي بالقول: اسأل الإخوان: 'ما هو الموقف الذي اتخذوه دفاعاً عن الحريات وحقوق الإنسان حتي نستطيع أن نجد مبرراً للوقوف معهم؟!'.
أبلغ سعد الدين إبراهيم المهندس خيرت الشاطر بمضمون الرسالة التي استمع إليها من السفير الكندي في القاهرة، إلا أن خيرت الشاطر رد عليه قائلاً: نحن لدينا مواقف عديدة دفاعاً عن حقوق الإنسان وعن الحريات، وإذا كان أصدقاؤك لا يقرأون العربية فهذه ليست مسئوليتنا!
أبدي سعد الدين إبراهيم دهشته من إجابة خيرت الشاطر، إلا أنه ظل يبذل جهوده مع سفراء الغرب حتي أقنع الوفود التي كانت تزوره منهم بضرورة الحصول علي إذن من الجهات المسئولة لزيارة الإخوان والحوار معهم داخل السجن.
وبالفعل كان السفراء الغربيون يجتمعون مرة كل شهر للحوار والتباحث حول القضايا المطروحة، وقد طلبوا من الجهات الرسمية الموافقة علي زيارتهم لجماعة الإخوان، إلا أن وزارة الداخلية اعترضت بشدة علي هذه الزيارة، مما تسبب في تأجيل الأمر برمّته.
في هذا الوقت من عام 2003 تم الإفراج عن د.سعد الدين إبراهيم، وخلال وداعه لرموز الإخوان المسلمين داخل السجن، قالوا له: الشيء الذي لم تستطع فعله داخل السجن نتمني أن تفعله خارج السجن، ونحن سنطلب من إخواننا الاتصال بهم.
وبالفعل اتصلت بعض رموز الجماعة بالدكتور سعد الدين إبراهيم لترتيب حوار لهم مع السفراء الأمريكيين والغربيين بالقاهرة، فقام د.سعد بدوره بالاتصال بهذه الجهات، ونجح في إقناعها ببدء حوار عاجل وسريع مع جماعة الإخوان.
اختار د.سعد الدين إبراهيم مقر النادي السويسري بمنطقة إمبابة، وهو نادٍ تاريخي قديم، وبالفعل عُقد أول اجتماع بين جماعة الإخوان وعدد من السفراء ومندوبي السفارات الأمريكية في يناير 2003، وحضر الاجتماع في هذا الوقت من الإخوان د.عصام العريان، كما حضر كل من محمود عزت وخيرت الشاطر اللذان كانا قد أُفرج عنهما بعد ذلك.
وفي هذا الاجتماع دار الحوار حول 4 قضايا رئيسية هي:
- موقف الإخوان من اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.
- موقفهم من غير المسلمين، والموقف من أصحاب المذاهب الدينية المختلفة.
- الموقف من الإبداع والمرأة.
- تأييد الموقف الغربي من إيران.
كان الإخوان يعطون إجابات فيها بعض التحفظ في العلن، إلا أنهم كانوا يوافقون علي جميع المطالب سراً. كان كل ما يهمهم فقط الحصول علي موافقة الغرب علي دعمهم وعدم الاعتراض علي وصولهم للسلطة.
لقد تم عقد جلسات للحوار علي مدي ثلاثة أسابيع متتالية بالنادي السويسري، ثم سافر سعد الدين إبراهيم بعدها إلي الخارج للعلاج، إلا أن الحوار تواصل بين ممثلي السفارات الغربية وبين الإخوان.
في البداية رفضت السفارة الأمريكية المشاركة في الحوار، خاصة مع تصاعد الحرب ضد ما سمي 'الإرهاب' بعد أحداث سبتمبر عام 2001، إلا أنه بعد فترة من الوقت فُتح باب الحوار واسعاً بين الطرفين، واتخذ أشكالاً متعددة كان أبرزها الحوار بين أعضاء الكونجرس ونواب الإخوان في البرلمان، وتحديداً منذ عام 2005. لقد وجدت أمريكا في الإخوان ضالتها، فمن خلالهم يمكن النفاذ إلي العالم العربي والإسلامي، لإعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد.
كانت البداية الحقيقية قد تجسدت في المشروع الذي طرحه برنارد لويس، المستشرق البريطاني الأصل اليهودي الديانة الأمريكي الجنسية، الذي يُعد المنظر الحقيقي لسياسة التدخل والهيمنة الأمريكية في المنطقة.
كان برنارد لويس معروفاً بعدائه الشديد للعرب والمسلمين، وكان أول من تحدث عن صدام الحضارات في مقال له بعنوان 'جذور الغضب الإسلامي' عام 1990.
