المعركة في اوكرانيا لم تنته بعد. أميرة الثورة البرتقالية يوليا تيموشينكو لا تريد الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية التي اقرت هزيمتها امام منافسها فيكتور يانوكوفيتش زعيم' حزب الاقاليم' بفارق3,5% من الأصوات. ورغم انها توعدت غريمها ب ثورة كاسحة قالت انها ستفوق احداث' الثورة البرتقالية' فان شيئا من هذا القبيل لم يحدث بعد. لا يمكن ان تنزل ذات النهر مرتين. اعلنتها جماهير الثورة بعد ان سئمت استمرار خلافات نجومها وانصرافهم الي تصفية حسابات شخصية خصما من مصالح الوطن والمواطن هو ما يمكن ان يكون تفسيرا لفوز يانوكوفيتش علي اميرة تلك الثورة في الانتخابات التي اعترف المراقبون الدوليون من منظمات الامن والتعاون الاوروبي والجمعية البرلمانية للناتو والمؤسسات الديموقراطية الغربية وكذلك الجمعية البرلمانية لمنظمة بلدان الكومنولث! بانها اتسمت بالشفافية واتفقت مع كل المبادئ والقواعد الديموقراطية. وقد سارع أنصار يانوكوفيتش الي احتلال شوارع وميادين العاصمة مؤكدين عزمهم علي عدم التفريط في الفوز تحسبا لاحتمالات تكرار احداث الامس القريب وتنفيذ تيموشينكو لتهديداتها بالثورة الكاسحة علي حد قولها في الوقت الذي ركنت فيه الي الصمت مكتفية بتعليماتها الي مستشاريها القانونيين لجمع قرائن ما تسميه ب' التزوير' للتقدم بها الي القضاء سعيا وراء اجراء جولة ثالثة للانتخابات علي غرار ما جري في عام2004, وما ان اعلنت اللجنة المركزية للانتخابات عن فرز نسبة100% من الاصوات وفوزه بفارق3,5% حتي جاهر يانوكوفيتش بدعوتها الي تقديم استقالتها من رئاسة الحكومة والتحول الي المعارضة السياسية. وبدأ مشاوراته مع ممثلي كل القوي والاحزاب السياسية من اجل تشكيل الاغلبية البرلمانية اللازمة لاختيار رئيس جديد للحكومة فيما سارع الي تأكيد اولوية علاقات بلاده مع روسيا وبلدان الكومنولث وضرورة التقارب مع بلدان الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر ان مشاورات تشكيل الاغلبية تتسم بقدر هائل من الاهمية والتعقيدات نظرا لانها ستكون صاحبة القول الفصل في تشكيل الحكومة وتحديد مسار نشاط رئيس الدولة. ويزيد من تعقيدات الموقف ان توزان القوي الحالي يقول بصعوبة المهمة نظرا للحاجة الي اصوات حزب اوكرانيا وطننا حزب الرئيس يوشينكو- والمتحالفين معه. وقد بدأت في اوكرانيا المشاورات بشان تشكيل الاغلبية البرلمانية في اطار مساومات حول منصب رئيس الحكومة الذي يتنازعه حزب' اوكرانيا وطننا' وحلفاؤه. وتشير الشواهد الاولية الي احتدام الجدل واتساع مساحات الخلاف بين القوي الرئيسية في البرلمان ما يهدد بتزايد احتمالات حل البرلمان والاعلان عن انتخابات برلمانية جديدة. وقد جاء ذلك مواكبا لظهور بوادر شقاق في معسكر تيموشينكو من جانب بعض نواب مجلس' الرادا' الذي يرون في تصرفاتها' ضربات موجهة ضد الديموقراطية' و' ابتعادا عن القيم الاوروبية' في الوقت الذي اتفق فيه مع هذا الرأي كثيرون من ممثلي المنظمات الغربية التي شاركت في الرقابة علي الانتخابات. ونقلت وكالة'RPK' الروسية عن نيكولاي تومينكو نائب رئيس مجلس' الرادا' عن كتلة' تحالف تيموشينكو' قوله بضرورة الاعتراف بنتائج الانتخابات والاعلان عن التحول الي مواقع المعارضة وهو ما يعني في طياته احتمال تجدد الصراع ولا سيما بعد ان اكدت نتائج الانتخابات انقسام البلاد الي شرق وغرب بعد ان ايدت اقاليم الشرق والجنوب يانوكوفيتش ووقفت الاقاليم الواقعة في وسط وغرب اوكرانيا الي جانب' اميرة الثورة البرتقالية'. وكانت تيموشينكو قد فاجأت يوم الخميس الماضي الاوساط السياسية بعقد جلسة الحكومة التي حرصت خلالها علي تجاهل الاشارة الي نتائج الانتخابات الرئاسية وعدم الرد علي دعوة يانوكوفيتش لها بالاستقالة وإن نوهت بانه لن يستطيع الاضطلاع بما تعهد به من وعود. غير ان ما قاله الكسندر تورتشينوف نائب رئيس الحكومة في حديثه الي الصحفيين عقب الاجتماع حول ان تيموشينكو لن تقدم استقالتها الا في حال نجاح محاولات تشكيل الاغلبية البرلمانية يعني ضمنا تحولا في ميول وتوجهات فريق تيموشينكو. ومن الجدير بالذكر ان نسبة تزيد علي4% اعلنت رفضها لكل من المرشحين بموجب الحق الذي ينص عليه قانون الانتخاب الاوكراني. وقال فيكتور يوشينكو الرئيس المنتهية ولايته انه استفاد من هذا الحق وصوت ضد المرشحين مؤكدا انه يشعر بالعار تجاه نتائج هذه الانتخابات. اما ليونيد كوتشما الرئيس الاسبق فقد اعلن انه صوت مع يانوكوفيتش بينما اعلن ليونيد كرافتشوك اول رئيس لاوكرانيا المستقلة انه صوت مع تيموشينكو ربما نكاية في روسيا المحسوب عليها يانوكوفيتش وهو الذي سبق ووقع اولي الوثائق التي أسفرت عن حل الاتحاد السوفياتي السابق مع رئيسي روسيا بوريس يلتسين وبيلاروس ستانيسلاف كرافتشوك في8 ديسمبر1991. وذلك كله يعكس درجة الفرقة التي يعيشها المجتمع الاوكراني. وكانت موسكو قد تخلت عن تحفظها علي تهنئة الفائز في الانتخابات الاوكرانية تحسبا لاحتمالات تكرار' خطأ'2004 حين سارع الرئيس السابق فلاديمير بوتين بارسال برقية تهنئة الي يانوكوفيتش قبل حسم العملية الانتخابية آنذاك. واعلنت مصادر الكرملين عن' ان الرئيس ميدفيديف اجري اتصالا هاتفيا مع يانوكوفيتش لتهنئته بالانتهاء من العملية الانتخابية التي وصفها بانها لقيت تقديرا عاليا من جانب المراقبين الدوليين وبالنجاح الذي تحقق في انتخابات الرئاسة' وهي صيغة وإن كانت تبدو التفافا حول التهنئة الرسمية المباشرة الا انها تعني ارتياح الكرملين تجاه التخلص من احد اهم رموز الثورات الملونة بعد ان كان قد نجح في صيف عام2008 في كسر شوكة الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي اول نجوم هذه الثورات والحيلولة دون مخططات الناتو للتوسع شرقا علي مقربة مباشرة من الحدود الروسية.