نيكول سابا تنتقد سلوك الجمهور تجاه الفنانين وتروي موقفا شخصيا لها (فيديو)    من 8 صباحا والعودة مفتوحة، فصل الكهرباء اليوم عن 5 مناطق في إسنا جنوب الأقصر    في سابقة تاريخية بالبيت الابيض، متحدثة ترامب تكشف عن "أعظم هدية" في عيد الميلاد    اليوم، انطلاق التصويت بالداخل في جولة إعادة 19 دائرة ملغاة من انتخابات النواب    انفصال بعد 21 عامًا يشعل السوشيال.. داليا مصطفى في صدارة الاهتمام وتفتح صفحة جديدة فنيًا    منها السرطان والخصوبة، النوم بجانب هاتفك يصيبك ب 4 أمراض خطرة على المدى الطويل    افتتاح مسجد «عبد الله بن عباس» بمدينة القصير بتكلفة 7.5 مليون جنيه| صور    هجوم صاروخي روسي يستهدف العاصمة الأوكرانية كييف    عماد الزيني رئيسًا ل "هواة الصيد" ببورفؤاد.. والجمعية العمومية ترسم لوحة الانتصار ب 2025    ضبط 11 محكومًا عليهم والتحفظ على 4 مركبات لمخالفة قوانين المرور    وزير الرى يتابع إجراءات تدريب الكوادر الشابة بالوزارة فى مجال إدارة المشروعات    جاهزية 550 مقرًا انتخابيًا في سوهاج لجولة الإعادة بانتخابات مجلس النواب 2025    "التحالف الوطني" يُطلق مسابقة "إنسان لأفضل متطوع" ويوقع أعضاؤه أول ميثاق أخلاقي مشترك للتطوع في مصر| صور    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يفتتحان مستشفى جامعة بورسعيد    بورسعيد تهدي الوطن أكبر قلاعها الطبية.. افتتاح المستشفى الجامعي| صور    مدرب مالي يهاجم التونسي هيثم قيراط حكم ال VAR بعد التعادل أمام المغرب في أمم إفريقيا    إنذار بحري.. الأرصاد تُحذر من اضطراب ملاحة البحر المتوسط    121 عامًا على ميلادها.. «كوكب الشرق» التي لا يعرفها صُناع «الست»    شاهد.. حريق هائل يلتهم أكشاك بمحيط محطة رمسيس| فيديو    صور من الظل إلى العلن.. الديمقراطيون يفضحون شبكة علاقات إبستين    التعليم: واقعة التعدى على طالبة بمدرسة للتربية السمعية تعود لعام 2022    بسبب الميراث| صراع دموي بين الأشقاء.. وتبادل فيديوهات العنف على مواقع التواصل    الصحة العالمية تحذر: 800 ألف حالة وفاة سنويا في أوروبا بسبب تعاطي هذا المشروب    منع جلوس السيدات بجوار السائق في سيارات الأجرة والسرفيس بالبحيرة    ترامب: احتمالات إبرام اتفاق تسوية للأزمة الأوكرانية خلال زيارة زيلينسكي إلى فلوريدا    البروفيسور عباس الجمل: أبحاثي حوّلت «الموبايل» من أداة اتصال صوتي لكاميرا احترافية    أمم إفريقيا – مدرب مالي: كنا نستحق ركلة جزاء إضافية أمام المغرب    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    أستاذة اقتصاد بجامعة عين شمس: ارتفاع الأسعار سببه الإنتاج ليس بالقوة بالكافية    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    عمرو أديب عن واقعة ريهام عبدالغفور: "تعبنا من المصورين الكسر"    مها الصغير أمام المحكمة في واقعة سرقة اللوحات    أمم إفريقيا - فلافيو: أتمنى أن نتعادل مع مصر.. وبانزا يحتاج للحصول على ثقة أكبر    شيكابالا: الشناوي لا يحتاج إثبات نفسه لأحد    مانشستر يونايتد يحسم مواجهة نيوكاسل في «البوكسينج داي» بهدف قاتل بالدوري الإنجليزي    سقوط أمطار خفيفة على مدينة الشيخ زويد ورفح    الأردن يدين الانفجار الإرهابي في مسجد بحمص ويؤكد تضامنه الكامل مع سوريا    الفضة ترتفع 9 % لتسجل مستوى قياسيا جديدا    البنك المركزى يخفض