من المقولات الشهيرة ل'برنارد لويس' وصفه للعرب والمسلمين بأنهم قوم فاسدون مفسدون لا يمكن تحضيرهم، وأنهم إذا تُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوّض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية.
ويري لويس أنه في حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربتين البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، وأنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلي وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، وقال: يجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك: إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم من أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة علي الحياة الديمقراطية. وقال: خلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع من أن تقوم أمريكا بالضغط علي قياداتهم الإسلامية -دون مجاملة ولا لين ولا هوادة- ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق علي هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها.
في هذا الوقت، وفي ظل إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، قدم برنارد لويس خطة لتقسيم الشرق الأوسط، وقد اعتمد الكونجرس الأمريكي هذه الخطة في عام 1983.
وتقترح هذه الخطة تقسيم مصر إلي أربع دويلات طائفية وجغرافية هي:
- دولة مسيحية تمتد من جنوب بني سويف حتي جنوب أسيوط، وتتسع غرباً لتضم الفيوم ثم تمتد في خط صحراوي عبر وادي النطرون الذي يربط هذه المنطقة بالإسكندرية، وتتسع مرة أخري لتضم أيضاً جزءاً من المنطقة الساحلية الممتدة حتي مرسي مطروح، علي أن تكون الإسكندرية عاصمة لهذه الدويلة.
- دولة تقع تحت النفوذ اليهودي، وتمتد من سيناء إلي شرق الدلتا لتحقيق حلم إسرائيل من النيل إلي الفرات.
- دولة للنوبة عاصمتها أسوان، وتربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتي شمال السودان لتلتحم مع دولة البربر التي سوف تمتد من جنوب المغرب وحتي البحر الأحمر.
- دولة مصر الإسلامية، وعاصمتها القاهرة، وتضم الأجزاء المتبقية من مصر، ويراد لها أن تكون تحت النفوذ الإسرائيلي، إذ إنها تدخل في نطاق 'إسرائيل الكبري' كما رسمها المشروع الصهيوني.
لم تكن الخطة مقصورة علي مصر، بل استهدفت العديد من البلدان العربية والإسلامية، ومن بينها العراق وسوريا ولبنان والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية واليمن ودول الخليج ودول الشمال الأفريقي.
بعدها بفترة من الوقت عادت الفكرة بوجه جديد يتفق مع مشروع برنارد لويس، ولكن هذه المرة من خلال طرح ما سُمي'صراع الحضارات' الذي بدأ بمجموعة مقالات نشرها المفكر الأمريكي الشهير صمويل هنتنجتون في أواخر صيف 1993 في مجلة الفورين بوليسي تحت عنوان 'صدام الحضارات'، والتي تنبأ فيها بأن يكون الصراع خلال القرن الجديد هو صدام بين الحضارات وليس صراعاً اقتصادياً أو أيديولوجياً.
لقد حدد هنتنجتون في نظريته تلك سبع حضارات أساسية توقع أن يلتهب الصراع بينها، وأنه في خضم هذا الصدام لا بد من زوال البعض وخضوع البعض الآخر لهيمنة الأقوي.
وتوقع هنتنجتون في النهاية أن الحضارات المتوقع لها الاستمرار هي ثلاثة حضارات أساسية، هي الغربية والإسلامية والكونفوشيوسية، حضارة الصين، لما تحمله من إمكانات ومقومات للبقاء. وقد حذر المفكر الأمريكي الغرب من تحالف الحضارة الإسلامية مع نظيرتها الكونفوشيوسية في مواجهة الحضارة الغربية!
وفي كتابه الصادر بعنوان 'صدام الحضارات وإعادة صياغة أنظمة العالم' تحدث هنتنجتون عن أن الغرب، وبعد أن أطاح بآخر أعدائه، الشيوعية، كان لا بد له من عدو جديد تتوحد به صفوفه بحكم حتمية الصدام في بناء الحضارة الإنسانية الغالبة، والمؤهل الأول لهذا الدور هو العالم الإسلامي، والأكثر استعصاء علي الاحتواء من أي حضارة أخري علي وجه الأرض.
وكان من رأي هنتنجتون أن الدين يشكل رمز القيم الاجتماعية ويمثل القوة المركزية التي تحافظ علي بقاء الناس مبادرين ونشيطين، وأن الدم والمعتقدات هما الأساس الذي عبره يحدد الناس هويتهم، ومن أجل هذه الأشياء سوف يقاتلون ويموتون.
