العفو عن علاء عبدالفتاح.. «القومي لحقوق الإنسان»: خطوة إنسانية ورسالة سياسية    زييكر 9X.. تعريف مختلف للسيارات الكهربائية    أحمد فشير: تحديث استمارة بيانات المواطنين ببورسعيد شرطًا لاستمرارهم على منظومة التموين    الرئيس الفلسطيني يوجه رسالة إلى الشعب الإسرائيلي: من حق أجيالنا أن تنعم بالأمن والحرية    غارة إسرائيلية تقتل أسرة جنوب لبنان    محمد صلاح رابع البالون دور 2025 بحفل جوائز الكرة الذهبية    رياضة ½ الليل| صلاح رابع العالم.. ديمبلي «ذهب» الملاعب.. إنجاز تاريخي لمصر.. الأهلي مهتم بلاج.. ولغز غياب صلاح    الهلال يحقق فوزًا صعبًا على العدالة ويتأهل لثمن نهائي كأس الملك    استقبال حافل لمنتخب ناشئات اليد 2008 بعد التتويج ببطولة إفريقيا    ضبط شخص أجبر كلبه على مهاجمة كلب ضال بالعجوزة    «المرور».. أولوية| لتفادي حوادث الطرق    وزارة الداخلية تضبط متهما بالتعدي على كلب ضال في الجيزة    أحمد السقا أفضل ممثل عن "أحمد وأحمد" في مهرجان الفضائيات العربية    جنيف للدراسات السياسية: الاعترافات الدولية بفلسطين خطوة مهمة قانونيا ودبلوماسيا    انتخاب هيئة الدواء نائبًا لرئيس اللجنة التوجيهية لبرنامج تابع لوكالة الاتحاد الأفريقى للتنمية    حقيقة ترشيح حسام البدري لخلافة ريبيرو فى تدريب الأهلي    خوان لابورتا: فليك أفضل مدرب في العالم    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معملي الحاسبات والواقع الافتراضي ونظم المعلومات الحضارية بكلية الهندسة للبنين    جوائز ل «ضى» بمهرجان بغداد    بعد خفض الفائدة 2%.. ما هي أعلى شهادة في بنك مصر الآن؟    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: 6 قرارات عاجلة في واقعة انقلاب «ميكروباص المحمودية»    صناع الخير ترسم البهجة في أول يوم دراسي بمدرسة كفر الأربعين الإبتدائية بالقليوبية    أزمة المطورين العقاريين في مصر.. حينما يتم تعجيز الطبقة الوسطى    قبل مزاعم «سرقة أعضاء إبراهيم شيكا».. شائعات طاردت الفنانة وفاء عامر    إطلالة مميزة للفنانة صابرين تبرز جمالها.. صور    بعد تصريحاته عنها.. هنا الزاهد تفاجئ جمهورها وتنشر صورتها مع أمير كرارة: «أنا آسفة»    «عينيهم زايغة».. رجال هذه الأبراج مستهترين ويتهربون من العلاقات    البحوث الإسلامية: الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى تجديد الصلة بالنبي    من هم ال70 ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟.. الشيخ رمضان عبد المعز يوضح    ما هي صلاة الغفلة وكيفية أدائها؟.. أمينة الفتوى تجيب (قيديو)    لذيذة ومنقذة لآخر الشهر.. حضري كفتة الفراخ بالبطاطس والخضار    برتوكول تعاون بين جامعة كفر الشيخ والصحة لتنفيذ الخطة العاجلة للسكان والتنمية    صحة سوهاج تنظم قافلة طبية مجانية بقرية الزواتنة قبلي بمركز جرجا    «بعد ارتفاع أسعار الطماطم».. 