كشف مؤتمر كلية الإعلام بجامعة القاهرة الذى استمر على مدار اليومين الماضيين تحت عنوان "نحو تجسير الفجوة بين الإعلام والجمهور"، عن العديد من الأسرار والكواليس في انتخابات الرئاسة. حضر المؤتمر، كوكبة من أساتذة كليات الإعلام فى مصر وعدد كبير من الباحثين من محافظات مصر. جاءت أهم الأبحاث التى ناقشها المؤتمر، حول تقييم معالجة القنوات الأجنبية للعملية الديموقراطية فى مصر بعد ثورة 30 يونيو، وتحديداً خلال تغطية الإنتخابات الرئاسية الأخيرة لعام 2018، والذى قدمته الباحثة الدكتورة بسنت محمد عطية مدرس الإذاعة والتلفزيون بكلية اللغة والإعلام بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بالإسكندرية. قامت الباحثة بتحديد الأطر الرئيسية للتحليل في ثلاث قنوات أجنبية هى بي بي سي، ودويتش فيلة، وقناة الحرة، والتي اعتمدت في تغطيتها على بث الأكاذيب والشائعات، حول التشكيك في نزاهة الانتخابات، والاستفتاء على شعبية الرئيس، وإقصاء المنافسين بنسب متقاربه . وكشفت نتائج الدراسة أن قناة بي بي سي العربية بالنسبة لإطار "إقصاء المنافسين" جاءت في المرتبة الأولى بنسبة (40٪)، أما اطار "استفتاء علي شعبية الرئيس وليست انتخابات" بقناة الحرة في المرتبة الأولى بنسبة (33٪)، وجاء إطار "الشك في نزاهة الانتخابات" في المرتبة الأولى بقناة دويتش فيلة بنسبة (44٪). أوضحت النتائج تركيز قناة الحرة على دور السلفيين كتيار سياسي، باعتباره مازال قادرًا على الحشد في الاتجاه المؤيد للسلطة، وكانت القناة الوحيدة أيضًا التي تطرقت لدور الفن في دعم الرئيس السيسي وبصفة خاصة الأغنيات ليس داخل مصر فقط ولكن بالخارج أيضًا، واستعرضت تقريرا يشير إلى غناء أشهر مغنية سودانية له، وربط ذلك بين مقابلة الرئيس السيسي والرئيس السوداني وعلاقة ذلك بتحسين العلاقات بين البلدين. كما عقدت قناة الحرة مقارنات بين رؤية المصريين بالداخل والمصريين بالخارج للانتخابات الرئاسية وأظهرت الفروق بين الرؤيتين، حيث عكست الآراء الخارجية صورة إيجابية عن الانتخابات على عكس آراء المصريين في الداخل، كما جاء في حلقة برنامج اليوم بعنوان "رئاسيات مصر: حصاد اقتراع الخارج" فكرة الإقبال على المشاركة في الانتخابات، واستعرضت الإقبال الكبير من المصريين علي التصويت في الانتخابات وثقتهم في قرارات الرئيس الحالي. أشارت النتائج إلى إستخدام قناة بي بي سي العربية أسلوب السخرية في عرض الأخبار التي تناولت الانتخابات المصرية، وبصفة خاصة في برنامج بي بي سي تريندينج، ليصل المشاهد إلى رسالة ضمنية مفادها أنها انتخابات غير حقيقية، وأن النظام الحالي يسعى لإقصاء منافسيه بأسباب غير منطقية كي لا يكون هناك منافسين واستخدم لغة الجسد في توصيل تلك الرسائل الضمنية. وتوصلت النتائج إلى تعمد غالبية المذيعين في قناة بي بي سي إلى إفساح الوقت للضيوف الذين ركزوا على الجوانب السلبية في حين عمدوا إلى المقاطعة الدائمة للضيوف الذين أبدوا تأييدًا للنظام الحاكم، فى الوقت الذى حققت قناة البي بي سي التوازن على مستوى مشاركات الجمهور ولكن على مستوى ضيوف البرنامج من الخبراء ركزت على آراء المعارضين بدرجة كبيرة مثل أيمن نور، وممدوح حمزة المرشحين السابقين للرئاسة، والمعروف عنهم عداءهم للنظام السياسي الحالي، وكانت المقاطعة الدائمة هي لغة الحوار المتبعة في حالة وجود رأي مؤيد للنظام السياسي المصري. وأكدت النتائج أن الاستراتيجية الهجومية كانت هي السائدة في قناة دويتش فيلة وبصفة خاصة في برنامج السلطة الخامسة ليسري فودة حيث تضمنت الحلقات تقارير تهكمية ذات عناوين سلبيه مثل: "في مديح المخلص سنوات المريدين في كنف السيسي"، "المرشح الوحيد ضد السيسي مؤيد للسيسي"، وجاءت الموسيقى المصاحبة للتقارير تشبه إلى حد كبير الموسيقى المستخدمة في كارتون الأطفال مما يحمل دلالة ضمنية أن الانتخابات الرئاسية ما هي إلا مسلسل كرتوني. وأشارت النتائج إلى أن قناة دويتش فيلة كانت القناة الوحيدة التي تناولت رؤية الإعلام الغربي للانتخابات الرئاسية المصرية من خلال عرض تحليلاتهم وتصريحات المسؤولين الغربين وعلاقة ذلك بالروابط بين مصر وبين تلك الدول، وأشارت إلى أنه ليس بالضرورة أن تتفق العلاقات الدولية مع المعالجات الإعلامية، وقد برز ذلك من خلال إظهار النقد الذي وجهته وسائل الإعلام الغربي لحكوماتها الداعمة للنظام السياسي المصري، فعلى سبيل المثال انتقدت الصحافة الأمريكية صداقة الرئيس الأمريكي ترامب للرئيس السيسي، وأيضًا الصحافة الفرنسية التي وجهت ل"ماكرين" انتقادات لتجاهله ملفات حقوق الإنسان في مصر في مقابل الصفقات الاقتصادية وصفقات الأسلحة بين البلدين. من أبرز ما توصلت اليه نتائج الدراسة وهو ما يعد مختلف عما توصلت اليه الدراسات السابقة التي تناولت الاعلام الموجة بالبحث والتحليل، أن اتجاه المعالجة الإعلامية للقنوات الموجهة بالعربية لم يعد مرتبطاً بالعلاقات السياسية بين الدولة المرسلة والدولة المستقبلة، فالعلاقات المصرية الأمريكية في عهد الرئيس السيسي والرئيس ترامب علاقة داعمة تحكمها المصالح المشتركة خاصة بعد التوصل لحل مشكلة المساعدات الأمريكية لمصر والتي أثارت جدلاً كبيراً في حين أن التناول الإعلامي لقناة الحرة لم يعكس تلك العلاقة. ونفس الشيء ينطبق على قناة دويتش فيلة والعلاقات المصرية الألمانية التي شابها بعض الجمود والتحفظ عقب ثورة 30 يونية، والتي سرعان ما تحولت للاعتراف بدور مصر في محاربة الإرهاب والدليل على ذلك الزيارات المتكررة للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل لمصر ودعمها للمسار الديموقراطي السائد.