لقد اكتسبت هذه النظرية شهرة واسعة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وكانت جاهزة لتفسير وتبرير وتجسيد المواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي، حيث شنّت الآلة الإعلامية الغربية أكبر حملة استهدفت الحضارة الإسلامية محاولة تشويهها ووصفها ب'الإرهاب'، وترتب علي ذلك إعلان الحرب ضد أفغانستان والعراق في وقت لاحق.
وفي عام 2003، عندما أطلق وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول مبادرته الشهيرة عن الديمقراطية والتنمية، كان ذلك إيذاناً بالبدء في تنفيذ الخطة الجديدة التي تقضي بتفجير المجتمعات من الداخل لإعادة صياغة النظام العالمي من جديد، خاصة أن الحروب تحمّل البلدان تكاليف باهظة لن يستطيع الغرب أو الولايات المتحدة تحمّل تبعاتها المستقبلية.
في يونيو من عام 2004 كان الرئيس الأمريكي جورج بوش يدعو قادة الدول الصناعية الكبري إلي اجتماع قمة في جورجيا بالولايات المتحدة جري خلاله الاتفاق علي خطة الشرق الأوسط الكبير، ثم تلا هذا الاجتماع اجتماع لدول حلف النيتو وبمشاركة بعض الدول الخليجية الأخري في أكتوبر 2004 في إسطنبول، حيث بدأت تحل في المنطقة أجندات متعددة، تشمل جميع الأوضاع المجتمعية من الدين إلي السياسة، ومن طريقة العيش إلي منظومة القيم، ومن تسليح الجيوش إلي مفاهيم المقاومة والإرهاب.
في هذا الوقت جري الحديث عن القوة الناعمة التي يمكن عبرها ومن خلالها تفجير المجتمعات من الداخل. وكانت منظمات المجتمع المدني هي إحدي أبرز آليات القوة الناعمة التي يمكن من خلالها نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك عبر مدها بالأموال وإضفاء الحماية الغربية عليها وتوظيف الإعلام لحساب أهدافها.
وفي يناير 2003 أصدرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تقريراً يحمل عنوان 'المساعدة الدولية باسم المصلحة الوطنية' قالت فيه: من الآن فصاعداً لن تحتفظ الوكالة ببرامجها لأجل التخفيف من مآسي الإنسانية، لكنها شرعت بتشجيع الإصلاحات الديمقراطية.
وبدأت الأموال تتدفق علي العديد من المنظمات المصرية الناشئة في هذا الوقت، وكانت هذه المنظمات تقوم بأدوار مشبوهة هي أقرب إلي التجسس لحساب القوي الغربية وعلي حساب المصلحة الوطنية.
وقد لعبت منظمات المجتمعات المفتوحة التي أسسها المليونير اليهودي جورج سورس والمعهد الديمقراطي الأمريكي والمعهد الجمهوري الدولي الأمريكي ومنظمة بيت الحرية الأمريكي ونوفيب ودانيدا وفورد فونديشن، وغيرها من المنظمات دوراً رئيسياً في تمويل هذه المنظمات داخل مصر بزعم نشر ثقافة الديمقراطية.
كانت واشنطن قد نجحت في أكثر من تجربة في بلدان أوروبا الشرقية، وتحديداً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار منظومة الدول الاشتراكية، الواحدة تلو الأخري، في تحقيق تغييرات واسعة في هذه البلدان.
وفي صيف 2003 سافر جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، إلي جورجيا، ومن هناك راح يحذر الرئيس الجورجي إدوارد شيفر نادزه من استمرار الديكتاتورية وتزوير الانتخابات. كانت جورجيا علي وشك خوض الانتخابات الرئاسية، وكانت واشنطن تسعي إلي التغيير وفق منظومتها الجديدة. لقد استطاعت في هذا الوقت أن تجند المحامي الشاب ميخائيل ساكشفيلي، حيث جري تدريبه في بلجراد علي كيفية إقامة ثورة مخملية كتلك التي شهدتها صربيا في هذا الوقت.
لقد تولت مؤسسة جورج سورس الإشراف المالي والسياسي علي إحداث الانقلاب السلمي ضد الرئيس شيفر نادزه عبر تأسيس حركة شبابية تحمل اسم 'كفي' دفعت لها ملايين الدولارات، وهي حركة تشبه حركة أتبور الصربية التي تمكنت كوادرها بدعم أوروبي وأمريكي كبير من إسقاط الرئيس اليوغسلافي 'ميلوسيفيتش' في بلجراد عام 2000.