5 مكونات سحرية تضاعف كمية الصلصة من غير ما تفرق في الطعم    إلهام شاهين تحتفي بمحمد منير: "أخي وصديقي الغالي وعشرة العمر"    فيديو.. أبو الغيط: قرار قمة الدوحة بشأن مراجعة العلاقات مع إسرائيل يجب أن يؤخذ بالجدية الواجبة    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 22سبتمبر 2025    مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 22 سبتمبر في بني سويف    أحمد السيد: عماد النحاس الأنسب للأهلي بالفترة الحالية.. والقمة لا تخضع لأي حسابات    يونيسف: مقتل 11 طفلا في غارة بطائرة مسيرة على مسجد بالفاشر السودانية    الثقة    شرط جديد للحصول على رخصة قيادة أو تجديدها في مصر    حفل استقبال الطلاب الجدد بكلية العلوم جامعة الفيوم.. صور    الداخلية تكشف ملابسات فيديو تعاطي المخدرات أسفل أحد العقارات بالقاهرة    وسط فرحة الطلاب.. محافظ المنوفية يفتتح مدرستين ببروى وبكفر القلشى للتعليم الأساسي    الرئيس السيسي يقرر العفو عن علاء عبد الفتاح و5 آخرين    عبد الله السعيد: أتمنى تتويج منتخب مصر بكأس الأمم وجاهز للعودة إذا طُلب مني    الآن.. انطلاق تنسيق الثانوية الأزهرية للقبول بالجامعات والمعاهد العليا    وسط ترقب كبير .. يامال يقود وفد برشلونة لحضور حفل الكرة الذهبية لعام 2025    اللجنة المصرية لإغاثة أهالي غزة تتوصل لطفلي طريق الرشيد بغزة.. ووالدتهما: بشكر الرئيس السيسي    ضبط 6 آلاف علبة جبنة فاسدة داخل مخزن خلال حملة تموينية في الأقصر    «الداخلية» تضبط تشكيلا يضم شخصين و3 سيدات بتهمة الترويج للأعمال المنافية للآداب بالقاهرة    "البحوث الزراعية" ينظم المنتدى العلمي الأول حول تطبيقات الإدارة المتكاملة    بالصور - محافظ أسوان يتفقد 1540 مدرسة استعدادًا للعام الدراسي    رئيس جامعة القاهرة يتلقى تقريرا عن مؤشرات الأداء بمستشفيات قصر العيني    خلال لقائه مع نظيره الكويتي .. وزير الخارجية يؤكد رفض مصر القاطع لأي محاولات للمساس بأمن واستقرار الخليج    بعد الظهور الأول لهما.. ماذا قال ترامب عن لقائه ب ماسك؟    أحمد العوضي: لو هتجوز مش هقول.. ومشغول بمسلسل «علي كلاي» لرمضان 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنّه جيشُنا..!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 25 - 02 - 2013

نعم إنه جيشنا، هذا البنيان الوطني الراسخ الصلب، لا يملكه أحد سوانا، نحن المصريين، هذا الذي يتربص به النازيون الجدد، وينشرون أسلحة الإكراه في الفضاء الوطني، عبر وسائل إعلامهم اللقيطة، في وجه عزته وكرامته ومجده، هذا الذي يحرضون شُذّاذ الآفاق علي النيل منه لتحطيم معنوياته وكسر إرادته، وهم يحشون أفواههم بشعارات مستوردة ضد وظيفته ودوره.
هذا جيشنا، جيش الدولة التاريخية المصرية، أقدم جيش، لأقدم شعب، لأول أمة، وأول امبراطورية في التاريخ، بل إننا إذا احتسبنا تاريخ الولادة وطبيعة النشأة، لقلنا إنها دولة الجيش، قبل أن يكون جيش الدولة، فقد ولدت الدولة من ضلعه، قبل أن تتنفس هواء التاريخ، وكأنها 'منيرفا' في الميثولوجيا القديمة.
وكما هو جيشنا بحكم وشائج الدم والأرض، ونبض الحضارة والتاريخ ومعارك التحرير والفداء، فهو جيشنا بحكم أنه ليس أقل ولا أكثر من صورة طبيعية لنا نحن المصريين في مرآة الزمن، كما هي في مرآة الواقع، صور واقعية لأمة ممثلة في جسده الحي، دون صناديق انتخاب، حية فيها بخلاياها جميعها، موقّعة فوق خرائط الوطن دون تقسيم، وفوق خرائط الطبقات دون احتكار، وفوق خرائط الثقافة والمعرفة دون تمييز، منتخبة دون تزوير، بديمقراطية العدل في ضريبة الدم والدفاع عن الوجود والحياة.