أسعار الفائدة 1% |خبراء: يعيد السياسة النقدية لمسار التيسير ودعم النمو.. وتوقعات بتخفيضات جديدة العام المقبل    بعد حركة تنقلات موسعة.. رئيس "كهرباء الأقصر" الجديد يعقد اجتماعًا مع قيادات القطاع    ريابكوف: لا مواعيد نهائية لحل الأزمة الأوكرانية والحسم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية    الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بحاجة للمساعدات في سريلانكا بعد إعصار "ديتواه"    لماذا تحتاج النساء بعد الخمسين أوميجا 3؟    د. خالد قنديل: انتخابات رئاسة الوفد لحظة مراجعة.. وليس صراع على مقعد| حوار    صلاح حليمة يدين خطوة إسرائيل بالاعتراف بإقليم أرض الصومال    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    الأمم المتحدة: الحرب تضع النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار    غدا.. محاكمة أحد التكفيرين بتهمة تأسيس وتولي قيادة جماعة إرهابية    الشدة تكشف الرجال    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    إقبال كبير من أعضاء الجمعية العمومية لانتخابات الاتحاد السكندري    إصابة مواطنين إثر انقلاب سيارة ربع نقل على صحراوى جنوب الأقصر    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    الليلة في أمم إفريقيا.. المغرب يصطدم بمالي في مواجهة لا تقبل القسمة على اثنين    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنّه جيشُنا..!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 25 - 02 - 2013

نعم إنه جيشنا، هذا البنيان الوطني الراسخ الصلب، لا يملكه أحد سوانا، نحن المصريين، هذا الذي يتربص به النازيون الجدد، وينشرون أسلحة الإكراه في الفضاء الوطني، عبر وسائل إعلامهم اللقيطة، في وجه عزته وكرامته ومجده، هذا الذي يحرضون شُذّاذ الآفاق علي النيل منه لتحطيم معنوياته وكسر إرادته، وهم يحشون أفواههم بشعارات مستوردة ضد وظيفته ودوره.
هذا جيشنا، جيش الدولة التاريخية المصرية، أقدم جيش، لأقدم شعب، لأول أمة، وأول امبراطورية في التاريخ، بل إننا إذا احتسبنا تاريخ الولادة وطبيعة النشأة، لقلنا إنها دولة الجيش، قبل أن يكون جيش الدولة، فقد ولدت الدولة من ضلعه، قبل أن تتنفس هواء التاريخ، وكأنها 'منيرفا' في الميثولوجيا القديمة.
وكما هو جيشنا بحكم وشائج الدم والأرض، ونبض الحضارة والتاريخ ومعارك التحرير والفداء، فهو جيشنا بحكم أنه ليس أقل ولا أكثر من صورة طبيعية لنا نحن المصريين في مرآة الزمن، كما هي في مرآة الواقع، صور واقعية لأمة ممثلة في جسده الحي، دون صناديق انتخاب، حية فيها بخلاياها جميعها، موقّعة فوق خرائط الوطن دون تقسيم، وفوق خرائط الطبقات دون احتكار، وفوق خرائط الثقافة والمعرفة دون تمييز، منتخبة دون تزوير، بديمقراطية العدل في ضريبة الدم والدفاع عن الوجود والحياة.
إنه لذلك، الصورة الواقعية الحقيقية لوحدة الشعب، ووحدة الأمة، بل قل الصورة الوحيدة الباقية، رغم كل عوامل التعرية والإذابة، التي تجسد هذا الشعب العظيم، موحدًا، وفاعلاً، ومسلحا بطاقة لا تنفد، وإرادة لا تلين.
إنه جيشنا مدرسة الوطنية الحقّة، قد لا يعرف جوهرها الثمين، ومعدنها النفيس الآمن، انغرس في الرمل وصنع من جسده سارية لعلمها، واستنشق عطر معاركها، وذاب في صفوفها مُنكرًا ذاته وكينونته، كما تذوب قطرة الندي في قلب شجرة الحياة.
