كثيرة هي تلك الرسائل التي بعث بها البحر موقعة بدماء من قتلوا غدرا وهم يصارعون الموت تتعالي صرخاتهم واستغاثاتهم ولا منقذ لهم ولا مجيب وهم الفارون من جحيم الحياة القاسية في بلادهم بحثا عن حياة أخري و رغيف خبز بلا مذلة وعيشة بكرامة في أوطان غير أوطانهم تتلقفهم الأمواج السوداء بلا هوادة او رحمة. ألم تصل كل هذه الرسائل المكتوبة بدموع البؤساء المملوءة بالعذاب والشقاء الي المسئولين عنهم امام الله؟ الم تصل معاناة هؤلاء الفقراء الي رجال الأعمال في بلادنا أصحاب الاموال والنفوذ كي يساعدوهم علي تحمل أعباء الحياة بدلا من تضخم ثرواتهم في البنوك دون مراعاة للمساكين من أبناء جلدتهم؟ ان هناك الكثير والكثير من القصص والروايات الحزينة من مصريين ومن أبناء الدول العربية والأفريقية أيضا يلقون نفس المصير مابين مهاجر أجبرته الحرب علي الفرار ومابين فقير اضطرته الظروف المعيشية الي الهرب فأين اثرياء تلك الدول وأين حكوماتهم وهم يرون شبابا في عمر الزهور يلقي بنفسه الي التهلكة بحثا عن مكان آمن و لقمة عيش؟ ان هؤلاء الشباب الفقراء المحرومين من الحياة الطبيعية كانت احلامهم تتلخص في الخروج الي عالم ووطن يحترم انسانيتهم في حياة رغدة وعيشة آدمية في بلاد سمع من أقرانه الذين سبقوه اليها قصص الحياة الجميلة هناك في هذه البلاد التي تعامل الانسان كانسان. هم ضحية لنخب فاسدة آثرت نفسها علي من سواها فكان هذا المصير .فمتي سينتهي هذا الواقع الأليم الذي يعيشه هؤلاء الشباب في أوطانهم سواء كانوا فارين من الحرب كما في سوريا واليمن والعراق وليبيا أو فارين من الجوع والفقر كما في مصر ودول المغرب العربي وأفريقيا وفي صورة شبه يومية تبتلع الأمواج مئات الشباب من هؤلاء الحالمين بالعيش في بلاد الغرب غرر بهم سماسرة الموت والهجرة غير الشرعية بعد أن استولوا علي مدخراتهم وتركوهم فريسة لموت محقق. ان من يستمع الي هؤلاء الشباب الفارين من بلادهم وعن الاسباب التي جعلتهم يغامرون بحياتهم ويتحدون الصعاب في هجرة غير مضمونة العواقب تجد ردودهم مقنعة فهم شباب كفر بوطنه بعد أن سرق الفاسدون أحلامهم البسيطة فلم يتركوا لهم ما يقتاتون به سرقوا وظائفهم بالمحسوبية والرشاوي سرقوا خبزهم بفسادهم وتركوهم جياعًا لم يجد هؤلاء الشباب من يحنو عليهم من المسئولين فلم يوفروا لهم سكنا مناسبا ولا عملا لائقا ولابنية تحتية في قراهم فتجد تلك القري الفقيرة بلا مدارس أو مستشفيات أو أي خدمات تذكر وكل هذا بسبب الفساد والمحسوبية والضمير المعدوم .ان المشاهد المفزعة التي يرويها هؤلاء الشباب الناجون من الغرق عن ما لاقوه من أهوال في رحلاتهم وغرق مراكبهم وكيف شاهدوا أصدقاءهم يموتون أمام أعينهم وهم لا يستطيعون إنقاذهم ان تلك المشاهد لم ولن ينسوها ولن تترك مخيلتهم وستظل أمام أعينهم مدي الدهر.ان أحلام هؤلاء الشباب بسيطة لا تتعدي عيشة متوسطة بكرامة في بلادهم وتوفير فرص عمل حقيقية لهم تغنيهم عن ذل السؤال بدلا من تركهم فريسة لسماسرة الموت يحطمون أحلامهم علي أمواج البحار .