إنه لذلك، الصورة الواقعية الحقيقية لوحدة الشعب، ووحدة الأمة، بل قل الصورة الوحيدة الباقية، رغم كل عوامل التعرية والإذابة، التي تجسد هذا الشعب العظيم، موحدًا، وفاعلاً، ومسلحا بطاقة لا تنفد، وإرادة لا تلين.
إنه جيشنا مدرسة الوطنية الحقّة، قد لا يعرف جوهرها الثمين، ومعدنها النفيس الآمن، انغرس في الرمل وصنع من جسده سارية لعلمها، واستنشق عطر معاركها، وذاب في صفوفها مُنكرًا ذاته وكينونته، كما تذوب قطرة الندي في قلب شجرة الحياة.
التاريخ الوطني كله، الذي يجد نفسه في قلب محنة معقدة غير مسبوقة، كأنها تشكل مثلثًا ضاغطًا متساوي الأضلاع:
أولاً: إن الروح المعنوية هي الخبز الحقيقي الذي تقتات عليه الجيوش، فهي مصدر الطاقة ومكمن القوة، ووقود الثبات والصمود والانتصار، ولم يبالغ 'كلاوزفيتز' أستاذ علم الحرب في المدرسة البروسية، حينما قال: 'إن القوة المادية هي قبضة السيف الخشبي، أما القوة المعنوية فهي حد السيف البتار'.. 'فالقوة المعنوية أو الروح المعنوية عنده وهي كذلك هي وقود الإرادة التي تنتصب كالمسلة في ميدان فسيح، تتشعب إليه ومنه كل الطرق الرئيسية في المدينة، ولم يكن إبداع نصب المسلة في تاريخنا القديم، ببعيد عن ذلك المعني العميق لشموخ الإرادة وانتصابها في قلب الميدان، نحو قلب السماء، تعبيرًا عن القوة المعنوية، التي هي مصدر الإرادة والصمود والبقاء.
إن أعداءنا يدركون ذلك جيدًا، ولذلك فإن الضلع الأول الذي تعددت صور استخدامه لإزاحة الجيش إلي قلب هذا المثلث، واحتجازه في داخله، ظل موصولا بهذا العامل الأساسي، وهو إحداث حالة من شأنها تجريف الروح المعنوية للجيش، تارة بذمّه والتحريض عليه، وتارة بمحاولة تشويه دوره وتاريخه ورموزه، وفي المحصلة النهائية، تحويله إلي بنية مكروهة في حد ذاتها، ولو لم تكن في تربة الجيش المصري ينابيع وطنية تاريخية، تروي روحه المعنوية، وانتماءه الوطني، رغم كل الحن والاتهامات والتشكيك، لأدركه العطش القاتل منذ وقت طويل.
ثانيًا: إن التاريخ الوطني، وفي إطاره التاريخ العسكري، ليس سلسلة منفصلة من الأحداث والوقائع والحلقات، ولكنه تيار بلا فواصل، ونهر بلا قواطع، وأرض مفتوحة بلا فجوات، وهذا الإدراك هو أحد معاني الوعي التاريخي، كما أنه أحد تجليّات الذاكرة العسكرية، وهو في الوقت نفسه أهم محددات الثقافة الاستراتيجية علي المستوي الوطني، لكن واحدًا من هذه المحددات ينبثق من ذلك الجسر العميق، الذي يصل بين الروح المعنوية للجيش، وبين وحدة الجبهة الداخلية، ففوق هذا الجسر المفتوح فقط، أمكن لقوة صغيرة للجيش وسط أنقاض هزيمة 1967، وبعد أقل من شهر واحد علي صدمتها المروّعة أن تقتل في ظل موازين قوي مختلة في معركة رأس العش، وأن تحقق أول انتصار لها علي قوة إسرائيلية مهاجمة، وأن تجبرها علي التراجع بعد أن خسرت قائدها و13 فردًا من قوتها، وفوق هذا الجسر فقط، أمكن لسلاح الطيران المصري الذي فقد 80% من طائراته فوق الأرض، أن يبدأ بعد 6 أسابيع في القيام بهجمات جوية مركزة وخاطفة ضد القوات الإسرائيلية المدرعة والميكانيكية علي الضفة الشرقية لقناة السويس.. إلخ.