التاريخ الوطني كله، الذي يجد نفسه في قلب محنة معقدة غير مسبوقة، كأنها تشكل مثلثًا ضاغطًا متساوي الأضلاع:
أولاً: إن الروح المعنوية هي الخبز الحقيقي الذي تقتات عليه الجيوش، فهي مصدر الطاقة ومكمن القوة، ووقود الثبات والصمود والانتصار، ولم يبالغ 'كلاوزفيتز' أستاذ علم الحرب في المدرسة البروسية، حينما قال: 'إن القوة المادية هي قبضة السيف الخشبي، أما القوة المعنوية فهي حد السيف البتار'.. 'فالقوة المعنوية أو الروح المعنوية عنده وهي كذلك هي وقود الإرادة التي تنتصب كالمسلة في ميدان فسيح، تتشعب إليه ومنه كل الطرق الرئيسية في المدينة، ولم يكن إبداع نصب المسلة في تاريخنا القديم، ببعيد عن ذلك المعني العميق لشموخ الإرادة وانتصابها في قلب الميدان، نحو قلب السماء، تعبيرًا عن القوة المعنوية، التي هي مصدر الإرادة والصمود والبقاء.
إن أعداءنا يدركون ذلك جيدًا، ولذلك فإن الضلع الأول الذي تعددت صور استخدامه لإزاحة الجيش إلي قلب هذا المثلث، واحتجازه في داخله، ظل موصولا بهذا العامل الأساسي، وهو إحداث حالة من شأنها تجريف الروح المعنوية للجيش، تارة بذمّه والتحريض عليه، وتارة بمحاولة تشويه دوره وتاريخه ورموزه، وفي المحصلة النهائية، تحويله إلي بنية مكروهة في حد ذاتها، ولو لم تكن في تربة الجيش المصري ينابيع وطنية تاريخية، تروي روحه المعنوية، وانتماءه الوطني، رغم كل الحن والاتهامات والتشكيك، لأدركه العطش القاتل منذ وقت طويل.
ثانيًا: إن التاريخ الوطني، وفي إطاره التاريخ العسكري، ليس سلسلة منفصلة من الأحداث والوقائع والحلقات، ولكنه تيار بلا فواصل، ونهر بلا قواطع، وأرض مفتوحة بلا فجوات، وهذا الإدراك هو أحد معاني الوعي التاريخي، كما أنه أحد تجليّات الذاكرة العسكرية، وهو في الوقت نفسه أهم محددات الثقافة الاستراتيجية علي المستوي الوطني، لكن واحدًا من هذه المحددات ينبثق من ذلك الجسر العميق، الذي يصل بين الروح المعنوية للجيش، وبين وحدة الجبهة الداخلية، ففوق هذا الجسر المفتوح فقط، أمكن لقوة صغيرة للجيش وسط أنقاض هزيمة 1967، وبعد أقل من شهر واحد علي صدمتها المروّعة أن تقتل في ظل موازين قوي مختلة في معركة رأس العش، وأن تحقق أول انتصار لها علي قوة إسرائيلية مهاجمة، وأن تجبرها علي التراجع بعد أن خسرت قائدها و13 فردًا من قوتها، وفوق هذا الجسر فقط، أمكن لسلاح الطيران المصري الذي فقد 80% من طائراته فوق الأرض، أن يبدأ بعد 6 أسابيع في القيام بهجمات جوية مركزة وخاطفة ضد القوات الإسرائيلية المدرعة والميكانيكية علي الضفة الشرقية لقناة السويس.. إلخ.
