أكد الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية ان مدينة القدسالشرقيةالمحتلة تشهد في هذه الأيام هجمة تهويد واستيطان وعدوان غير مسبوقة من قبل اسرائيل بإصدار قرار الكنيست الاسرائيلي بضم المدينة المقدسة، وتم كذلك استكمال عزل المدينة بجدار عازل بما يسمي "حاضن القدس" يعزلها عن باقي الأراضي الفلسطينيةالمحتلة هذا إضافة إلي تصاعد عمليات الاستيلاء علي الأرض والممتلكات الفلسطينية تحت مسميات شتي، وتصاعد الضغط علي الفلسطينيين بشتي الوسائل والإجراءات والقوانين العنصرية لدفعهم لهجرة المدينة والذي أصبح معروفاً "بالتهجير الصامت"، وكل ذلك يهدف إلي تهويد وتغيير واقع وهوية هذه المدينةالمحتلة، وهو أمر يخالف القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بصورة فاضحة. واضاف العربي في كلمته بمؤتمر القدس الدولي بالدوحة الاحد ان انعقاد المؤتمر جاء في وقت تتعرض فيه القدسالشرقيةالمحتلة لأشد المخاطر والانتهاكات الهادفة إلي تغيير الطابع السياسي والديموغرافي لهذه المدينة المقدسة ذات المكانة الخاصة لنا جميعاً أتباع الديانات السماوية الثلاث، وقال ان مدينة القدس تحتل محوراً هاماً وركناً أساسياً في فكر وسياسة الدول العربية والإٍسلامية، وتحيط بها قلوب جميع أنصار السلام والحق والاستقرار في العالم أجمع. وكانت مدينة القدس عبر التاريخ مدينةً للتسامح وتعايش الأديان والحضارات، وحتي قرار التقسيم الجائر الذي صدر عن 1947 اعترف بخصوصية هذه المدينة، ونظم لها وضعاً خاصاً 'corpus separatum ' ولكن وبعد أن وقعت القدس في يد الاحتلال الإسرائيلي تعرضت قدسيتها وحضارتها وتاريخها وإرثها الإنساني لأفظع الانتهاكات، وعمل الاحتلال منذ أن بدأ بلا هوادة علي تهويد المقدسات والأرض والتراث، فضلاً عن السياسات المبرمجة لاقتلاع وتهجير الإنسان الفلسطيني منها والاعتداء علي حقوقه وسبل عيشه عبر سن القوانين الجائرة التي تهدف كلها إلي إحكام السيطرة الإسرائيلية عليها. واوضح الامين العام لجامعة الدول العربية ان سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعطت لنفسها حقوقاً باطلة بالتحكم والسيطرة علي الأرض والسكان في القدسالمحتلة تحت ادعاء باطل بطلاناً تاماً، وهو الإدعاء بتنفيذ "نظرية فراغ السيادة" بدعوي عدم وجود كيان سياسي فلسطيني في الفترة الممتدة بعد سقوط الدولة العثمانية اثر الحرب العالمية الأولي وانتقال الولاية علي اقليمفلسطين إلي الانتداب البريطاني وقال ان هذا الإدعاء يتنافي بشكل واضح وصريح مع أحكام القانون الدولي، حيث أن أحد المسئوليات الأساسية لدولة الانتداب – وذلك إنابة عن عصبة الامم- قائم علي مساعدة شعب هذا الإقليم لتحقيق الحكم الذاتي الكامل والاستقلال في اقرب وقت ممكن. فقد نصت المادة 22 من ميثاق عصبة الامم علي: "أن مصلحة وتنمية الشعوب –تحت الولاية- مسئولية مقدسة للحضارات"، ولقد نظرت محكمة العدل الدولية في طبيعة الأقاليم تحت الولاية ووضعت مبدأين في هذا الشأن في عامي 1950 و 1971 وهما مبدأ عدم الضم non annexation ومبدأ "مصلحة وتنمية الشعوب –تحت الولاية- كمسئولية مقدسة للمجتمع الدولي، وهو ما ينفي بصورة قاطعة ادعاء إسرائيل الباطل بطلاناً تاماً بعدم وجود إقليمللفلسطينيين قبل 1948 وعدم وجود سيادة لأي أحد علي هذه الأراضي. واشار العربي الي ان المجتمع الدولي رفض قرار "إسرائيل" بضم القدسالشرقية، وسبق أن أصدر مجلس الأمن قراراً عام 1980 بأن كافة التشريعات والإجراءات الإدارية والتصرفات الإسرائيلية التي تهدف إلي تعديل المركز القانوني للقدس لاغيه وباطلة' Null and Void' وهو ما أكده الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 9/7/2004 الذي نص صراحة في الفقرة 101: "أن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق علي الأراضي الفلسطينية التي كانت تقع شرق الخط الأخضر والتي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي"، ونصت الفقرة 78 منه علي: "أن كافة الأراضي الفلسطينيةالمحتلة بما في ذلك القدسالشرقية تظل أراضٍ محتلة وإسرائيل هي سلطة احتلال فقط". واوضح انه ما كان لإسرائيل أن تستمر في انتهاك القرارات والمواثيق الدولية ذات الصلة لولا الحماية الأمريكية حتي أصبحت دولة فوق القانون، حماية ظالمة جنت علي حقوق الآخرين، بل واعتدت علي حياتهم وهددت الأمن والاستقرار، ومما يرتب مسئولية أساسية علي جميع دول العالم والمؤسسات الدولية بإلزام إسرائيل باحترام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وقوانينها واتفاقياتها وبما في ذلك تطبيق اتفاقيتي لاهاي لعامي 1899 و 1907 واللتين تشكلان جزءاً من القانون الدولي العرفي 'Customary int. law' والذي يمتاز بكونه ملزماً لجميع الدول. واضاف الامين العام في كلمته لقد طالت يد الاحتلال الإسرائيلي في ظل هذا التغاضي علي انتهاكات وإجراءات التهويد كل ما هو موجود في المدينة من المقدسات الدينية والآثار التاريخية ومن حقوق وممتلكات فلسطينية شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً وداخل أسوار البلدة القديمة، فهناك حرباً إسرائيلية تهويدية مفتوحة في كافة الاتجاهات تستهدف كل مكونات المدينة من مقدسات وتاريخ وتراث إنساني وتغيير في الخريطة الجغرافية والتركيبة الديموغرافية، وهناك تغول استيطاني يترافق مع حملة الحفريات في محيط الأقصي المبارك ومن أسفله وإقامة الأنفاق في محاولة مستميتة للجمعيات الاستيطانية للسيطرة علي الممتلكات المسيحية في البلدة القديمة، ومنها أملاك كنيسة الروم الأرثوذكس، وبطريركية الروم الأرثوذكس، لأن الاستهداف الإسرائيلي ليس حصراً علي الأماكن والمقدسات الإسلامية بل والمقدسات المسيحية أيضاً. واشار العربي في كلمته انه يجب أن لا نترك الاحتلال مستمراً في غيه، ويجب عدم ترك الفلسطينيين وحدهم يواجهون هذا المشروع الاستعماري الإسرائيلي، فهناك مسئولية دولية جماعية تقع علي عاتق الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف لعام 1949 بأن يضمنوا احترام جميع أطراف الاتفاقيات لأحكامها. وأقول لمن يتحدثون عن الأمن، أن الحدود الآمنة هي "حدود الحق وليس حدود القوة"، ولن يكون هناك سلام إلا سلام الحق ، والسلام العادل والدايم في المنطقة لا يمكن إقراره إلا علي أساس إنها الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب الشامل للقوات الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية التي احتلت عام 1967، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة وعاصمتها القدسالشرقية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفق قرار الجمعية العامة رقم 194، وإطلاق سراح جميع الأسري، وهذا هو توجه العرب الذي أكدت عليه مبادرة السلام العربية، و قرارات القمم العربية التي تمسكت بموقفها بأن القدس خط أحمر ولا سلام بدون عودة القدس إلي أصحابها الفلسطينيين وانه يؤيد اقتراح أمير قطر إلي مجلس الأمن للمطالبة بإنشاء لجنة تقصي حقائق تتوجه إلي القدس وتسجل الانتهاكات تمهيداً لإنجاز القرارات اللازمة. وقال انه من واجبنا جميعاً أن نعيد لهذه المدينة العزيزة علي قلوبنا، أن نعيد لها طابعها الحضاري باعتبارها مدينة تجمع ولا تفرق، مدينة للتسامح والتعايش بين الأديان والحضارات، مدينة حرة مفتوحة لكل المؤمنين، تصان فيها جميع الأماكن المقدسة، وتحفظ فيها الحقوق الدينية للجميع لتنعم المنطقة بالسلام العادل والشامل والدائم، وهو مع الأسف ما زال أمراً بعيد المنال، بسبب تعنت السياسات الإسرائيلية وتبديدها لفرص تحقيق السلام