ولذلك فإن الضلع الثاني لهذا المثلث، يتعلق بالضرورة بأوضاع الداخل المصري، والذي تتحمل السلطة الحاكمة الآن مسئولية إيصاله إلي استفحال حالة الانقسام والشرذمة، وشيوع صور الصدام والاحتراب والاضطراب، علي نحو غير مسبوق، وهي تفرض سطوتها ونزوعها إلي الاحتكار والإكراه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واستلاب الدولة لصالح جماعة الإخوان المسلمين، ضاربة عرض الحائط بكل ما يترتب علي ذلك من تعريض الكيان الوطني ذاته، لمحنة الانزلاق إلي صدام مفتوح، وحريق كبير، لن تكون ناره بعيدة عن عظم الوطن نفسه، بعد أن نخر الجوع والفقر واليأس في بدنه، واشتعل الغضب في قلبه وروحه، وبكل ما يترتب علي ذلك من مردود علي أوضاع الجيش، وسط تهديدات وتحديات ومطامع أجنبية بارزة، تتحين الفرصة للوثوب بالقوة، لقضم الأطراف، وابتلاع الثغور،.
ثالثا: إنها المرة الأولي في التاريخ الوطني التي يتعرض فيها الوطن لمواجهة مخاطر مستجدة، وتهديدات بازغة، في سياق تخطيط استراتيجي معاد ومكتمل، يطول كل المحاور الاستراتيجية الرئيسية لبوابات مصر الثلاث، في توقيت متزامن، سواء أكانت سيناء البوابة الأمامية لمصر، والتي تشكل مدخلها الشرقي المفعم بالأخطار، أو كانت البوابة الجانبية في الشمال الغربي عبر الحدود بين مصر وليبيا، أو البوابة الجنوبية عبر الحدود المصرية السودانية. وجميع هذه التهديدات هي تهديدات مخططة ومتنامية ومتسارعة، وهي تشكل أبعادًا من استراتيجية واحدة، هدفها تطويق مصر، والإمساك بأطرافها وبناء رؤوس جسور مضادة، وشحنها وتجهيزها لإحداث ضغوط مضاعفة علي الكيان الوطني وقواته المسلحة، متزامنًا مع دفع القلب إلي مزيد من الاحتقان والانقسام والاحتراب، لخلق حالة تؤهل رؤوس الجسور، للتحرك اتساعًا وعمقًا فوق المسارح الثلاثة، لتقليم واقتطاع أركان مصر وزواياها القائمة، سواء الركن الشمالي الشرقي في سيناء، 'علي الأقل خط رفح إيلات شرم الشيخ'، وفي الركن الشمالي الغربي 'السلوم مطروح' وفي الركن الجنوبي الشرقي 'علبة حلايب' خاصة إذا تم إيصال حالة الاحتقان والانقسام إلي انفجار وفوضي، مع العلم بأنه لا يمكن فصل مناطق البحر الأحمر ومنابع النيل، وإفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب البحر الأبيض، والتعامل مع كل منها علي أنها كتلة استراتيجية مستقلة، فهناك ترابط، سواء علي المستوي الاستراتيجي، أو علي مستوي الجغرافيا السياسية، بين هذه الكتل، التي تكاد أن تشكل جوانب في إقليم استراتيجي واحد.
ومن المؤكد مثلا أن وجود قوات فرنسية علي مشارف الحدود المصرية، وعلي مقربة من مياهها الإقليمية وسواحلها، في ضوء الاتفاقية الفرنسية الليبية، التي وقعّت في الرابع عشر من هذا الشهر، ليس مستقلا عن توجه حلف الأطلنطي، الذي يسعي إلي تطبيق نظرية 'برن' عن وحدة شمال وجنوب البحر المتوسط باستخدام القوة، ولا عن مهام القيادة العسكرية الأمريكية الخاصة بإفريقيا، والتي تحمل اسم 'أفريكام' والتي حصلت علي قاعدة لها في المغرب العربي، ولا عن بروز توجّه استراتيجي غربي واضح لفرض وجود عسكري غربي علي دول المنطقة، وأقاليمها الرئيسية في ظل سلطات حاكمة تبحث عن حصانة لها، في كنف هذا الوجود الأجنبي، ومن المؤكد دون دخول في التفاصيل، أن هذا كله ليس مستقلا عن التهديدات التي توجد وتتنامي عند بوابات مصر الثلاث، في الشرق وفي الشمال الغربي وفي الجنوب الشرقي.