ولذلك فإن الضلع الثاني لهذا المثلث، يتعلق بالضرورة بأوضاع الداخل المصري، والذي تتحمل السلطة الحاكمة الآن مسئولية إيصاله إلي استفحال حالة الانقسام والشرذمة، وشيوع صور الصدام والاحتراب والاضطراب، علي نحو غير مسبوق، وهي تفرض سطوتها ونزوعها إلي الاحتكار والإكراه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واستلاب الدولة لصالح جماعة الإخوان المسلمين، ضاربة عرض الحائط بكل ما يترتب علي ذلك من تعريض الكيان الوطني ذاته، لمحنة الانزلاق إلي صدام مفتوح، وحريق كبير، لن تكون ناره بعيدة عن عظم الوطن نفسه، بعد أن نخر الجوع والفقر واليأس في بدنه، واشتعل الغضب في قلبه وروحه، وبكل ما يترتب علي ذلك من مردود علي أوضاع الجيش، وسط تهديدات وتحديات ومطامع أجنبية بارزة، تتحين الفرصة للوثوب بالقوة، لقضم الأطراف، وابتلاع الثغور،.
ثالثا: إنها المرة الأولي في التاريخ الوطني التي يتعرض فيها الوطن لمواجهة مخاطر مستجدة، وتهديدات بازغة، في سياق تخطيط استراتيجي معاد ومكتمل، يطول كل المحاور الاستراتيجية الرئيسية لبوابات مصر الثلاث، في توقيت متزامن، سواء أكانت سيناء البوابة الأمامية لمصر، والتي تشكل مدخلها الشرقي المفعم بالأخطار، أو كانت البوابة الجانبية في الشمال الغربي عبر الحدود بين مصر وليبيا، أو البوابة الجنوبية عبر الحدود المصرية السودانية. وجميع هذه التهديدات هي تهديدات مخططة ومتنامية ومتسارعة، وهي تشكل أبعادًا من استراتيجية واحدة، هدفها تطويق مصر، والإمساك بأطرافها وبناء رؤوس جسور مضادة، وشحنها وتجهيزها لإحداث ضغوط مضاعفة علي الكيان الوطني وقواته المسلحة، متزامنًا مع دفع القلب إلي مزيد من الاحتقان والانقسام والاحتراب، لخلق حالة تؤهل رؤوس الجسور، للتحرك اتساعًا وعمقًا فوق المسارح الثلاثة، لتقليم واقتطاع أركان مصر وزواياها القائمة، سواء الركن الشمالي الشرقي في سيناء، 'علي الأقل خط رفح إيلات شرم الشيخ'، وفي الركن الشمالي الغربي 'السلوم مطروح' وفي الركن الجنوبي الشرقي 'علبة حلايب' خاصة إذا تم إيصال حالة الاحتقان والانقسام إلي انفجار وفوضي، مع العلم بأنه لا يمكن فصل مناطق البحر الأحمر ومنابع النيل، وإفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب البحر الأبيض، والتعامل مع كل منها علي أنها كتلة استراتيجية مستقلة، فهناك ترابط، سواء علي المستوي الاستراتيجي، أو علي مستوي الجغرافيا السياسية، بين هذه الكتل، التي تكاد أن تشكل جوانب في إقليم استراتيجي واحد.
ومن المؤكد مثلا أن وجود قوات فرنسية علي مشارف الحدود المصرية، وعلي مقربة من مياهها الإقليمية وسواحلها، في ضوء الاتفاقية الفرنسية الليبية، التي وقعّت في الرابع عشر من هذا الشهر، ليس مستقلا عن توجه حلف الأطلنطي، الذي يسعي إلي تطبيق نظرية 'برن' عن وحدة شمال وجنوب البحر المتوسط باستخدام القوة، ولا عن مهام القيادة العسكرية الأمريكية الخاصة بإفريقيا، والتي تحمل اسم 'أفريكام' والتي حصلت علي قاعدة لها في المغرب العربي، ولا عن بروز توجّه استراتيجي غربي واضح لفرض وجود عسكري غربي علي دول المنطقة، وأقاليمها الرئيسية في ظل سلطات حاكمة تبحث عن حصانة لها، في كنف هذا الوجود الأجنبي، ومن المؤكد دون دخول في التفاصيل، أن هذا كله ليس مستقلا عن التهديدات التي توجد وتتنامي عند بوابات مصر الثلاث، في الشرق وفي الشمال الغربي وفي الجنوب الشرقي.