إنه نفس السيناريو الذي جري تطبيقه في أوكرانيا، ليحقق ذات النتيجة التي حققها ساكشفيلي في جورجيا. كانت هناك المئات من منظمات المجتمع المدني، بدأ المشهد بالدعوة إلي ثورة شعبية يقودها 'ثيكتور يوشينكو' الذي كان من ضمن عناصر المجتمع المدني التي تلقت تدريباً وتمويلاً من الخارج.
ارتفعت الأعلام البرتقالية، انطلقت الشعارات تعلن الثورة علي الديكتاتورية، كانت الأموال توزع في الميادين، وكانت الخيام تُنصب للاعتصامات، وكانت السيناريوهات معدة سلفاً من خبراء صناعة الثورات الشعبية في الغرب والولايات المتحدة، خاصة بعد أن تلقت هذه العناصر تدريبات سابقة في صربيا وبولندا والولايات المتحدة نفسها علي كيفية الحشد والتظاهر وإطلاق الشائعات والاعتصام في الميادين ومقاومة السلطات وجرّها إلي الصدام ثم سقوط القتلي والجرحي، وكيفية استغلال ذلك للمطالبة برحيل النظام.
خطة الشرق الأوسط الجديد استهدفت تغيير الأنظمة والخرائط ومصر في المقدمة
في هذا الوقت كانت واشنطن قد أعدت خطتها للانتخابات الرئاسية في أوكرانيا. إنه نفس الكتالوج الذي جري تنفيذه في جورجيا وصربيا والعديد من البلدان الأخري.
بدأت الانتخابات الرئاسية يوم الأحد 21 نوفمبر 2004، وعند الثالثة ظهراً بدأ يوشينكو في تنفيذ السيناريو. في البداية بدأ في التشكيك في نزاهة الانتخابات، ثم أبلغ وكالات الأنباء بأن هناك 2500 مراقب دولي مُنعوا من المراقبة في لجان التصويت. وعلي الفور وجّه الدعوة لنشطاء المجتمع المدني والممولين من الخارج بالتجمع أمام مقر اللجنة الانتخابية الرئيسية للتنديد بتزوير الانتخابات، وكان ذلك عكس الحقيقة تماماً، لكنه الإرهاب الذي استُخدم لإجبار الرئيس يانوكوفيتش علي القبول بسياسة الأمر الواقع وإرهاب اللجنة الانتخابية الرئيسية المشرفة علي الانتخابات.
في الثامنة مساء أُغلقت صناديق الاقتراع، وقبيل بدء عمليات الفرز كانت واشنطن قد بعثت بالموفد الخاص للرئيس بوش ريتشارد لوجار الذي أعلن مع بداية الفرز وجوب إلغاء الانتخابات الرئاسية وإعادتها مرة أخري بسبب وجود تجاوزات صارخة.
كانت النتائج الأولية تؤكد تفوق الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش، إلا أن العديد من المنظمات الحقوقية الممولة والمعنية بمراقبة الانتخابات الرئاسية راحت تعطي توقعات بفوز يوشينكو بنسبة 58% مقابل 39% حتي قبيل انتهاء عمليات الفرز.
كانت عمليات الفرز تجري علي قدم وساق، وقبيل إعلان النتيجة النهائية بقليل كان آلاف النشطاء السياسيين وكوادر المنظمات الحقوقية الممولة ينزلون إلي ميدان وسط العاصمة كييف ليعلنوا عن فوز يوشينكو قبيل إعلان النتيجة.
وفي منتصف الليل كانت اللجنة الانتخابية الرئيسية قد أعلنت أن يانوكوفيتش قد حصل علي 51, 13% بينما حصل يوشينكو علي 45, 48%، وهنا ثار يوشينكو وأنصاره ضد النتائج الأولية المعلنة، واتهم اللجنة الانتخابية بالتزوير.
وبعد ساعات قليلة كانت النتائج النهائية تشير إلي فوز يانوكوفيتش ب49, 57% وهزيمة منافسه يوشينكو الذي حصل علي 46, 57%.
كانت الخطة جاهزة تماماً، واشنطن تحتج ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا تصدر بياناً تقول فيه إن أوكرانيا لم تفِ بالمعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية. وبعد ذلك بساعة واحدة كان المندوب الأمريكي ريتشارد لوجار يتهم السلطات الأوكرانية بفبركة النتائج.
كان الرئيس الروسي بوتين قد قام في نحو الثامنة مساء بتهنئة يانوكوفيتش بالفوز، إلا أن واشنطن راحت تمارس ضغوطها علي الرئيس الروسي لإجباره علي سحب اعترافه، وأُطلق العنان لنحو مائة ألف متظاهر للنزول إلي الميادين في العاصمة الأوكرانية.