ومن المؤكد كذلك أن أضلاع هذا المثلث الثلاثة، ليست منفصلة أو مستقلة، ولكنها مترابطة ومتفاعلة، وهي تشكل في مجموعها، حقلا مغناطيسيًا واحدًَا، يراد له أن يحتجز الجيش في داخله، لا يفرض عليه أوضاعًا تقيد حركته، وتشتت جهوده، وتمنعه من الاندفاع في اتجاه جبهة المجهود الرئيس للحيلولة دون سقوط مصر، في الهوة السحيقة، التي يتم دفعها إليها.
لقد تزامن إفصاح التهديد جنوبًا عن وجهه القبيح، مع الإفصاح عن الاتفاقية العسكرية الفرنسية الليبية في الشمال الغربي، والتي سيبدأ تنفيذها عمليًا بعد ثلاثة أيام من كتابة هذه السطور، ولذلك فإن إلقاء الضوء علي وجه التهديد البازغ جنوبًا، والذي مازال يلفه الغموض من منظور الرأي العام، قد يحظي بالأولوية الآن.
لقد تم في العاشر من هذا الشهر، إصدار وثيقة تفاهم بين ما يسمّي: 'حركة كوش السودانية' و'حركة كتالة النوبية' ووضعت الوثيقة في صدرها العلوي شعار الحركتين، وكلاهما تزينه البنادق الآلية، أي أننا بصدد إعلان يتضمن توحد حركتين مسلحتين، علي جانبي حدود مصر والسودان، أما نص الوثيقة، فقد ركز علي 'توحيد جهود الحركتين في مرحلة تاريخية مهمة، تعاد فيها صياغة الشرق الأوسط ' و ذلك ' لتأسيس مؤتمر نوبي بوصفه منظمة بقيادة واحدة تمتد داخل الدولتين ' من أجل ' إعادة الاسم التاريخي للمنطقة المعروفة بالنوبة وبحيرة النوبة، في كل من النوبة العليا والسفلي 'مصر والسودان'' و'إعادة توطين النوبيين بأرضهم الأصلية حول بحيرة النوبة' و'الوقوف معًا ضد المخططات التي تستهدف وجود النوبيين في أرضهم التاريخية مثل التهجير والإبعاد القسري بواسطة السدود' و'العمل علي تحقيق كل الأهداف بالنضال المشترك وفق كل السبل والإمكانات المتاحة والممكنة'.وإذا كانت حركة 'كتالا' التي أعلنت عن وجودها قبل عدة أشهر، قد قدمت نفسها علي أنها حركة وطنية مصرية مسلحة، تستهدف حصول النوبيين المصريين علي بعض ما يعتقدون أنه حقوقهم في السكن والعمل، ولكن باعتبارهم مصريين خلصاء في إطار الجماعة الوطنية، فقد ساعد علي الترويج لها إعلاميًا، بشكل مكثف، وتقديم خطابها علي أساس أنها معادية لجماعة الإخوان المسلمين، إلي جانب تمسكها بهويتها الوطنية المصرية، وتلويحها الذي بدا شكليًا باستخدام القوة، إضافة إلي هذا الكم الهائل من الجهل والسطحية، الذي يعشش في عقول بعض الإعلاميين، فلم يكن من الصعب الحصول علي معلومات دقيقة بأن إعلان الحركة عن وجودها قد تم بعد شهر واحد من مشاركة بعض رموزها في مؤتمر بوادي حلفا، تحت لافتة إحياء التراث النوبي، ممول من مصادر أمريكية وإسرائيلية، تولي مسئولية الدعوة إليه وعقده وقيادته شخص اسمه 'أسامة داوود' معروف بارتباطاته الوثيقة بالمخابرات المركزية الأمريكية، ولم يمنع أحد أحدًا من أحباء التراث النوبي، ولا أحباء اللغة النوبية، رغم أن قاموس كلماتها، لا يحتوي سوي علي 350 كلمة فقط لا غير، ولذلك فإن فهم طبيعة الحركة، ومن ثم طبيعة التحالف بينها وبين 'حركة كوش'، والأهداف الاستراتيجية التي تتحرك مدفوعة بمصالح أجنبية لتحقيقها يتطلب الرجوع إلي الأهداف المعلنة لحركة 'كوش' نفسها، باعتبارها مصدر الدفع والحركة والتوجه، حيث يؤكد ميثاق الحركة ما يلي:
أولاً: أن 'النوبيين' جزء لا يتجزأ من شعوب كوش، التي تشمل شعوب السودان بما فيها الشعوب النيلية الممتدة جنوبًا، حتي قبيلة الماساي في كينيا، ويشمل شرقًا معظم شعوب القرن الإفريقي، وغربًا حتي قبيلة الأشانتي في غانا.