ومن المؤكد كذلك أن أضلاع هذا المثلث الثلاثة، ليست منفصلة أو مستقلة، ولكنها مترابطة ومتفاعلة، وهي تشكل في مجموعها، حقلا مغناطيسيًا واحدًَا، يراد له أن يحتجز الجيش في داخله، لا يفرض عليه أوضاعًا تقيد حركته، وتشتت جهوده، وتمنعه من الاندفاع في اتجاه جبهة المجهود الرئيس للحيلولة دون سقوط مصر، في الهوة السحيقة، التي يتم دفعها إليها.
لقد تزامن إفصاح التهديد جنوبًا عن وجهه القبيح، مع الإفصاح عن الاتفاقية العسكرية الفرنسية الليبية في الشمال الغربي، والتي سيبدأ تنفيذها عمليًا بعد ثلاثة أيام من كتابة هذه السطور، ولذلك فإن إلقاء الضوء علي وجه التهديد البازغ جنوبًا، والذي مازال يلفه الغموض من منظور الرأي العام، قد يحظي بالأولوية الآن.
لقد تم في العاشر من هذا الشهر، إصدار وثيقة تفاهم بين ما يسمّي: 'حركة كوش السودانية' و'حركة كتالة النوبية' ووضعت الوثيقة في صدرها العلوي شعار الحركتين، وكلاهما تزينه البنادق الآلية، أي أننا بصدد إعلان يتضمن توحد حركتين مسلحتين، علي جانبي حدود مصر والسودان، أما نص الوثيقة، فقد ركز علي 'توحيد جهود الحركتين في مرحلة تاريخية مهمة، تعاد فيها صياغة الشرق الأوسط ' و ذلك ' لتأسيس مؤتمر نوبي بوصفه منظمة بقيادة واحدة تمتد داخل الدولتين ' من أجل ' إعادة الاسم التاريخي للمنطقة المعروفة بالنوبة وبحيرة النوبة، في كل من النوبة العليا والسفلي 'مصر والسودان'' و'إعادة توطين النوبيين بأرضهم الأصلية حول بحيرة النوبة' و'الوقوف معًا ضد المخططات التي تستهدف وجود النوبيين في أرضهم التاريخية مثل التهجير والإبعاد القسري بواسطة السدود' و'العمل علي تحقيق كل الأهداف بالنضال المشترك وفق كل السبل والإمكانات المتاحة والممكنة'.وإذا كانت حركة 'كتالا' التي أعلنت عن وجودها قبل عدة أشهر، قد قدمت نفسها علي أنها حركة وطنية مصرية مسلحة، تستهدف حصول النوبيين المصريين علي بعض ما يعتقدون أنه حقوقهم في السكن والعمل، ولكن باعتبارهم مصريين خلصاء في إطار الجماعة الوطنية، فقد ساعد علي الترويج لها إعلاميًا، بشكل مكثف، وتقديم خطابها علي أساس أنها معادية لجماعة الإخوان المسلمين، إلي جانب تمسكها بهويتها الوطنية المصرية، وتلويحها الذي بدا شكليًا باستخدام القوة، إضافة إلي هذا الكم الهائل من الجهل والسطحية، الذي يعشش في عقول بعض الإعلاميين، فلم يكن من الصعب الحصول علي معلومات دقيقة بأن إعلان الحركة عن وجودها قد تم بعد شهر واحد من مشاركة بعض رموزها في مؤتمر بوادي حلفا، تحت لافتة إحياء التراث النوبي، ممول من مصادر أمريكية وإسرائيلية، تولي مسئولية الدعوة إليه وعقده وقيادته شخص اسمه 'أسامة داوود' معروف بارتباطاته الوثيقة بالمخابرات المركزية الأمريكية، ولم يمنع أحد أحدًا من أحباء التراث النوبي، ولا أحباء اللغة النوبية، رغم أن قاموس كلماتها، لا يحتوي سوي علي 350 كلمة فقط لا غير، ولذلك فإن فهم طبيعة الحركة، ومن ثم طبيعة التحالف بينها وبين 'حركة كوش'، والأهداف الاستراتيجية التي تتحرك مدفوعة بمصالح أجنبية لتحقيقها يتطلب الرجوع إلي الأهداف المعلنة لحركة 'كوش' نفسها، باعتبارها مصدر الدفع والحركة والتوجه، حيث يؤكد ميثاق الحركة ما يلي:
أولاً: أن 'النوبيين' جزء لا يتجزأ من شعوب كوش، التي تشمل شعوب السودان بما فيها الشعوب النيلية الممتدة جنوبًا، حتي قبيلة الماساي في كينيا، ويشمل شرقًا معظم شعوب القرن الإفريقي، وغربًا حتي قبيلة الأشانتي في غانا.