كان كل شيء معداً، آلاف الخيام والأغطية وُضعت تحت تصرف قادة المتظاهرين، أموال تدفقت من حكومات غربية ومنظمات عاملة في مجال حقوق الإنسان، حملات إعلامية منظمة، ادعاءات وأكاذيب أجبرت الرئيس الروسي علي التراجع عن اعترافه بفوز يانوكوفيتش وإعادة الانتخابات مرة أخري.
تراجعت اللجنة الانتخابية الرئيسية في قرارها، وأُجبرت علي إعادة الانتخابات. وقبيل الإعلان عن نتيجة الإعادة كان أنصار يوشينكو يساندهم الإعلام الغربي قد أعلنوا عن فوزه وفرضوا سياسية الأمر الواقع علي الجميع.
كان هذا السيناريو هو النموذج لما سمي الثورات البرتقالية تجسيداً للصورة التي يتوجب إحداث التغيير عبرها في دول العالم العربي والشرق الأوسط، وكان ذلك أيضاً إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في تطبيق سيناريو الشرق الأوسط الكبير.. غير أن البحث كان يدور عن عناصر القوة الناعمة في هذه المنطقة الحيوية المهمة.
كان الاتجاه السائد في هذا الوقت يشير إلي أن هناك قوي رئيسية ثلاثاً يمكن الاعتداد بها لإحداث التغييرات المستهدفة في منطقة الشرق الأوسط هي:
- منظمات المجتمع المدني التي تمتلك الكوادر والتمويل.
- مجموعات الشباب التي جري تدريبها في صربيا والولايات المتحدة وغيرها من بلدان الغرب.
- الإسلاميون الذين يمتلكون شعبية كبيرة من بلدان الشرق الأوسط والذين ليس لديهم اعتراض علي أن يكونوا طرفاً رئيسياً في هذا التغيير.
في عام 2003 ألقي الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش خطاباً حول 'حالة الديمقراطية' في الشرق الأوسط عن ذات العام. وقد بدا من هذا المشروع أن واشنطن قد أعدت العدة لإحداث تغيير جيوسياسي في المنطقة يستهدف تغيير الأنظمة وإعادة رسم الخرائط الجغرافية للبلدان لتحقيق إصلاحات تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات.
بعد ذلك بعدة أشهر شكل الرئيس الأمريكي لجنة تحت إشراف اثنين من أشد رجال المحافظين الجدد تطرفاً هما بول وولفوتيز نائب وزير الدفاع وريتشارد بيرل الرئيس السابق لمجلس سياسات الدفاع لوضع التصورات المستقبلية لحالة الشرق الأوسط وفقاً للمخطط الجديد.
وبالفعل جري إعداد هذا التقرير الذي رسم ملامح الاستراتيجية الأمريكية لعام 2004، وأكد علي عدد من الحقائق والتصورات أبرزها:
- إن الحرب علي العراق لم تغير الأوضاع الاستراتيجية في الشرق الأوسط علي النحو الذي توقعته الولايات المتحدة، ما يستدعي قيامها بممارسة ضغوطها علي أنظمة دول المنطقة لنشر الديمقراطية وتكريس الحقوق السياسية للمرأة.
- ضرب فكرة القومية العربية وفتح الطريق أمام مصالحة تاريخية بين العرب وإسرائيل وضمان حماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
- القضاء نهائياً علي الإرهاب واستيعاب التيارات الإسلامية المتشددة داخل دول المنطقة ذاتها وإعادة تأهيلها مرة أخري داخل هذه المجتمعات.
كانت مصر في قلب هذا المشروع، وقد أشار التقرير في هذا الوقت إلي أن مصر قوة مؤثرة وتستطيع أن تلعب دوراً محورياً في صياغة الاتجاهات السياسية في المنطقة، وأنه كان مخططاً أن تكون العراق هي الدولة الأولي في ذلك، إلا أنها وحدها لن تكون كافية لنشر الديمقراطية وقيم الثقافة الأمريكية في المنطقة، وأن مصر هي الدولة التي يمكن أن تقوم بهذه الرسالة حال حدوث تغيير كبير فيها.
حتي هذا الوقت كانت الاتصالات مع جماعة الإخوان المسلمين محدودة، غير أن تغيراً كبيراً شهدته العلاقة بين أمريكا والإخوان خلال عام 2005، وتحديداً خلال فترة الانتخابات البرلمانية وفوز الإخوان بحوالي 88 مقعداً. ساعتها فكر الأمريكيون جيداً: ولماذا لا يكون الإخوان المسلمون هم الحصان الرابح في سيناريو التغيير في الشرق الأوسط؟!
الحلقة الرابعة: الاثنين المقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.