ثانيًا: إن قيام مملكة 'سنار' في القرن السادس عشر، كان البداية الفعلية لنشوء دولة في السودان تفرض الثقافة العربية الإسلامية بقوة السلطان، مهمِّشة ومغيِّبة ثقافة أهل البلد الأصليين والمستمرة حتي الآن، مرورًا بالاستعمار المصري عام 1821، وقيام سلطة المهدية الإسلامية عام 1885، ثم سلطة الاستعمار البريطاني المصري المشترك عام 1898.
ثالثًا: '... وتأسيسًا علي كل ما سبق ذكره يعلن الثوريون والوطنيون النوبيون، وجميع السودانيين الحادبين علي سيادة الوطن وتحرير أرضه المحتلة من قبل الاستعمار المصري في مثلث 'سرة' و'مثلث حلايب' و'الحوض النوبي' إنشاء الحركة لتحرير تلك الأراضي المحتلة من براثن الاستعمار المصري الاستيطاني العنصري، المتمسك بسياسة الأرض المحروقة، وذلك بالعمل علي تهجير سكانها النوبيين بعد غمر أراضيهم، ثم احتلال مثلث حلايب، ثم الوثوب والاستيلاء علي مثلث سرة، وأخيرًا الحوض النوبي مطلقًا عليه اسم مشروع توشكي.
رابعًا: '... إن غالبية الجماعات المكونة للشعب المصري الآن، هي جماعات وفدت غازية إلي وادي النيل، واستقرت علي الأراضي الحالية في مصر عن طريق الغزو والقهر وعبر الزمن، ولم تكن قط علي علاقات سلام وإخاء ومحبة مع الأفارقة أصحاب الأرض الأصليين وهم النوبيون وغيرهم من السود....، لذلك تضع الحركة مكانة خاصة للنوبيين الموجودين في الأراضي النوبية الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية المصرية، والذين يعيشون تحت ظروف قاسية من القهر والتهميش والاجتثاث والفصل العنصري في الصحراء'.
خامسًا: '... إن اتفاقية إغراق الأراضي النوبية، وإقامة السد العالي، تمت من وراء ظهر النوبيين والشعب السوداني، وتطالب بإعادة النظر في بنود تلك الاتفاقية، لأنها قامت علي باطل، إن تلك الحقوق حقوق تاريخية يجب الإقرار بها بدلا من الانفراد والاستمتاع بها دون وجه حق ومنحها لمن لا يملك، وحرمان أصحابها الحقيقيين وهم النوبيون في مصر والسودان'.
سادسًا: '... إن الحركة ستعمل من أجل الأفريقانية، والوحدة الإفريقية كما ستعمل علي إقامة علائق وثيقة مع الأفارقة الأمريكيين ومنظماتهم الاجتماعية والثقافية، كما ستتصدي للأطماع المصرية في إفريقيا بحجة حماية مصالحها المائية، كما تدعو إلي إعادة النظر في اتفاقيات مياه النيل بين دول الحوض، علمًا بأن مصر وبفضل البحيرة النوبية قد أمَّنت مخزونها المائي، علي حساب دول حوض النيل الإفريقية.