ثانيًا: إن قيام مملكة 'سنار' في القرن السادس عشر، كان البداية الفعلية لنشوء دولة في السودان تفرض الثقافة العربية الإسلامية بقوة السلطان، مهمِّشة ومغيِّبة ثقافة أهل البلد الأصليين والمستمرة حتي الآن، مرورًا بالاستعمار المصري عام 1821، وقيام سلطة المهدية الإسلامية عام 1885، ثم سلطة الاستعمار البريطاني المصري المشترك عام 1898.
ثالثًا: '... وتأسيسًا علي كل ما سبق ذكره يعلن الثوريون والوطنيون النوبيون، وجميع السودانيين الحادبين علي سيادة الوطن وتحرير أرضه المحتلة من قبل الاستعمار المصري في مثلث 'سرة' و'مثلث حلايب' و'الحوض النوبي' إنشاء الحركة لتحرير تلك الأراضي المحتلة من براثن الاستعمار المصري الاستيطاني العنصري، المتمسك بسياسة الأرض المحروقة، وذلك بالعمل علي تهجير سكانها النوبيين بعد غمر أراضيهم، ثم احتلال مثلث حلايب، ثم الوثوب والاستيلاء علي مثلث سرة، وأخيرًا الحوض النوبي مطلقًا عليه اسم مشروع توشكي.
رابعًا: '... إن غالبية الجماعات المكونة للشعب المصري الآن، هي جماعات وفدت غازية إلي وادي النيل، واستقرت علي الأراضي الحالية في مصر عن طريق الغزو والقهر وعبر الزمن، ولم تكن قط علي علاقات سلام وإخاء ومحبة مع الأفارقة أصحاب الأرض الأصليين وهم النوبيون وغيرهم من السود....، لذلك تضع الحركة مكانة خاصة للنوبيين الموجودين في الأراضي النوبية الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية المصرية، والذين يعيشون تحت ظروف قاسية من القهر والتهميش والاجتثاث والفصل العنصري في الصحراء'.
خامسًا: '... إن اتفاقية إغراق الأراضي النوبية، وإقامة السد العالي، تمت من وراء ظهر النوبيين والشعب السوداني، وتطالب بإعادة النظر في بنود تلك الاتفاقية، لأنها قامت علي باطل، إن تلك الحقوق حقوق تاريخية يجب الإقرار بها بدلا من الانفراد والاستمتاع بها دون وجه حق ومنحها لمن لا يملك، وحرمان أصحابها الحقيقيين وهم النوبيون في مصر والسودان'.
سادسًا: '... إن الحركة ستعمل من أجل الأفريقانية، والوحدة الإفريقية كما ستعمل علي إقامة علائق وثيقة مع الأفارقة الأمريكيين ومنظماتهم الاجتماعية والثقافية، كما ستتصدي للأطماع المصرية في إفريقيا بحجة حماية مصالحها المائية، كما تدعو إلي إعادة النظر في اتفاقيات مياه النيل بين دول الحوض، علمًا بأن مصر وبفضل البحيرة النوبية قد أمَّنت مخزونها المائي، علي حساب دول حوض النيل الإفريقية.
سابعًا: '... إن قوي الاستعباد والاستيعاب للنوبيين والسودانيين، ومنذ القرن السابع الميلادي جاءت عبر البوابة الشمالية من الجزيرة العربية، لذلك فإن مفهوم العلاقة المصرية السودانية أو مع ما يسمي بالأمة العربية هو محض افتراء، فعلاقة النوبة مع العرب كانت علاقات حروب وسفك دماء واستعباد، وما معاهدة البقط إلا دليلا علي ذلك، مرورًا بغزوات العمري ضد النوبيين واليجا، وتجريدات صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس، والاستعمار المصري عام 1821 من أجل المال والذهب والعبيد..'
