انتهي عصر الثورة البرتقالية في أوكرانيا بفوز رعيم حزب الأقاليم المعارض فيكتور يا نوكوفيتش علي أميرة الثورة يوليا تيموشينكو في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الأوكرانية. بعد فرز100% من أصوات الناخبين حصل يانوكوفيتش علي48,95% من الأصوات(12 مليونا و481 ألفا) مقابل45,47%(11 مليونا و593 ألفا) لرئيسة الوزراء تيموشينكو. وعلي الرغم من أن الموعد الأخير لإعلان النتائج رسميا هو17 فبراير الحالي, إلا أن الرئيس الروسي ميدفيديف سارع علي الفور إلي تهنئة نظيره الأوكراني المقبل ثم اتصل الرئيس الأمريكي أوباما بيانوكوفيتش مهنئا, ومشيدا بالمستوي العالمي لتطور الديمقراطية في أوكرانيا. وكذلك الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي أشار إلي أن الشعب الأوكراني عبر عن خياره في إطار انتخابات حرة وديمقراطية. واتصلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بيانوكوفيتش مهنئة, ومشيرة إلي أن الرجل يأخذ علي عاتقه قيادة البلاد في وقت الاختبارات الكبيرة. وأكدت أن الحكومة الاتحادية الألمانية, سوف تؤيده خلال اتخاذ القرارات المستقبلية من أجل تعزيز الديمقراطية واقتصاد السوق في أوكرانيا. وبالتالي سارعت لجنة الانتخابات المركزية في أوكرانيا إلي إعلان النتائج الرسمية قبل انتهاء الموعد المحدد بثلاثة أيام. يانوكوفيتش تلقي برقيات أخري من بريطانيا والمجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي, ومن الرئيس الجورجي ميخائيل سآكاشفيلي الذي وصف الرئيس الأوكراني المقبل ب الديمقراطي. وستتوالي التهاني تباعا وفقا لكل البروتوكولات المعمول بها في العالم. بخروج فيكتور يوشينكو من الحلبة السياسية الأوكرانية بعد أن تدنت شعبيته إلي الحضيض( حصل علي5% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية), وهزيمة الاميرة البرتقالية تيموشينكو, تكون روسيا قد دقت المسمار الأخير في نعش مرحلة السنوات الخمس الماضية التي كادت أوكرانيا تشكل فيها شوكة حقيقة في الخاصرة الروسية. وتبقي فقط جورجيا المثال الوحيد للثورات الملونة في المجال السوفيتي السابق رغم أحوالها الاقتصادية السيئة, والتجاهل الأمريكي والأوروبي لسآكاشفيلي بعد حرب القوقاز, ومجيء الإدارة الأمريكيةالجديدة. كانت هناك توقعات كثيرة بتحرك شعبي تقوده تيموشينكو في حال هزيمتها. وهي من جانبها أعطت انطباعات جدية بذلك من خلال تصريحاتها النارية. ولكن بمجرد أن أعلن مراقبو منظمة الأمن والتعاون ومجلس أوروبا أن الانتخابات كانت مطابقة للمعايير الديمقراطية, ظهرت بوادر خيبة الأمل لدي سيدة الثورة البرتقالية وفريقها. وأجهزت التهاني السابقة علي المحور الأوكراني أو علي المحور الأورو أطلسي أو الأمريكي. ولاشك أن أوروبا, التي تعتبر كل دولها تقريبا أعضاء في حلف الناتو, فضلت أمنها في مجال الطاقة علي يوليا تيموشينكو التي اختلفت مع حليفها فيكتور يوشينكو فأضاعت مستقبله السياسي ورصيده التاريخي, وانهزمت مرتين: في الانتخابات الرئاسية, وفي الحصول علي دعم أوروبي أمريكي لمواصلة الثورة البرتقالية ضد عميل موسكو يانوكوفيش. التهنئة الأوروبية صادقة وشفافة وبرجماتية للغاية, بينما التهنئة الأمريكية بروتوكولية وإقرار بالأمر الواقع ولكن ليس إلي النهاية الأليمة, لأن حلف الناتو بدأ بمغازلة القيادة الجديدة المقبلة في لهجة مرنة وملساء للغاية خدعت وزير الدفاع الأوكراني بالوكالة فاليري إيفاشينكو شخصيا. إذ أعلن, خلال لقاء جمعه مع رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو الأميرال جامباولو دي باولو في كييف يوم الجمعة الماضي, أن نهج أوكرانيا المبدئي في التكامل الأوروبي والأورو أطلسي في المجال العسكري يبقي كما هو. وأن النهج الذي اختارته أوكرانيا تجاه الناتو يعتبر من الأولويات ولن يتغير, لأنه يتجاوب مع مصالح أوكرانيا والمجتمع الأوروبي. بل وأعرب عن قناعته بأن التعاون بين أوكرانيا والناتو سيستمر, وأن سياسة الأبواب المفتوحة التي ينتهجها حلف الأطلسي ستسمح لأوكرانيا بتنفيذ نهجها الأوروبي والأورو أطلسي. وعلي الفور خرج زعيم حزب الأقاليم فيكتور يانوكوفيتش( الرئيس المقبل) ليؤكد أن أوكرانيا لا تعتزم الانضمام إلي حلف الناتو. وأنه ينوي دعم مبادرة الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف حول الأمن الأوروبي. الرجل قال بصريح العبارة: إن مسألة انضمام أوكرانيا إلي حلف الناتو غير مدرجة علي جدول الأعمال. وإن أوكرانيا مهتمة بتطوير المشروع الخاص ببناء منظمومة للأمن الجماعي في أوروبا. وعموما فقد انخفض عدد مؤيدي انضمام أوكرانيا إلي الناتو من32% في عام2002 إلي19% في عام2009 في حين يرفض62% من الأوكرانيين انضمام بلادهم إلي عضوية الحلف. الخيارات أمام حليف روسيا الجديد القديم يانوكوفيتش قليلة للغاية. ليس أمامه إلا روسيا ورابطة الدول المستقلة والمجال الاقتصادي الموحد مع روسيا وكازاخستان وبيلا روسيا. وقد تنفتح أمامه أبواب منظمة شنغهاي, كل ذلك من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية الطاحنة والبطالة المرعبة في أوكرانيا, ومن أجل البقاء أيضا في السلطة. فتيموشينكو لديها علاقات جيدة بالغرب وبموسكو أيضا والأخيرة لن تترك يانوكوفيتش حرا, بل ستقيده بقليل من الدعم لتيموشينكو التي لم تخسر مستقبلها السياسي علي عكس رفيقها يوشينكو الذي دعم جورجيا سياسيا وعسكريا أثناء حرب القوقاز التي كانت موجهة ضد روسيا بالدرجة الأولي, ومثلت تحديا أمريكيا أطلنطيا للكرملين الذي نجح في إدارة هذه الحرب ليقلب السحر علي الساحر. من جانب آخر ستمنح روسيا يانوكوفيتش كل الدعم والمساعدات اللازمة, وقد تعيد النظر في ملف الغاز المرعب لأوكرانيا ولأوروبا علي حد سواء مقابل أن يؤمن الرئيس الأوكراني الجديد الاتجاه الأوكراني, وتتفرغ روسيا لملفات أخري عاجلة مثل جورجيا وآسيا الوسطي وإيران وأذربيجان وبحر قزوين, وملفات أخري أبعد قليلا, ولكنها لن تصل, وعلي الأقل في الوقت الراهن, إلي الشرق الأوسط