سابعًا: '... إن قوي الاستعباد والاستيعاب للنوبيين والسودانيين، ومنذ القرن السابع الميلادي جاءت عبر البوابة الشمالية من الجزيرة العربية، لذلك فإن مفهوم العلاقة المصرية السودانية أو مع ما يسمي بالأمة العربية هو محض افتراء، فعلاقة النوبة مع العرب كانت علاقات حروب وسفك دماء واستعباد، وما معاهدة البقط إلا دليلا علي ذلك، مرورًا بغزوات العمري ضد النوبيين واليجا، وتجريدات صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس، والاستعمار المصري عام 1821 من أجل المال والذهب والعبيد..'
من المؤكد أنه يمكن استخدام الكثير من هذه المقاطع المأخوذة نصًا من الميثاق، في إطار التوجه الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي في منطقة جنوب مصر وأعالي النيل والبحر الأحمر، واستبيان أسباب زرع منظمة انفصالية مسلحة في المنطقة، والإعلان المباشر عن ميثاق مشترك بينها وبين حركة تحرير كوش، ومن المؤكد أن سبب احتفاء بعض الإعلاميين بها علي أنها معادية لجماعة الإخوان المسلمين هو محض اختلاق، فهي معادية للسيادة المصرية، وللمصالح والحقوق والاستراتيجية المصرية، بقدر عدائها للثقافة العربية الإسلامية، التي هي جوهر أيديولوجية العروبة، باعتبارها الغلاف الحضاري الحافظ لثمرة الإسلام.
نحن إذن أمام هجمة منظمة علي مصر جنوبًا، لا يقلل من شأنها أن منظمة كوش لا قاعدة لها في السودان، وإن كانت تعمل سرًا تحت ستار إحياء اللغة النوبية وحفظ التراث النوبي، ولا يقلل من شأنها أن قوام النوبيين في حلفا أو كومبو لا يزيدون علي 30 ألف شخص، وأن هذه المناطق هي أفقر المناطق في السودان باعتبارها الأكثر جفافا ووعورة جبلية في الناحية الشرقية، كما أنها الأضيق حافة في مجري النهر، ولكننا أمام أطماع تدفع دفعا إلي الوثوب داخل الحدود المصرية، ويحظي شعارها 'أفريقيا للأفريقيين'، بتعاطف من جميع دول حوض النيل، كما أنها تتلقي دعمًا من بعض هذه الدول، خاصة 'أفورقي' الذي ساهم في دعم الانفصال في السودان، ويساهم في دعم الانفصال عن مصر، كما أن لها امتدادات في دارفور وجنوب كردفان وجنوب السودان، إضافة إلي ارتباطاتها الوثيقة بالاستراتيجية الأمريكية في أفريقيا وفي قلبها الحركة الصهيونية.
إن الأطماع الاستراتيجية في هذا الإطار بعيدة المدي، ولكن في سياق الأهداف العاجلة والمباشرة، فوق محاولة خلخلة الجنوب المصري يبرز السد العالي كهدف مباشر شأنه شأن جبال من الطمي متراكمة خلفه، والتي تساوي مليارات الدولارات، باعتباره أخصب طين في العالم، تضع إسرائيل عيينها عليه، لإخصاب وزراعة النقب، كما يبرز فيتو عنصري يطيح بإمكانات واعدة لمشاريع زراعية مشتركة بين مصر والسودان، تتجاوز 4 ملايين فدان في منطقة 'أرقين' كما أنه يكرس الدعوة إلي سلخ 12500 كم2 في قطاع حلايب وشلاتين، التي هي جزء من التراب المصري، بكل ما يشمله من مناطق مرتفعة غنية، فضلا عن ثرواتها وإمكاناتها المعدنية والبترولية المؤكدة، في مواضع جبل علبة، وشنديب، ووضعها كجبهة استراتيجية عريضة وواسعة في البحر الأحمر.
ويا أيها الجالسون فوق رؤوسنا، من أي باب ستدخلون في التاريخ، بل من أي باب ستدخلون إلي جهنم وبئس المصير، إذ كانت أطماعكم الذاتية الجهولة الضيقة، تدفع بمصر دفعا، إلي معترك يمزق وحدتها، ويقطع أوصالها وأطرافها، ويهيئ السبل لقوي الإمبريالية والصهيونية، لكي تثب بالخديعة والقوة المسلحة علي أرضها..؟!
Email: [email protected]
Site : ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.