من المؤكد أنه يمكن استخدام الكثير من هذه المقاطع المأخوذة نصًا من الميثاق، في إطار التوجه الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي في منطقة جنوب مصر وأعالي النيل والبحر الأحمر، واستبيان أسباب زرع منظمة انفصالية مسلحة في المنطقة، والإعلان المباشر عن ميثاق مشترك بينها وبين حركة تحرير كوش، ومن المؤكد أن سبب احتفاء بعض الإعلاميين بها علي أنها معادية لجماعة الإخوان المسلمين هو محض اختلاق، فهي معادية للسيادة المصرية، وللمصالح والحقوق والاستراتيجية المصرية، بقدر عدائها للثقافة العربية الإسلامية، التي هي جوهر أيديولوجية العروبة، باعتبارها الغلاف الحضاري الحافظ لثمرة الإسلام.
نحن إذن أمام هجمة منظمة علي مصر جنوبًا، لا يقلل من شأنها أن منظمة كوش لا قاعدة لها في السودان، وإن كانت تعمل سرًا تحت ستار إحياء اللغة النوبية وحفظ التراث النوبي، ولا يقلل من شأنها أن قوام النوبيين في حلفا أو كومبو لا يزيدون علي 30 ألف شخص، وأن هذه المناطق هي أفقر المناطق في السودان باعتبارها الأكثر جفافا ووعورة جبلية في الناحية الشرقية، كما أنها الأضيق حافة في مجري النهر، ولكننا أمام أطماع تدفع دفعا إلي الوثوب داخل الحدود المصرية، ويحظي شعارها 'أفريقيا للأفريقيين'، بتعاطف من جميع دول حوض النيل، كما أنها تتلقي دعمًا من بعض هذه الدول، خاصة 'أفورقي' الذي ساهم في دعم الانفصال في السودان، ويساهم في دعم الانفصال عن مصر، كما أن لها امتدادات في دارفور وجنوب كردفان وجنوب السودان، إضافة إلي ارتباطاتها الوثيقة بالاستراتيجية الأمريكية في أفريقيا وفي قلبها الحركة الصهيونية.
إن الأطماع الاستراتيجية في هذا الإطار بعيدة المدي، ولكن في سياق الأهداف العاجلة والمباشرة، فوق محاولة خلخلة الجنوب المصري يبرز السد العالي كهدف مباشر شأنه شأن جبال من الطمي متراكمة خلفه، والتي تساوي مليارات الدولارات، باعتباره أخصب طين في العالم، تضع إسرائيل عيينها عليه، لإخصاب وزراعة النقب، كما يبرز فيتو عنصري يطيح بإمكانات واعدة لمشاريع زراعية مشتركة بين مصر والسودان، تتجاوز 4 ملايين فدان في منطقة 'أرقين' كما أنه يكرس الدعوة إلي سلخ 12500 كم2 في قطاع حلايب وشلاتين، التي هي جزء من التراب المصري، بكل ما يشمله من مناطق مرتفعة غنية، فضلا عن ثرواتها وإمكاناتها المعدنية والبترولية المؤكدة، في مواضع جبل علبة، وشنديب، ووضعها كجبهة استراتيجية عريضة وواسعة في البحر الأحمر.
ويا أيها الجالسون فوق رؤوسنا، من أي باب ستدخلون في التاريخ، بل من أي باب ستدخلون إلي جهنم وبئس المصير، إذ كانت أطماعكم الذاتية الجهولة الضيقة، تدفع بمصر دفعا، إلي معترك يمزق وحدتها، ويقطع أوصالها وأطرافها، ويهيئ السبل لقوي الإمبريالية والصهيونية، لكي تثب بالخديعة والقوة المسلحة علي أرضها..؟!
Email: [email protected]
Site : ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.